الحكمة – متابعة: وفدت الأجيال الأولى من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية إلى الولايات المتحدة كعبيد. واليوم، يسعى أحفادهم إلى العودة إلى أرض الأجداد.
وفي منطقة كيب كوست في غانا، تتسم أكاديمية “أكوما” بطابع أفريقي خالص، بدءا من الزي الملون بنقوش أفريقية ساطعة، من صنع التلاميذ، وإلى اللوحات على الجدران التي تحمل صورا لأبرز الشخصيات الأفريقية.
في كل مكان، ثمة قطعة من التراث الأفريقي.
لكن المفارقة هي أن مالكة المدرسة، شيكيشا آيدو، ولدت ونشأت في الولايات المتحدة، لعائلة من المربين.
وعلى مدار فترة طويلة، كانت تعرف القليل جدا عن القارة التي تعيش فيها الآن.
وتقول: “لم أتعلم في المدرسة أو التلفزيون أي شيء عن أفريقيا، ما عدا طرزان.. وأخبروني أنها صورة غير دقيقة”.
وعندما كانت في سن 14 عاما، أُعلن عن رحلة مدرسية لأفريقيا، وهو الأمر الذي أثار حماسها.
وأخبرت والدتها، التي شاركتها الحماس، وانضمت للرحلة كمشرفة. وسافروا إلى غانا، حيث بقيت قلوبهم معلقة.
وما زالت عيون آيدو تدمع عندما تتذكر اليوم الذي وطأت فيه قدمها أرض أفريقيا.
“أشعر بالحرية”
وتابعت آيدو: “كان الأمر منذ حوالي 42 عاما، لكنني ما زالت أتذكر. أحسست بطاقة جعلتني أجثو على ركبتي وأقبل الأرض.
حتى الهواء، شعرت وكأنه المناسب لرئتيّ. شعرت كأنني في وطني”.
وعادت آيدو للولايات المتحدة، لكن والدتها بقيت في غانا، وأسست أكاديمية أكوما.
وبعد سنوات من العمل وتكوين أسرة في الولايات المتحدة، قررت آيدو أن تكف عن التنقل بين غانا والولايات المتحدة، والانتقال نهائيا إلى غانا.
وساعدت آيدو والدتها في إدارة المدرسة، حتى تولتها تماما بعد وفاة الأم.
ورغم افتقادها لبقية العائلة، التي ما زالت تعيش في الولايات المتحدة، إلا أنها لا تفكر نهائيا في العودة إلى هناك.
غانا “أقل توترا”
وتقول آيدو: “في الولايات المتحدة، كل واحد يهتم بشؤونه فقط، ويخشى التدخل في شؤون الآخرين. سأكون وحيدة تماما هناك. أما هنا، فأنا محاطة بالكثيرين من حولي، ولا أحب أن أترك هذا”.
كما أنها تحب أشياء كثيرة أخرى في الحياة في غانا، فالطعام أنظف، ولديها حرية مادية، والحياة أقل توترا.
كما تشعر بأنها تقدم خدمة حقيقية لمجتمعها.
وتحاول المدرسة الترويج لصورة شخصية إيجابية لدى تلاميذها، وتعليمهم التاريخ الأفريقي ليكونوا أكثر فخرا بتراثهم.
ويأتي بعض التلاميذ إلى المدرسة بدون دفع مصاريف، كما تبحث آيدو عن ممولين لمن ليس بمقدورهم سداد المصاريف.
وعلى غرار آيدو، لم تعرف إيماكوس أوكوفو الكثير عن أفريقيا قبل مجيئها إلى غانا، لكن أسباب عودتها لا علاقة لها المشاعر.
وتقول أوكوفو: “لم أكن أسعى إلى المجيء إلى أفريقيا. كل ما يروج له الإعلام يجعل أفريقيا آخر مكان أود العيش فيه”.
وكانت أوكوفو تعمل في وكالة سفر في مدينة نيويورك، وقررت أنها يجب أن تزور أفريقيا بنفسها قبل إقناع الآخرين بها كوجهة سياحية.
وعندما كانت في سن الخمسين، زارت غانا بهدف استكشاف فرص للعمل، لكنها أثناء الرحلة زارت مكانا كان مخصصا لسجن العبيد، وهو الأمر الذي غير حياتها كليا.
وقلعة “كيب كوست” هو واحدة من عشرات قلاع العبيد التي بناها التجار الأوروبيون في ساحل غرب أفريقيا.
وهي القلاع التي شُحن منها أكثر من 12 مليون أفريقي وهم مكبلين بالأغلال، عبر المحيط الأطلسي، ليصبحوا عبيدا.
ولم يمح الزمن مشهد الخدوش على الجدران السوداء، أو يخفف من قوة الرائحة الخانقة في المكان.
وفي هذه القلعة، شعرت أوكوفو بالهلع لما حدث لأسلافها في هذا المكان.
وتقول: “المرور بهذه القلاع أمر صادم. ظللت أفكر فيما يدفع أي شخص للقيام بهذا؟”
وتابعت: “لم يخبرونا عن هذا، لم أسمع به في المدرسة. علمت عندما خرجت من القلعة أنني لن أعود كما كنت. وعلمت كذلك أن أفريقيا ستكون وطني الجديد.”
وبالفعل، أصبحت وطنها لمدة 25 عاما حتى الآن.
وتدير أوكوفو فندقا على الشاطىء، وتنظم أحيانا جولات في قلاع العبيد.
كما تعمل مستشارة للأمريكيين من أصل أفريقي، الذين يريدون، أو يسعون، للانتقال إلى أفريقيا.
وتقول إن هناك عددا غير قليل منهم في غانا، وهم حوالي 300 شخص في المنطقة التي تعيش فيها وحدها.
“أنتمي إلى غانا”
وتتذكر أوكوفو الاستنكار الذي قوبل به قرارها للانتقال إلى غانا، ليس فقط من قبل عائلتها في الولايات المتحدة، بل من بعض الغانيين أيضا.
“وكانوا يسألونني: لم تغادرين الولايات المتحدة وتأتين للمعاناة هنا؟”
“وكنت أقول: أهذه معاناة؟ لقد عايشت الحركات الحقوقية في الولايات المتحدة. واعتدنا أن نحارب من أجل كل ما نحصل عليه. أنا لا أكره الولايات المتحدة، ولكنني لا أحبها. أحب أفريقيا”.
واستغرق الأمر 50 عاما لتكتشف أوكوفو وطنها الحقيقي، لكنها لم تتردد أبدا عند اكتشافه.
وتقول: “متى أصبحت أمريكية؟ أعندما وطأت أرضها؟ لا، أنا ما زلت أفريقية”.
ولم ينج أربعة من بين كل عشرة أفريقيين اتُخذوا عبيدا في الرحلة عبر الأطلسي. أما من نجوا، فعاشوا حياة من العذاب، والنفي من أوطانهم.
وبعد مئات السنين، حدثت عودة من نوع مختلف.
ما زال بعض أحفاد من عانوا العبودية يشعرون بقوة ارتباطهم بأفريقيا، مما يجعلهم يغادرون محل ولادتهم، ويعودون إلى القارة التي أُجبر أسلافهم على مغادرتها.