تحليل: الإيبولا وكورونا وانفلونزا الطيور … فرص ضائعة في ميادين البحث العلمي
لندن (رويترز) – قد يطلب من كل من تصبهم الانفلونزا في أوروبا هذا الشتاء ان يسجل اسمه ضمن تجربة اكلينيكية عشوائية … حيث إما ان يتعاطوا عقارا –قد ينجح في علاج العدوى او قد لا يفلح- وإما ان تسدى اليهم نصائح بتناول المسكنات والخلود إلى الراحة في الفراش.
وسيسهم أولئك الذين سينخرطون في هذه التجربة في مساعدة العالم كي يعد العدة لمواجهة جائحة فتاكة محتملة قادمة فضلا عن مد يد العون للعلماء ممن يسعون جاهدين لسد الثغرات المعرفية التي تخلفت عن الفرص المهدرة السابقة.
ولا يزال العلماء يجهلون بدرجة كبيرة كيفية وقف أو مجابهة الهجمات المرضية الشرسة التي لم يشهدها العالم من قبل في السنوات الأخيرة … من ظهور متلازمة الشرق الاوسط التنفسية (فيروس كورونا) في السعودية والسلالة الفيروسية الجديدة الفتاكة من انفلونزا الطيور بالصين والتفشي الذي لم يسبقه مثيل لوباء الايبولا في غرب افريقيا.
يقول خبراء الأمراض إن العلماء لم يفلحوا حتى في مجرد رصد منشأ تلك الأمراض ويرجع سبب ذلك ببساطة الى عدم اجراء الدراسات الأساسية وتحليل طرق انتقال الأمراض واختبار العقاقير واللقاحات التجريبية وذلك في أثناء استشراء تلك الأمراض.
ويضيف هؤلاء الخبراء انها سقطة وقع فيها البحث العلمي يتعين ألا يُسمح له بتكرارها.
يقول جيريمي فارار مدير مؤسسة (ولكام تراست) الخيرية العالمية للصحة وخبير الأمراض المعدية “كانت البحوث التي جرت في جميع الأوبئة التي شهدناها خلال العقود الأخيرة جهودا يرثى لها. العالم الآن في خطر نظرا لوجود ثغرات هائلة في قاعدتنا المعرفية”.
وأضاف “ليس لدينا الآن أي لقاح لعلاج التهاب الجهاز التنفسي الحاد (سارز) اذا ما عاود هجومه غدا. ولا ندري كيف نعالج متلازمة الشرق الاوسط التنفسية (فيروس كورونا) فيما استغرق الأمر من ستة الى تسعة أشهر كي نبدأ في التجارب الاكلينيكية للقاحات الايبولا.
“في الوقت نفسه راح نحو 12 ألف شخص ضحية لهذه الأمراض. أما خلال استفحال السلالة الفيروسية اتش1ان1 من انفلونزا الخنازير فقد كان عدد من شاركوا في الدراسات الاكلينيكية العشوائية يقترب من الصفر”.
* “عملية عبثية”
وقالت ترودي لانج استاذة بحوث الصحة العالمية بجامعة اكسفورد التي تعكف على تذليل العقبات التي تقف حائلا دون مكافحة هذه الأمراض إن البيروقراطية والقيود اللوجستية وانعدام الرؤية واستبصار العواقب كانت تمثل جوهر هذه المشاكل.
وخلال تفشي وباء الايبولا الذي اجتاح غينيا وليبيريا وسيراليون كُلف فريق لانج –الذي تخصص في تخطيط وتنفيذ التجارب بين من هم عرضة للاصابة وسط الظروف العصيبة- بتصميم تجربة اكلينيكية لايجاد علاج محتمل للايبولا.
وقالت لانج لرويترز “يستغرق الأمر عادة 18 شهرا لتصميم تجربة وقد أنجزنا ذلك في 18 اسبوعا فقط لكن المشكلة اننا كنا قد تأخرنا كثيرا بالفعل”.
وخلال تفشي السلالة الفيروسية اتش1ان1 من انفلونزا الخنازير عام 2009 –عندما قامت حكومات كثيرة بتخزين عقاقير لمكافحة الفيروسات مثل تاميفلو الذي تنتجه شركة روش للمستحضرات الدوائية وريلينزا من انتاج شركة جلاكسوسميثكلاين ووصفها الاطباء كاجراء وقائي دون وجود تشخيص مؤكد- لم تجر أي تجارب اكلينيكية عشوائية للجزم بمدى فعالية هذه الأدوية.
وأدى ذلك الى قلة أو عدم توافر أدلة مؤكدة لدى مسؤولي الصحة يستندون اليها في اتخاذ القرارات العلاجية عندما تتهدد العالم جائحة عالمية من سلالة فيروسية جديدة للانفلونزا.
وقال كريس باتلر استاذ العلوم الاكلينيكية بمعهد الصحة العامة والرعاية الأولية بجامعة كارديف الذي يعمل الآن ضمن تجربة أوروبية شاملة لعلاج الانفلونزا الشتوية يأمل بأن تسد الفجوات المعرفية الحالية “من المؤسف للغاية إننا لم نغتنم الفرصة لايجاد أدلة”.
وبات في حكم المؤكد أن بدء إجراء تجارب اكلينيكية خلال أي تفش ستكتنفه صعوبات ترجع جزئيا الى ان أي سلالة جديدة أو نادرة من المرض يمكن ان تصيب الكثيرين وتصيب الخدمات الصحية بالشلل كما ترجع أيضا الى وجود عقبات بيروقراطية.
ومُنح فريق لانج أموالا في سبتمبر أيلول من عام 2014 وتمكن في يناير كانون الثاني 2015 من بدء تجارب غير ان ذلك تزامن مع تراجع حاد في أعداد مرضى الايبولا فيما كان غرب افريقيا قد بدأ يشهد تعافيا تدريجيا من الوباء.
وأشار العلماء الى كم هائل من استيفاء النماذج وملء الخانات الملائمة وصياغة العقود واجتماع اللجان وتوقيع الاتفاقيات وهي أمور يتضمنها التجهيز لأي تجربة اكلينيكية.
وقال باتلر “الأمر يتطلب كما هائلا من التراخيص إنها عملية عبثية يمكن ان تستغرق عدة أشهر. إنني اصاب بالصداع كلما أفكر في كل هذه الموافقات” من لجان الأخلاقيات والجهات الراعية والمحامين وكبار مسؤولي البحوث والتطوير والعاملين بالعيادات.
ويستلزم الأمر موافقات قانونية بين موردي المنتج أو العقار التجريبي واللقاح أو غيرها وبين من يجرون التجربة والموردين والمستشفيات والعيادات والمراكز الصحية حيث سيجري استضافة المرضى.
وفي سيناريو تفشي مرض سريع العدوى لاسيما متلازمة الشرق الاوسط التنفسية (فيروس كورونا) في السعودية أو السلالة الفيروسية الجديدة اتش7ان9 لانفلونزا الطيور بالصين فان مثل هذه المسائل القانونية يمكن ان تتفاقم بفعل التنافس على العثور على المرضى.
وقالت لانج “نحتاج الى بروتوكولات جاهزة للعمل والى قوة مهام على أهبة الاستعداد من العاملين في مجال البحوث في كل مكان لنشرهم في تجارب التفشي القادمة”.
وعلى سبيل المثال فان العقود القانونية تغطي بصورة شاملة نفس الأمور بالنسبة لأي تجربة مثل المشاركة في المعلومات وتخزينها وضمان ثقة المرضى والموافقات على التجربة والاطلاع على تفاصيلها وتوقيت نشر النتائج.
ك ح