الأمراض في المدارس .. مشكلة تهدد صحة التلاميذ
الحكمة – متابعات: عانت نبأ محمد من آلام في معدتها صاحبها تقيؤ بعد عودتها من المدرسة، واستمرت على حالها هذه حتى حلول المساء، على الرغم من تناول الدواء الذي قدمته لها والدتها والخاص بأمراض البرد، ظناً منها بأنه المناسب لما تعانيه، فبدأ الخوف يتسلل إلى قلبها بعد انتشار مرض الكوليرا، فأخذتها إلى الطبيب لمعرفة السبب فأظهرت الفحوصات والتحاليل أنها تعاني من تسمم معوي.
والدة التلميذة نبأ في الصف الرابع الابتدائي قالت: «مع بدء العام الدراسي بدأت الأمراض بالانتشار، على الرغم من التخوف العام من مرض الكوليرا الذي انتشر خلال فصل الصيف وحذرنا الشديد من الإصابة به، إلا أن هناك أمراضًا أخرى تنتشر في بيئة المدرسة تحتاج إلى متابعة من قبل وزارتي الصحة والتربية للوقاية منها، لاسيما في المدارس الابتدائية لصغر سن التلاميذ وعدم قدرتهم على وقاية أنفسهم».
إلى ذلك بين مدير عام دائرة الصحة العامة وكالة الدكتور محمد جبر، أن «هناك أمراضًا تنتقل بين الطلبة عن طريق المسالك التنفسية من خلال وضع اليدين الملوثة على الأنف، والتي تساعد عليها انخفاض درجات الحرارة والزحام الموجود في الصفوف»، مؤكدًا ضرورة تهوية الصفوف من جميع الجهات، مع ضمان عدم وجود تيارات باردة، كونها تؤدي إلى التهابات تنفسية للطالب.
المرض والمدرسة
وأشار إلى أن هناك أمراضًا من الممكن أن يتعرض لها الطالب أثناء تواجده في بيئة المدرسة غير النظيفة، كأمراض الحساسية والأمراض المزمنة، ناهيك عن الأمراض التي تنتقل عن طريق الجهاز الهضمي والتلامس، والأمراض الانتقالية كالجدري المائي والحصبة وغيرها من الأمراض الشائعة، هذه جميعها تتابعها الصحة المدرسية المنتشرة فرقها في المدارس وتكتشفها عن طريق فحص الطلبة.
وأردف: أن مطالبات وزارة الصحة بضرورة تأجيل الدوام الرسمي في المدارس الابتدائية مطلع العام الدراسي الحالي لتنظيف خزانات المياه وضمان وصولها صالحة للإستهلاك البشري، فالماء مسؤول عن انتقال الكثير من الأمراض للإنسان، كحالات الإسهال.
وأضاف: أن تجمع الأوساخ في الخزانات يقضي على التعقيم الموجود في الماء ويصبح غير صالح للاستهلاك البشري.
من جانبها ترى مسؤولة ملف التربية في مفوضية حقوق الإنسان الدكتورة سلامة الخفاجي، أن «وزارة التربية بادرت إلى تأخير بدء الدوام للعام الدراسي الحالي بعد انتشار مرض الكوليرا وحدوث إصابات لتوفير المياه الصالحة للشرب داخل المدارس، ومحاولة السيطرة على الوضع من خلال رفع المياه الآسنة والراكدة الموجودة في بعض ساحات المدارس والتي يمكن أن تجلب الذباب والبعوض والبكتيريا المسببة للأمراض، ومنها الكوليرا».
مشيرةً إلى أن «وجود هذا المرض تزامن مع موجة الأمطار الغزيرة التي ضربت بغداد والمحافظات وأدت إلى تجمع المياه في بعض المناطق، ما حدا بوزارة التربية للتنسيق مع أمانة بغداد ووزارة الإسكان والإعمار والبلديات والأشغال العامة لفتح الطرق أمام انسياب المياه خارج المدارس أو الاضطرار الى سحبها بواسطة الحوضيات والتخلص منها بشكل نهائي».
الناطق الرسمي باسم وزارة التربية هديل العامري، أكدت أن «هناك تعاونًا بين وزارتي التربية والصحة بشأن زيارات ميدانية تقوم بها ملاكات المراكز الصحية إلى المدارس الموجودة ضمن الرقعة الجغرافية وملاحظة الأمراض التي تصيب البعض من التلاميذ كالقمل والجدري المائي ومنح العلاجات الكافية لها، فضلاً عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم إصابة المزيد من التلاميذ فيها».
دورات المياه
وأضافت والدة نبأ والخوف يملأ قلبها: «باتت سلامة أولادنا أمنية جميع الأمهات، فلم يعد الخوف من الوضع الأمني وخطفهم من أمام باب المدرسة هو هاجسنا الوحيد، بل هناك مشكلة أخرى تتعلق بنظافة المدرسة وسلامة أولادنا من الأمراض التي تنتقل بينهم من خلال قلة الاهتمام بالمرافق الصحية»، لافتة: «أنا من بين الكثير أوصي أولادي بعدم اللجوء الى المرافق الصحية في المدرسة والانتظار لحين العودة الى المنزل وقضاء حاجتهم».
ونبهت الخفاجي إلى وجود نقص في أعداد المرافق الصحية وجودتها بعدد من المدارس، ما يولد إشكاليات نفسية وصحية لهم، خاصة في مدارس البنات.
وشكت الخفاجي من وجود بيروقراطية في التعامل بعد أن اقترحت المفوضية بناء دورات مياه صحية كافية في المدارس لاستيعاب أعداد الطلبة، مستغربة مثل هكذا أساليب يمكن أن تؤخر جميع الأعمال الموجودة في البلد.
وكانت الأعذار تتلخص في عدم إكتمال بناء تلك الدورات لحدوث مشاكل مع المقاول من جهة أو بين المقاول والدائرة الهندسية في الوزارة من جهة أخرى، دون وجود أي حلول تذكر لهذه المشاكل، مشددةً على ضرورة أن تكون هنالك استجابات تتناسب مع حجم الأزمة التي يعيشها الطلبة، وضرورة أن يتمتعوا بصحة جيدة بعيداً عما عاناه جيل العام 1990 من سوء تغذية وعدم اهتمام بالواقع الصحي أبان النظام السابق والذي أدى إلى إصابة الكثير منهم بمرض قصر القامة.
واستدركت بقولها: «هناك تحسن بطيء لا يتناسب مع الحد الأدنى من احتياجات المدارس والطلبة كاستبدال المدارس الطينية بأخرى كرفانية، إلا أننا نطمح بأن تكون تلك المدارس مبنية وفق الطرز الحديثة وتتناسب مع المتغيرات الحديثة في العملية التربوية بدلاً من تلك الكرفانات التي يعاني فيها الطلبة من إرتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وانخفاضها في الشتاء».
وبهذا الشأن تقول العامري أن «الوزارة أكدت على موضوع النظافة في الاصطفاف الصباحي للتلاميذ وفي الصفوف، منوهة بأن المراكز الصحية تقوم بتجهيز المدارس بالمنظفات والمطهرات، إلا أن الأساس في كل ذلك الأسرة التي تعلم الطفل منذ نعومة أظفاره على النظافة، وتعزز المدرسة ذلك».
ولفتت العامري إلى ضرورة إرشاد التلاميذ إلى كيفية استخدام دورات المياه الصحية بشكل صحيح وغسل اليدين بالماء والصابون بعد الانتهاء منها، مشيرةً إلى أن تخصيصات الوزارة عندما كانت جيدة خلال السنوات السابقة كانت الوزارة تدعم هذا الجانب من خلال الاشراف التربوي وتنظيف الدورات بعد استخدامها في كل فرصة.
وتابعت: “بحسب توقيتات وتخصيصات الوزارة فكان يمكن إكمال دورات المياه الصحية في المدارس التي تحتاج إلى ذلك خلال العطلة الصيفية، إلا أن مخاطبة من وزارة التخطيط أوقفت جميع هذه الأعمال بسبب النقص في التخصيصات المالية، ومن ثم قررت الوزارة إطلاق التخصيصات في الوقت الحالي، ما حدا بالمقاولين والشركات الخاصة إلى استكمال أعمال ترميم وإنشاء الحمامات في الوقت الحالي، مؤكدةً أن قرارات التربية بهذا الشأن مرتبطة بعدة وزارات كالمالية والتخطيط التي توافق على إجراء الأعمال في وقت معين من عدمه”.
الحانوت المدرسي
وتساءل والد الطالبة الذي كان يحمل في يده نوعًا من أنواع الشيبس الذي أثبت أنه منتهي الصلاحية كان موجودًا في حقيبة ابنته بعد أن أشترته من أحد الباعة المتواجدين أمام باب المدرسة، من المسؤول عن هذه البضائع التالفة والتي تعرض أمام الأطفال بمبالغ زهيدة الثمن؟، فكانت ابنتي إحدى ضحايا هذا الطمع.
ورد جبر على ذلك بأن الوزارة وضمن حملاتها لتحسين الواقع الصحي، لاسيما بين صفوف الطلبة تعمل على مكافحة الباعة المتواجدين أمام المدارس، كونهم يعتمدون على بيع مواد غير مطابقة لشروط الرقابة الصحية، فضلًا عن مشروبات محضرة من ماء غير صالح للشرب، وبالتالي تؤدي إلى حدوث أمراض تنتقل عن طريق الغذاء الملوث كحالات الإسهال والكوليرا والسعال.
وتابع: “لا بد من الاعتماد على الحانوت المدرسي والذي يخضع لمراقبة الجهات الصحية»، مؤكدًا ضرورة تثقيف الطالب باعتباره (المثقف الصحي الصغير لعائلته وزملائه) على تناول الأطعمة المعدة في المنزل، استخدام المناديل الورقية، وغسل اليدين بالماء والصابون بشكل مستمر لضمان عدم انتقال الأمراض.
واختتم حديثه بدعوة جميع المواطنين إلى غسل وتعقيم الاطعمة واليدين، وتعقيم مياه الشرب باستخدام حبوب التعقيم التي تكفي كل حبة منها لتعقيم 20 لترًا من الماء، فضلًا عن الابتعاد عن الأطعمة المكشوفة.
وأوضحت العامري بهذا الخصوص، أن إدارات المدارس ملزمة بمتابعة أعمال الحوانيت المدرسية والكشف عن المواد غير الصالحة لإستهلاك التلاميذ فيها، وهنالك مشرفون يزورون الحوانيت المدرسية للتأكد من صلاحية المواد التي تباع الى التلاميذ وكتابة التقارير ورفعها إلى المديريات العامة للتربية في حال حصول أي مخالفات بهذا الجانب، منبهةً إلى أن إدارات المدارس يمكن أن تحال الى التحقيق في حال وجود شبهات بعمل الحوانيت المدرسية دون أي تبليغ منها.
في حين ترى الخفاجي بأن الأغذية الموجودة في الحوانيت المدرسية غير صحية على اعتبار أن صاحب الحانوت يحرص على جلب الحاجات الزهيدة التي تتناسب مع المستوى المالي للطلبة، فضلًا عن رواجها الكبير بين أوساطهم، ما يجعلنا نقول بأن الحانوت لم يأخذ شكلًا أو وضعاً جيداً لحفظ المواد الغذائية، داعية وزارة التربية إلى أن تكون مؤسسة تثقيفية، إضافة إلى كونها تعليمية يمكن أن تفتح أذهان الطلبة على ذلك وضرورة توفير المواد الغذائية الصحية داخل تلك الحوانيت.
(الصباح ـ رلى واثق)
س م