التاسع من شهر صفر شهادة الصحابي الجليل عمار بن ياسر العنسي
414
شارك
بسم الله الرحمن الرحيم
حليف بني مخزوم المكنّى «بابي يقظان» من كبار الصحابة، ومن أصفياء أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ومن المعذَّبين في الله والمهاجرين الى الحبشة والمصلين الى القبلتين.
وقد حضر بدراً وسائر المشاهد، وأسلم مع أبيه ياسر وأمه سميّة وأخيه عبد الله أوّل ظهور الإسلام، وكانوا يُعذَّبون من قبل قريش أشد العذاب، ويعانون منهم أشد العناء، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يمرُّ بهم ويسلم عليهم ويقول: صبراً آل ياسر فإنَّ موعدكم الجنّة، وكان يدعو لهم بالمغفرة ويترحم عليهم.
صبر العقيدة:
قال ابن عبد البر: إنَّ مشركي قريش كانوا يأخذون ياسر وسمية وأبناهما عمار وعبد الله مع بلال وخباب وصهيب، فيلبسونهم أدرع الحديد ثم يصهروهم في الشمس حتى يبلغ الجهد منهم كل مبلغٍ كي يعطوهم سؤلهم وهو سبُّ النبي صلى الله عليه وآله فقالوا ما أرادوه منهم فجاء كل واحد قومه بأنطاع (قطع) من الأدم (الجلد) فيها الماء فالقوهم فيها ثم حملوا بجوانبه وجاؤوا بهم الى البيت.
استنتاج:
أقول: الظاهر أن ياسراً وعماراً من قبيلة بني مخزوم ذلك أنّ ياسراً كان قحطانياً من عنس بن مذحج، فخرج من اليمن مع أخويه حارث ومالك لطلب أخ لهم آخر فرجع الاخوان وبقي ياسر هناك وصار حليف أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي فتزوّج بجاريته سمية فولدت له عماراً، فأعتقه أبو حذيفة فصار ولاء عمار لبني مخزوم.
ولأجل هذا الحلف والولاء اجتمعت بني مخزوم لما ضرب عثمان عماراً وحصل له فتق بسببه، وقالت: والله لو مات عمّار لن نقتل أحداً بدمه إلا عثماناً.
شهادة آل ياسر:
واستشهد ياسر وسميّة بيد مشركي قريش، وهذه فضيلة خالدة لعمار بأن استشهد هو وأبوه وأمه في طريق إعلاء كلمة الله، وكانت أمه من النساء الفاضلات، وقد لاقت مصائب وبلايا كثيرة في سبيل الإسلام، وكان أبو جهل يسبّها ويشتمها كثيراً الى أن قتلها بحربته فأصبحت أول شهيدة في الإسلام.
وفي الخبر أنَّ عماراً قال للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله بلغ العذاب من أمي كل مبلغ، فقال: «صبراً يا أبا اليقظان، اللهم لا تعذب أحداً من آل ياسر بالنار».
وقال رسول الله فيه لما ألقاه مشركي قريش في النار: «يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار، كما كانت برداً وسلاماً على إبراهيم» فلم تصله النار ولم يصله منها مكروه.
من فضائل عمّار:
وأما قضية حمله للأحجار أكثر من الآخرين لبناء المسجد ورجزه ومجادلته مع عثمان وقول الرسول صلى الله عليه وآله في جلالة شأنه مشهور.
وروي في صحيح البخاري أنَّ المسلمين كانوا يحملون لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين أحدهما من قبل نفسه والأخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله فرآه النبي فينفض التراب عنه ويقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار».
في رواية أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال فيه: «عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان عمار جلدة بين عيني وأنفي تقتله الفئة الباغية».
وقال: «قد مُلِئ عمار إيماناً الى مشاشه».
شهادة عمّار:
وقد استشهد عمار رضوان الله عليه في التاسع من صفر سنة 37 هجرية وهو ابن تسعين سنة.
وورد في مجالس المؤمنين أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلى بنفسه النفيسة على عمار ودفنه بيده المباركة وكان عمره 91 سنة.
وعن بعض المؤمنين أنَّ عماراً دعا في اليوم الذي استشهد فيه وقال: «اللهم إنك تعلم إنّي لو أعلم انَّ رضاك في أن أقذف نفسي في هذا البحر لفعلت، اللهم إنك تعلم إني لو أعلم أنّ رضاك أن أضع ظبّة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى يخرج من ظهري لفعلت، اللهم وإني أعلم مما أعلمتني إني لا أعمل اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ولو أعلم اليوم عملاً أرضى لك منه لفعلته».
فلما فرغ من الدعاء قال لأصحابه: حاربنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله أصحاب هذه الرايات التي ترونها في جيش معاوية ثلاث مرات وأعلموا أني سأُقتل اليوم فحيلوا أمري الى لطف ربي وأعلموا إنَّ علياً إمامنا ومقتدانا وسيخاصم الأشرار غداً لأجلنا.
فلما فرغ من الكلام ركب جواده وهجم على القوم هجمات متتابعة متعاقبة كان يرتجز في حملاته حتى أثخن فيهم فاستوحدوه مكاناً وضربه أبو العادية ضرباً خارت قواه منها.
فرجع الى أصحابه وطلب منهم شربة ماء فأقبل غلام له إسمه راشد يحمل شربة من لبن فلما رأى القدح وفيه اللبن قال صدق رسول الله صلى الله عليه وآله.
فلما سئل عن علة كلامه قال: إني سمعت خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنَّ آخر زادك من الدنيا شربة لبن، ثم أخذ القدح شربه وسلّم نفسه الطيبة لمالك النفوس وذهب الى عالم البقاء.
أمير المؤمنين وخبر الشهادة:
فلما بلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام جاء إليه ووضع رأسه في حجره وقال:
ألا أيها الموت الذي هو قاصدي أرحني فقد أفنيت كلَّ خليلي
ثم قال: «إنا لله وإنا إليه راجعون إن إمريء لم يدخل عليه مصيبة من قتل عمار فما هو من الإسلام بشيء» ثم قال عليّ عليه السلام: «رحم الله عماراً يوم يُسأل فوالله فقد رأيت عمار بن ياسر وما يذكر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ثلاثة إلا كان رابعاً ولا أربعة إلا كان خامساً. إنَّ عماراً قد وجبت عليه الجنة من غير موطن ولا موطنين ولا ثلاث، فهنيئاً له الجنة فقد قتل مع الحق والحق معه ولقد كان الحق يدور معه حيث ما دار فقاتل عمار وسالب عمار وشاتم عمار في النار».
ثم تقدم علي عليه السلام فصلى عليه ثمَّ دفنه بيده المباركة رحمة الله ورضوان الله عليه.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين.