الحكمة – متابعة: وقع العلماء في حيرة بخصوص ما يعتبر “الحلقة المفقودة” في مجال أبحاث المناخ، وهو دور الغبار في ظاهرة الاحتباس الحراري.
ومع تصاعد الكثير من جزيئات الغبار في الهواء، من الصحاري والأراضي الزراعية، يبقى السؤال هو ما إذا كان يتسبب هذا الغبار في ارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة.
وقد اكتنفت العواصف الرملية عددا من المدن الكبرى في الشرق الأوسط مؤخرا. لذا، يبحث العلماء فيما إذا كان العالم الأدفأ سيكون مغبرا أيضا.
وطول مدة الجفاف في ولاية أوكلاهوما الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية أعادت ظروف بيئية مشابهة ظاهرة “وعاء الغبار” التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي.
وتشير تقديرات مؤخرا إلى أن حوالي 40 في المئة من المواد الطيارة التي ترش في الهواء كل عام، هي عبارة عن غبار معدني.
وبعض الأنشطة الإنسانية، مثل الحرث، أو الرعي في المناطق القاحلة، أو تحويل مسارات الأنهار، تتسبب في فناء الجسيمات المائية، كما حدث في حالة بحر آرال في وسط آسيا.
لكن الكثير من الغبار الجوي يظهر بشكل طبيعي في الأراضي القاحلة، بكميات تحكمها عوامل مثل سقوط الأمطار، والمصدر الجيولوجي، وسرعة الرياح.
وأكبر مصدر للغبار في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية هو منخفض إيتوشا، وهو مساحة شاسعة من الأرض في دولة ناميبيا، الواقعة في جنوب قارة أفريقيا.
وتشهد هذه المساحة فيضانات موسمية، وتخلف المياه ترسيبات غنية، تجف تحت الشمس المدارية.
ويقع المنخفض في وسط منتزه إيتوشا الوطني، وهو أحد أكبر الوجهات السياحية للحفاظ على الحياة البرية.
وتتصاعد سحب الغبار بدرجة ظاهرة حتى من الفضاء، إذ تلتقط الأقمار الصناعية صورا لتصاعد الغبار من المنخفض، ثم يحمله الهواء لمسافة مئات الأميال فوق ناميبيا، ثم فوق المحيط الأطلسي.
ويجمع فريق من العلماء البريطانيين، ومن جنوب أفريقيا، بيانات على مدار السنوات الثلاث الماضية، في محاولة لمعرفة كمية الغبار التي تنبعث من هذه الخاصية، والحالات التي تؤدي إلى تكون ذرات الغبار.
ونشر العلماء عدد من المعدات حول المنخفض، تقيس كل الظروف المناخية في المنطقة، بدءا من سرعة الرياح، وحتى كمية الغبار التي يحملها الهواء على الارتفاعات المختلفة، وسمك ذرات الغبار نفسها.
ويقول أحد العلماء المشاركين في الدراسة، وهو البروفيسور، ديفيد توماس، من جامعة أوكسفورد، إن النماذج المناخية تفتقر إلى التقديرات المحددة لدور الغبار، مما ينتقص من دقتها.
المؤثرات الأساسية
وتابع توماس: “الغبار هو أحد الحلقات المفقودة في النماذج المناخية.
فمن ناحية، يمكن أن تكون زيادة الغبار في الهواء سبب في خفض الإشعاعات الشمسية ذات الموجة القصيرة.
ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون الحاجز الذي يكونه الغبار في الغلاف الجوي سببا في تقليل كميات الحرارة التي تفقدها الأرض، وهو ما يعني المزيد من الدفء”.
وأضاف: “المزيد من الغبار في الغلاف الجوي قد يعني حبس المزيد من الحرارة، خاصة في الليل. لذا، يصعب تقدير الموقف”.
وهذه هي المرة الأولى التي يسعى فيها مشروع إلى جمع معلومات من أحد المصادر الرئيسية للغبار، بطريقة تسمح باستخدامها في النماذج المناخية.
وهذه الدراسة مفيدة بسبب الأدوار المتعددة التي يلعبها الغبار في النظام المناخي؛ فهو لا يعكس أو يحبس الحرارة فحسب، لكنه بمثابة مخصب للعوالق في المحيطات، التي تعتبر بدورها حوضا للكربون.
وستصبح هذه الأسئلة ذات أهمية أكبر إذا حفز ارتفاع درجات الحرارة إطلاق المزيد من الغبار في الغلاف الجوي.
وكان المنتدى الحكومي للتغير المناخي، التابع للأمم المتحدة، قد أعلن في تقرير عام 2007 أن مؤثرات انبعاثات الغبار غير مؤكدة.
وتتباين احتمالات الانبعاث بشكل كبير؛ بعضها يشير إلى انحسار الظروف المؤدية للانبعاث، وأخرى تشير إلى زيادتها بشدة.
كما تشير دراسات أجراها المسح الجيولوجي الأمريكي إلى أن الظروف المناخية الأدفأ في جنوب غرب الولايات المتحدة قد تسرع من فقدان الحشائش، ومن ثم زيادة انبعاثات الغبار.
وخَلُص مؤلفو الدراسة إلى أنه من بين العوامل المستقبلية الرئيسية هي سرعة الرياح، وانحسار المساحات الخضراء.
وعما إذا كان الاحتباس الحراري قد يؤدي إلى زيادة الغبار في الغلاف الجوي، يقول توماس: “من غير الممكن الجزم بذلك. ما نعرفه هو أن النشاط الإنساني على سطح الأرض قد يخلق بيئات لانبعاث المزيد من الغبار”.
قشرة هشة
واكتشف توماس وزملاؤه في منخفض إيتوشا أن الرياح القوية ليست سببا كافيا لفصل المادة المكونة لسطح الأرض.
وأحد العوامل الهامة هي سلسلة من السنوات الرطبة التي زادت من الترسيبات، بالإضافة إلى الأمطار الشديدة التي تكسر السطح.
والسير فوق المنخفض أشبه بالسير على طبقة رقيقة جدا من الثلج، وكأن كل خطوة تدهس سطحا هشا ورقيقا، يكشف طبقة أسفلها من الغبار الدقيق أشبه بالمسحوق.
وهذا الغبار خفيف بدرجة كافية لتحمله الرياح، لتتكون ذرات تطير عاليا في الغلاف الجوي.
وبخلاف تأثير الغبار على المناخ، فهو يمثل خطرا شديدا على صحة الإنسان.
ويقول توماس: “التأثير الأوضح هو الخاص بالتنفس، إذ تزيد الأمراض التنفسية.
لكن الغبار قد يحمل أيضا مسببات الأمراض، لذا قد يكون من الخطر العيش في مناطق معرضة للرياح المحملة بالأتربة”.
ويضم المشروع البحثي علماء من جامعات أوكسفورد، وكلية لندن الملكية، وشيفيلد، وساوثهامبتون، وكايب تاون.