العتبة الحسينية ترعى مهرجانا عالميا عن الإمام السجاد (عليه السلام)
465
شارك
كربلاء – الحكمة: شهد الصحن الحسيني الشريف مساء السبت (7-9/11/2015) الموافق (24ـ 26/محرم الحرام/1437هـ ) انطلاق فعاليات مهرجان تراتيل سجادية الدولي الثاني الذي تقيمه العتبة الحسينية المقدسة بمناسبة حلول ذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام حضره نخبة من الشخصيات الرسمية والشعبية من داخل وخارج العراق ومن مختلف الديانات والطوائف.
استهل المهرجان بآي من الذكر الحكيم أعقبها كلمة الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي بين من خلالها أهمية إقامة هكذا مهرجان في ظروف استثنائية كالتي يعيشها العراق بالخصوص والعالم أجمع قائلا: ” تدور محاور مهرجاننا هذا حول مسالة جوهرية تتعلق بنظام الحقوق الخاص بالإنسان ومجتمعة ، وهو ـ أي المهرجان ـ مساهمة منا في التعريف بالكنوز المعرفية العظيمة التي تركها لنا أئمة أهل البيت عليهم السلام من خلال ما سطره التقنين السجادي بتشريع الحقوق الإنسانية “.
وأضاف ” من المتسالم عليه ، أن مسالة نظام الحقوق والواجبات يمثل ضرورة اجتماعية لأي نظام اجتماعي للإنسان ، ونعني بالضرورة الاجتماعية ما تستوعبه ضرورة انتظام مجالات الحياة الإنسانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وغيرها ثم تأطيرها في أطر قانونية وتشريعية ، وقد اشتدت الضرورة الاجتماعية للحقوق والواجبات في السنوات الأخيرة ، بسبب ما نعيشه من صراع وتنافس وهضم لحقوق الانسان ، إذ تكمن المشكلة في تحقيق هذه الضرورة بعد تحديد مسارات التشريع ومصادرها وأصولها ، بما يضمن تقنين نظام الحقوق الإنسانية ، ويكفل من خلاله الاطمئنان بصحة هذا التشريع وتلبيته لهذه الضرورة الحياتية ، الا أن الملحوظ مع اشتداد الصراع السياسي والتنازع الاجتماعي ومحاولات الهيمنة والاستعلاء والتسلط والقهر من بعض بني البشر لبعضه الآخر ، جعل من الضرورة الالتفات والاهتمام بهذا النظام والعمل على تطبيقه كضرورة الطعام والسكن ونحوهما ، بل هو الأساس الأهم للأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والنفسي لدى الانسان ، وهنا جاءت محاولات بعض المجتمعات البشرية بوضع لائحة الحقوق للإنسان ، فخرج الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أعلن عنه رسميا في عام 1948م ، ولكن هل حفظت وصينت هذه الحقوق وهل المشكلة في التطبيق أم في أصل تشريعها ” .
وأكد الكربلائي على : ” إن المشكلة تكمن في الأمرين معا فلا التشريع القانوني للحقوق استطاع أن يستوعب كل الحقوق ويقننها بما يمكن تطبيقها ، ولا هو قد وفر أسباب العمل والتطبيق لتمام مواده ، إذ لم يتمكن مقننه من إضفاء صبغة التكامل عليه أولا ، ولا إمكان تطبيقه لمواده ثانيا ، وذلك لان واضعه ـ مهما كان موقعه المعرفي أو التقنيني ـ هو في المحصلة بشر ، تتحكمه النوازع البشرية وتملي عليه المصالح الضيقة ، صياغة مثل هذه القوانين أو على الأقل التأثر بنظريات إنسانية وظروف اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية معينة تلقي بضلالها على طبيعة هذه التشريعات ، إذ لوحظ أنه قد حمل ظروف القهر والغلبة والاستبداد والمصادرة للحريات والحقوق الأساسية للإنسان ، ليحاول أن يجد ضالته فيما يبحث عنه من تشريع وتقنين لهذه الحقوق ، وأن يضمن أن يكون له قادة يصونون تطبيقها على مجتمعه بإخلاص وتفانٍ ، لكنه وسط هذا وذاك ، قد ضل الطريق وما اهتدى إلى الصواب ” .
وبخصوص التراث الإسلامي حول التقنينات الحقوقية ، بين الكربلائي : ” لم تكن هذه العوامل غائبة عن الساحة الإنسانية المعاصرة للإمام السجاد عليه السلام ، فكان من كنوز معارفه وعلومه أن ترك للأمة ذلك التراث الإنساني العظيم ، في رسالة الحقوق التي استندت إلى مجموعة مميزات ، أعطت لها صفة الكمال وإمكان التطبيق ، لأنها اعتمدت على أصول وضعها خالق الإنسان ومدبره والعارف بأسراره ، وكانت في تفريعاتها تحمل الدقة والاستيعاب والشمول لكل زاوية من زوايا حياة الإنسان التي تحتاج في انتظامها إلى معرفة مداخل وخصوصيات هذه الحياة ، ومدى تأثرها وتأثيرها ، وما يصلحها وما يفسدها ، إضافة إلى توافقها وتناغمها مع الفطرة الإنسانية ، كل ذلك أعطاها صفة الانقياد للإنسان المخاطب بها، فهي قادرة أن تواكب متغيرات العصر والمكان وتطور الحضارات الإنسانية ، إضافة إلى اعتمادها على عنصر التوازن بين الحقوق وما يقابلها من واجبات ، مما أعطاها قوة إضافية لضمان التطبيق ، في حين كان العنصر الثاني في قوة هذا النظام الحقوقي ـ الذي وضعه الإمام السجاد عليه السلام ـ هو أن الداعين له والواضعين له يحرصون أكثر من غيرهم على مراعاته وتعهده بالتطبيق والعمل به ، ولم يكن مجرد شعارات ودعوات ترفع على لافتات ليكسب بها التأييد والتربع على كرسي الحكم والرئاسة أو غير ذلك من الأهداف ” .
وعن واجبات الفرد منا تجاه هكذا كنوز ، أكد الكربلائي : ” نحن أمام مسؤولية عظيمة في أن نعرف المجتمع الإنساني بأصالة وعظمة هذه الرسالة التي طمستها سياسات حكام الجور ثم أردفها الإهمال واللامبالاة للتعريف بأسرارها ودقائقها ، ونحن مدعوون جميعا إلى العمل الجاد والدؤوب ، باستخدام كل الوسائل لتنبيه الأمة والمجتمع البشري على مدى خسارة الأمة والإنسان والمجتمع البشري بصورة عامة حينما ترك وراء ظهره هذه الكنوز الحقوقية وحرم نفسه ومجتمعه من عطائها وثمارها “.
من جهته بين رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم الشيخ ستار جبار الحلو في كلمته قائلا : ” إنه حقا لشرف عظيم وفضل جسيم ، أن نقف اليوم على تخليد ذكرى أطهر روح وأجلى سلوك سار في درب الحبيب ، إنها روح المقدس العظيم ، وباب من ابواب رب العالمين ، معلم الإنسانية المناجاة والحقوق على اليقين ، السالك الصراط المستقيم ، من رسالة صدح بها صوت الحق المبين من حقوق الرئيس على المرؤوسين “.
وحول ما يحتاجه العراق من إصلاحات ، بين الحلو : كم نحن بحاجة اليوم لهكذا صنف من الساسة والقادة لحماية العراق وإيصال حقوق هذا الشعب المسكين ورفع الظلم عنه ” .
وبفقرته الثالثة ، تسنم منصة حفل الافتتاح الصوفي التونسي الشيخ الدكتور مازن الشريف بقصيدة حملت عنوان ” مقام الشوق ” جاء فيها :
قف بالدّيار بلهفةِ المشتاقِ واطرب لفيض الحب في الأعماقِ
واذرف دموع الشوقِ مرسالَ الهوى للسّاكنين العُمرَ في الأحداقِ
قف بالدّيار وقد أتيتَ تزورها بعــد الفراقِ المرِّ والحرّاقِ
من جرّب الأشواق يعذر صبّهـا أو ذاق حـال العشق والعشّاقِ
هذا مقامُ الشوق يُشهِد ربَّـــه ومقـامُ أهل الذّوق والإشراقِ
أنتم شفاء الهمّ أنتم بهجتـي عنـد الكروب ومن يفك وثاقيِ
أنتم جلاء الغم أنتم سادتـي ذخـر الفتى للدهر حين يلاقي
ماذا يقول الشعر فيكم مادحــا والشعــر قد فاضت عليه سواقي
قد صارت اللغة التي أتقنتهـا مثـل العييّ بحضرة الحُذّاقِ
إن أسأل الكرم السخي يجيبنـي عــن مطعمِ المسكين والسبّاقِ
متصدّقٌ بالليل يخفي أمـــــــــره ويطــــوف بين الناس بالأرزاقِ
وهو الحييُّ على السخاء تعفّفـــا هــــــو نفحة الرحمان والرزّاقِ
أو إن سألتَ العلم يعرف قصـده والحـــــــــقُّ يشهد قمّة الأذواقِ
أو إن رأيتَ الصبر فاسأل أمره وشجاعةَ المقدام والوَثّاقِ
قل ما أردتَ بمدح من قالت لـه الأمجـــــــاد فلتهنأ بطيب عناقي
والعزّ إن سألت يقول لدهرهــــا تيهـــــــــا لمن تُلوى غدا أعناقي
وغدا يجيء الوارثون سلالـــــة فهــــــــــم الأئمة في مدى الآفاقِ
وغدا يُرى المهديُّ يُدركُ أُمّـــة أعيــــــت من الخذلان والإخفاق
وتجبّر الطغيان فوق جراحهـــا وتخـاذل الخوّان والأفّاقِ
وغدا بمكة سوف تُرفع رايـــــة تعلـــو على الأوطان والأعراقِ
نحو المدينة سوف يسري نورها والقـــــدس تكسر سطوة الإيثاقِ
والأرض من جَوْرٍ تُغاث بعادل وبقائــــــــم يقضي على الفُسّاقِ
غوث لأهل الله يجمع جمعهــــم في قــــدرة تسمو على الأنساقِ
وغدا لآل البيت وعد سابـــــــق لله صـدق الوعد والميثاقِ
فيما أكد المفتي الجعفري الممتاز في لبنان الشيخ احمد قبلان ، على : ” ضرورة إعادة تعريف الإنسان بما يتفق ودوره ووظيفته ، وهو اليوم أكثر إلحاحا بالعراق الذي يشكل عروة المنطقة والضرورة الضامنة لها ولهويتها ، وهو مراد الله من المشروع السياسي الاجتماعي للإنسان لان الغمام الحسين هو كلمة الله لوطن عادل ولمشروع سياسي ضامن للعدالة الاجتماعية ، ولمعايير أخلاقية لا يضيع معها الإنسان ، لذا فإن الجوع والفقر والأمية والبطالة وسوء الإدارة والفساد السياسي والطغيان الاقتصادي واحتكار الأسواق هي أكبر أعداء مشروع الإمام الحسين عليه السلام ولكوننا على منبر الإمام السجاد الذي اتفقت الخاصة والعامة أنه زين العلم وسيد العباد وصاحب رسالة بدأت بتعريف الحق على أنه مادة سماوية ، إذ بدأت بحق الله كعنوان للمطلقات ثم كونت أساسا لحق الفعل والفرد والأهل والرحم ، واهتمت بحقوق الأئمة كعنوان أساس لهوية الانقياد والالتزام ثم اتبعت ذلك بحق الرعية كشريك في عالم العقل والفعل ثم صاغت معنى الفرد بالجماعة ومعنى الجماعة في عالم الاجتماع السياسي ” .
وأضاف قبلان : ” من الضروري ترجمة عقل هذه الرسالة ـ رسالة الحقوق ـ إلى منهج بيئة وفعل ، يلحظ من خلاله معنى الأهداف المقاصدية التي تعني التطبيقات المختصة بوعي الأنا والعدالة الاجتماعية ” .
وفي ختام حفل الافتتاح ، تم توزيع الهدايا والدروع ـ التي خصصتها العتبة الحسينية المقدسة ـ على المشاركين في المهرجان تثمينا لنتاجاتهم الفكرية والثقافية والفنية .
يذكر أن مهرجان ترتيل سجادية الدولي الثاني ، قد شهد حضورا نوعيا لعدد من المفكرين والمثقفين ورجال الدين ، فضلا عن تمثيلات رسمية ونخبوية أخرى ، ناهيك عن الحضور الجماهيري سيما وأنه تزامن من ذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام الذي كان عنوانا للمهرجان .