سر الآلام المبرحة الناتجة عن صدمة عظمة مرفق اليد
الحكمة – متابعة: لا يوجد ألم يشبه ذاك الذي تمر به عندما يرتطم شيء ما بذلك الجزء العظمي خلف مرفق يدك، والذي يعرف باسم (العظم الطريف). لكن ما الذي يجري بالتحديد لكي يحدث مثل هذا الألم الفريد من نوعه؟
على أية حال، كلنا نعلم أن أي صدمة أو لطمة يتلقاها أحدنا في هذه البقعة من المرفق لا تكون “رفيقة” به على الإطلاق. لكن هل تعلم أن تلك الوخزات التي تشعر بها عند حدوث صدمة مثل هذه لا تنبع من العظام في حد ذاتها على الإطلاق؟
فهذه المشاعر – المزعجة بلا ريب – تنبعث من العصب الزندي، وهو عبارة عن مجموعة من الألياف الحساسة التي تمتد على طول الذراع، وتمر خلف مفصل المرفق.
وفي واقع الأمر، من غير الواضح كيف أُطلق على تلك البقعة الحساسة ذلك الاسم الذي تحمله باللغة الإنجليزية (funny bone)، والذي يُترجم أحيانا على نحو حرفي ليُسمى بالعربية “العظم الطريف”.
فالبعض يقول إنه ليس سوى تلاعب بالألفاظ، نظرا لأن العظمة الواقعة في أعلى الذراع؛ تحديدا ما بين المرفق والكتف والتي تٌسمى بالعربية (العضد)، تُعرف بالإنجليزية باسم “هيوميروس”، أي على ذات الشاكلة التي تُنطق بها كلمة “فكاهي” أو “هزلي” بتلك اللغة.
لكن هناك من يقول إن الاسم مشتق من ذاك الشعور الجسدي الغريب المزعج الذي يبدو كوخزة حادة، والذي يصيب المرء حينما يُصاب ذلك الجزء من عظام المرفق بلطمة أو ضربة على نحو خاطئ.
فرغم أننا قد لا نعلم تحديدا السبب الذي يقف وراء إطلاق هذا الاسم الانجليزي على تلك البقعة من عظام المرفق، فإننا نعلم بالتأكيد السبب الذي يجعل من المؤلم للغاية لطم هذه المنطقة أو ضربها.
بدايةً علينا توضيح أن العصب الزندي يبدأ من العمود الفقري وتتفرع أليافه في مختلف أنحاء الكتف نزولا إلى الذراع، ليصل إلى منتهاه في الخنصر والبنصر، هذين الأصبعين المتجاورين في اليد.
وتوفر طبقات من العظام والعضلات الحماية لحزمة الخلايا العصبية تلك وهي تمتد عبر الذراع، وترسل وتستقبل إشارات من وإلى عضلات الساعد واليد.
وتكمن المشكلة في أنه بينما يمر العصب الزندي في منطقة المرفق، فإنه يمضي خلف نتوء ينتمي لعظمة العضد يُطلق عليه اسم “لقيمة العضد الإنْسِيَّة”. كما يمر هذا العصب من خلال قناة صغيرة لا يزيد طولها على أربعة ميلليمترات تحمل اسم “النفق المرفقي”، والتي تحاذي ما يُعرف بـ”الزُّجّ”، وهو نتوء عظمي معقوف قليلا تلتقي فيه عظمة العضد بعظمتيّ الكعبرة والزند.
وفي هذه البقعة، تُحاط تلك الحزمة العصبية – أماماً وخلفاً – بالعظام والجلد، دون وجود كثير مما يُمكن أن يشكل بطانة أو حماية لها من الصدمات.
لذا فعندما ترتطم ذراعك بشيء ما وهي على شكل زاوية قائمة، فإن ذلك يعني أنك تسحق العصب الزندي عبر صدمه بـ”لقيمة العضد الإنْسِيَّة”.
وعندما يحدث ذلك، ينتابك ذاك الشعور المألوف الناجم عن ارتطام شيء ما بتلك النقطة المعروفة باسم “العظم الطريف”، وهو عبارة عن مزيج غريب من الإحساس بالخدر والوخز. ومن ثم ينبعث الألم كالنار نزولا إلى باقي الذراع، ووصولا إلى الخنصر والبنصر؛ نظرا لأن العصب الزندي هو المسؤول عن الشعور بالألم وليس عظمة العضد نفسها.
ولكن بقدر الألم الذي يبدو عليه هذا الأمر، فإنه لا يعدو شعورا عابرا بالنسبة لغالبية من يَخْبُرُونَ الصدمات واللطمات التي تضرب العصب الزندي. فعادة ما يزول هذا الألم بعد بضع دقائق من تدليك المرفق.
ومن بين الأعراض المرضية الأخرى المتعلقة بهذه المنطقة من جسم الإنسان؛ عرض يحمل اسم “متلازمة النفق المرفقي”.
ولكي تتخيل الألم الناجم عن الإصابة بهذه المتلازمة، فلتتصور ما يمكن أن تشعر به من آلام نتيجة تعرض مرفقك؛ تحديدا تلك النقطة غير المحمية القريبة من العصب الزندي (العظم الطريف)، لضربات مستمرة ومنتظمة من قبل شخص ما يلاحقك طوال الوقت وأنت تقضي أمور حياتك اليومية.
ورغم أن الإصابة بهذه المتلازمة أقل شيوعا من الإصابة بعرّضٍ مشابه لها يحمل اسم “متلازمة النفق الرسغي” والذي يصيب الأيدي؛ فإن متلازمة النفق المرفقي يمكن أن تسبب في واقع الأمر آلاما مبرحة بشدة، بل قد تعوق قدرة الإنسان على استخدام يده في حالاتها الأكثر حدة.
وتعد تلك المتلازمة ثاني أكثر المحن المرضية من ذلك النوع انتشارا، بعد متلازمة النفق الرسغي.
الجبائر والوسائد
يتمثل الفارق الرئيسي بين مجرد الشعور بألم ناجم عن التعرض للطمة في منطقة “العظم الطريف”، أو تشخيص إصابة المرء بـ”متلازمة النفق المرفقي”، في أن الأمر في الحالة الأولى يتمثل في الشعور بمجرد ألم سريع خاطف يضرب العصب الزندي، أما في الحالة الثانية فيتمثل في الشعور بألم قارص وموجع وضاغط يصيب ذاك العصب لفترة طويلة من الوقت أو على نحو متكرر.
وقد تتفاقم هذه المتلازمة، على سبيل المثال، إذا ما تحركت ألياف العصب الزندي على نحو سريع جيئة وذهابا مارةً بـ”لقيمة العضد الإنْسِيَّة” (تلك المنطقة الناتئة من عظم العضد)، وذلك عندما ينثني مرفق المرء ثم يتمدد ويستقيم مرارا وتكرارا.
أو ربما يحدث ذلك التفاقم إذا ما أبقيت مرفقك في وضع منثنٍ ومقوس لوقت أطول مما ينبغي، كما يحدث خلال النوم، أو حينما تضع هاتفك المحمول على أحد جانبي وجهك لفترة طويلة من الوقت.
وعادة ما يفضل غالبية الأطباء في البداية استخدام الأساليب العلاجية، التي لا تتضمن تدخلا جراحيا للتخفيف من حدة المشكلة، وذلك قبل اللجوء إلى إجراء جراحة.
وتتمثل الوصفة الطبية الأكثر وضوحا في هذا الشأن؛ في تجنب الأعمال التي قد تسبب حدوث أعراض “متلازمة النفق المرفقي”. فإذا ما كان شخص ما معتادا على إبقاء ذراعيه مقوستين خلال نومه؛ بوسعه في هذه الحالة وضع جبيرة حولهما قبل أن يدلف إلى الفراش، أو ربط وسادة أو منشفة حول مرفقه لإبقاء الذراع في وضع أكثر استرخاءً.
أما من يشعرون بعدم الراحة لإبقاء هواتفهم في وضع عمودي ومستقيم على الوجه خلال الحديث، فبمقدورهم اللجوء إلى السماعات التي تُثبت في الأذن وتُغني عن استخدام الأيدي في التعامل مع الهاتف.
وهكذا فهناك تعديلات محدودة وبسيطة على الطرق التي نمارس بها أنشطتنا اليومية، يمكن أن تجلب قدرا لا يصدق من الراحة وتسكين الآلام لمن يعانون من الأنماط الأقل حدة من “متلازمة النفق المرفقي”.
لكن كما تقول الجمعية الأمريكية لجراحة اليد، فإنه يتعين في بعض الحالات وضع مسألة إجراء جراحة لمن يعانون من تلك المتلازمة في الحسبان كوسيلة لمعالجتها.
ويمكن أن يجري في هذا الإطار تعديل موضع العصب ليصبح في المنطقة الأمامية من المرفق، أو تشذيب جانب من العظام أو إزالته تماما، لتخفيف الضغط الواقع على ذلك العصب. لكن المشكلة هنا تكمن في عدم وجود إجماع يذكر حول أيٍ من هذه الوسائل هو السبيل العلاجي الأمثل في هذا الشأن.
وفي دراسة أجريت عام 1989، وشملت مراجعة لدراسات وتقارير نُشرت على مدى نحو قرن بشأن حالات مصابة بتلك المتلازمة، ما يشكل مجموعة بيانات لأكثر من ألفيّ مريض تطلب علاجهم من “متلازمة النفق المرفقي” اللجوء إلى تدخل جراحي.
وفي إطار هذه الدراسة، قال الطبيب آيه لي ديلون – وهو من مدينة بالتيمور الأمريكية – في حسرة: ” تراوحت فلسفة العلاج ما بين وقت كان الجراحون يؤمنون فيه فعليا بأن كل حالة من حالات انضغاط العصب الزندي في المرفق تستدعي التدخل الجراحي، لأنه كان يبدو أنه ليست هناك أمثلة لحالات تُشفى من تلقاء نفسها (دون جراحة)، لتصل إلى ذاك الإدراك الذي شاع مؤخرا حول إمكانية أن يؤدي التعامل مع حالات منتقاة بأساليب غير جراحية إلى الشفاء”.
ولم يتغير الكثير في هذا الصدد رغم مرور أكثر من ربع قرن على ما قاله ديلون، إلى حد أن الباحثين كانوا حتى خلال العام الماضي لا يزالون يجرون دراسات يقارنون فيها بين البدائل الجراحية المختلفة.
وفي وقت سابق من العام الجاري، كتب ثلاثة جراحين يعملون في مستشفى أليغاني العام بمدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأمريكية يقولون: “لا توجد مقاييس (ثابتة) فيما يتعلق بالعلاج الجراحي لمتلازمة النفق المرفقي”.
ومضى الجراحون، وهم براساد سواردكر، وكاتي إي كيندت، ومارك إي باراتز، يقولون إن “الأدلة المتوافرة في هذه المرحلة غير كافية لتحديد الأسلوب العلاجي الأمثل”.
لذا ففي المرة المقبلة التي يرتطم فيها مرفقك بعنف عرضاً بمسند مقعدك أو بباب السيارة، أو بأي شيء أخر؛ عليك أن تتشجع وتتماسك إذ أن الأمر ربما يكون أسوأ بكثير مما تظن.
(BBC)