تاسوعاء.. إحياء ذكرى شهادة علي الأكبر (فارس كربلاء)
379
شارك
الحكمة – متابعة: علي الأكبر بن الحسين عليهما السلام أمـّه ليلى بنت أبي مروة وهو أكبر إخوته . . .
نشأ علي الأكبر في رعاية سبط الرسول ( ص ) وحبيبه ، وأمٍّ كريمة ، ونهل من نبع الإيمان لدى أبيه العظيم . . .
وأخذ عنه علمه ومعرفته ، واغترف من بحر فضائله ومزاياه ، فنما رشيداً شجاعاً شجاعةً فائقة ، محبـّاً للفداء والتضحية ، لا يعرف الضعف إليه سبيلاً . . .
كان متميزاً في الفروسية حتى عدّه المؤرخون فتى بني هاشم ، وكان مع صغر سنـّه يمتاز بالوعي والإدراك العميق . . .
صفات اعترف بها أعداؤه بصراحةٍ . . .
وإذا صنـّفنا أحرار كربلاء لأتى علي الأكبر في الصف الأول من حيث الشهامة والشجاعة والفداء . . .
لقد سار هو وإخوته الكرام بصحبة أبيه مهاجرين إلى الله تعالى في قافلة الإيمان ، عارفين ما ينتظرهم من مصاعب . . .
ساروا بلا تردد أو تخاذل في طريق الحق ، يرفعون راية الدفاع عن المظلومين ، لا تخيفهم كثرة الأعداء . . .لقد كان بحقٍ بطلاً من أبطال الإسلام ، وابناً طاهراً من أبناء النبوة ، وتربـّى في أحضان ابن البتول صانعة الرجال وابنها الحسين عليهم السلام . . .
لقد شهد علي الأكبر الابن البار الوفي للإسلام تخاذل الضعاف منتهزي الفرص ، وتأذى لما رأى . . .
لكنـّه لم يكن ليضعف أو يتزلزل مقدار ذرة ، وقد زاد من ثباته وتصميمه ما رآه من إيمان وصبر إخوة مسلم بن عقيل وطفليه ، وتابع طريقه بإرادةٍ صلبه . . .
كيف لا وقد حمل بين جنبيه روح جدّه أمير المؤمنين عليهما السلام ، طالباً الشهادة بشوق وشغف . . .
وفجر يوم عاشوراء ، اصطف جند الإسلام في مواجهة جند الحكم الأموي المعتدين . . .
و كان أصحاب الإمام الأوفياء على استعداد للفداء ، يحدوهم دافع وحيد ، هو القتال في سبيل الله . . .
ولدى مواجهة أعوان ابن سعد ، حملوا الأرواح على الأكف ، كي يرووا تربة الثورة في كربلاء بدمائهم الطاهرة . . .
وكان الحـُسين عليه السلام يرى أصحابه ومحبـّيه يتسابقون إلى القتال ، يحدوهم الأمل بالفوز والشهادة . . .
وأخيراً يقع نظره على ولده الفتى الرشيد . . .
ولم ينفك محذراً أعوان يزيد داعياً للحق مرّة بعد مرّة . . .
وحين حاصر جنود ابن زياد أنصار الإمام ( ع ) كان علي الأكبر واحداً من المقاتلين الذين تصدوا لهجوم أعداء الله . . .
دون أن ترهبهم كثرة العدد أو العتاد . . .
وبعد قتال عنيف قـُتل جميع أصحاب الإمام عليهم السلام ، وعانقت أجسادهم التراب مختلطاً بدمائهم الزكية . . .
ولم يبق حول الإمام سوى أهل بيته خاصة . . .
وعندما برز علي الأكبر عليه السلام ، وبعد أن استأذن أباه للقتال ، كان قد ملأه الغضب والحماس للذود عن الحق ، وغمره الشوق إلى الشهادة في سبيل الله . . .
فأذن له ونظر إليه آيساً منه وأرخى عينيه عليه السلام وبكى . . .
ثم رفع شيبته الشريفة نحو السماء وقال :
{ اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خلقاً وخـُلقاً ومنطقاً برسولك . . .
وشدّ على الناس وقتل منهم جمعاً كبيراً حتى ضجـّوا من كثرة القتلى . . .
ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال :
{ يا أبتِ ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة من الماء بسبيل ؟ }
فوضع لسانه على لسان أبيه الحـُسين فإذا هو أنشف من الخشب فقال له عليه السلام :
{ ارجع على قتال عدوك ، فإنـّي أرجو أنـّك لا تـُمسي حتى يسقيك جدّكَ بكأسه الأوفى ، شربةً لا تظمأ بعدها أبداً }
وعانقه الحـُسين عليهم السلام عناق الوداع ووقعا على الأرض
ما أصعبها وما أشقـّها وما أقساها من لحظات فطرت قلب الحـُسين محتسباً أمره لله ومقدماً ابنه قرباناً امتثالاً لأمر الله . . .
لقد نزلت كلمات الحـُسين الأب المحب على قلب ولده كقطرات الندى ، فعاد إلى القتال ، يكافح منازليه بشدة . . .
وكان أهل الكوفة بين من يريد قتله وبين متقٍ لقتله وهم يرون شبهه برسول الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام . . .
وأمر ابن سعد رجاله بمحاصرة علي الأكبر بعد أن أعياهم الوصول إليه . . .
فاستهدفه منقذ بن مرّة العبدي ، من قبيلة عبد القيس ، بسهمٍ من الخلف في ظهره ، فهوى عليه السلام على رقبة فرسه ، وعندها احتوشه الأعداء ، وأعملوا فيه سيوفهم . . .
ولما بلغت روحه التراقي قال رافعاً صوته :
{ يا أبتاه هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربةً لا أظمأ بعدها ، وهو يقول العجل العجل }
أسرع الحـُسين إليه ففرّق الأعداء عن جسد ابنه ، ثم أخذ رأسه ووضعه في حجره ، وجعل يمسح الدم والتراب عن وجهه ويقول ، وصوته يرتفع بالبكاء :
{ قتلَ اللهُ قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الله ورسوله . . .
على الدنيا بعدك العفا . . . }
لهفي عليكَ يا أبا عبد الله وأنتَ ترى ثمرة عملك وحياتك وجهادك وفلذة كبدك يذهب إلى لقاء ربه ،
مضرّجاً بدمائه بأيدي عتاة كفرة طغاة فجره . . .
وكانت زينب عليها السلام قد خرجت مسرعةً تنادي بالويل والثبور ، وهي تقول :
{ يا حبيباه ، يا قرة فؤاداه ، يا نور عيناه ، يا اُخيـّاه وابن اُخيـّاه . . . }
ثم رمت بنفسها على الجسد الطاهر ، تغسل وجهه بدموعها ، حتى أمسك بها الإمام وأعادها إلى الخيمة . . .
ودعا بني هاشم ليحملوا أخاهم إلى الفسطاط . . .
نعم لقد قدم شهداء كربلاء دروساً للإنسانية ، بأكفانهم الوردية المصطبغة بدمائهم الزكيـّة . . .