شهادة الإمام العسكري (ع) برهانٌ ساطع وشاهدٌ على جرائم الطغاة
الحكمة – متابعة: قضى أيّام حياته القصيرة الأمد بالمحن والخطوب، فجاهد ظلم ملوك بني العباس بصبره وطول أناته، فكانوا ينقلونه من سجنٍ إلى سجن وضيّقوا عليه في حياته الاجتماعية وحجبوا عنه لقاء شيعته، كما منعوا العلماء والفقهاء من الانتهال من نمير علومه، وكان ذلك من أعظم ما عاناه من المحن والخطوب.
ذلك هو القمر الحادي عشر من أقمار آل بيت الرسالة الإمام أبو محمّد الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، ويُلقّب بالعسكري، السراج، الخالص، الصامت، التقي، الزكي، النقيّ… وأشهرها “العسكريّ”.
ولد(عليه السلام) في الثامن من ربيع الثاني (232ﻫ)، في المدينة المنوّرة، وأُمّه السيّدة (سَوْسَن) المغربية، وقيل: (حديثة) وهي جارية، أمّا زوجته فهي السيّدة (نرجس) بنت يشوع بن قيصر الروم، وهي أيضاً جارية.
بلغ عمره الشريف (28سنة) ومدّة إمامته (6سنوات) وقد كان حكّام عصره سنيّ إمامته(عليه السلام): المتوكّل، المعتَز، المهتدِي، المعتمِد.
وروي أنّ الإمام العسكري (عليه السلام) عندما أُودع في السجن وُكّل به رجلان من الأشرار بقصد إيذائه، فتأثّرا به وأصبحا من الفضلاء، فقيل لهما: ويحكما ما شأنكما في هذا الرجل؟ قالا: ما نقول في رجلٍ يصومُ نهارَه ويقومُ ليلَه كلّه، ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة؟ وإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا، ودخلنا ما لا نملكه من أنفسنا.
لقد كان الإمامُ العسكري (عليه السلام) كآبائه أُستاذاً للعلماء وقدوةً لسالكي طريق الحقّ، وزعيماً للسياسة وعَلَماً يُشار إليه بالبنان، وتأنس له النفوس وتكنّ له الحبّ والموالاة، فكان من ذلك أن اعتَرَفَ له بالفضل حتّى خصماؤه ومناوئوه.
فأصبحت قيادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وامتدادها الجماهيري بين أوساط الأُمّة الإسلامية مصدرَ خطرٍ على السلطة العبّاسية، فأخذ الخليفة المُعتمِد يفكّر جدِّياً بتصفية شخص الإمام العسكري (عليه السلام)، فدسّ إليه السُم واستُشهِدَ في الثامن من ربيع الأوّل (260ﻫ)، ودُفن في مدينة سامراء بجوار قبر أبيه الإمام علي الهادي (عليه السلام).
وأصبح قبره (سلام الله عليه) بسامراء أماناً لأهل الجانبَيْن، حيث روى الشيخ الطوسي(قده) عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنّه قال ما مضمونه: (إنّ قبري بسامراء أمانٌ من البلاء والمصائب لأهل الجانبَيْن).
قال المجلسي الأوّل -رحمه الله-: إنّ أهل الجانبين هم الشيعة والسنّة، وقد أحاطت بركته (عليه السلام) الصديق والعدوّ كما كان قبر جدّه موسى الكاظم (عليه السلام) أماناً لأهل بغداد.
قال الشيخ الأجل علي بن عيسى الأربلي في كتاب كشف الغمّة الذي أُلّف سنة (677هـ): حكى لي بعض الأصحاب أنّ المنتصر العباسي مشى مرّةً إلى سرّ مَنْ رأى (سامراء) وزار العسكريّين (عليهما السلام)، وخرج فزار التربة التي دُفن فيها الخلفاء من آبائه وأهل بيته وهم في قبةٍ خربةٍ يصيبها المطر وعليها ذرق الطيور.
فقيل له: أنتم خلفاء الأرض وملوك الدنيا ولكم الأمر في العالم، وهذه قبور آبائكم بهذه الحال لا يزورها زائر ولا يخطر بها خاطر؟ وليس فيها أحد يميط عنها الأذى؟ وقبور هؤلاء العلويّين كما ترونها بالستور والقناديل والفرش والزلالي والشموع والبخور وغير ذلك.
قال: هذا أمرٌ سماويّ لا يحصل باجتهادنا ولو حملنا الناس على ذلك ما قبلوه ولا فعلوه. وقد صدق فإنّ الاعتقادات لا تحصل بالقهر ولا يتمكّن أحدٌ من الإكراه عليها.
وبالرغم من كلّ الصعاب خلال مدّة حياته الشريفة استطاع الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أن يقدّم المشروع المهدويّ بقنواتٍ متعدّدة ساهمت بشكلٍ مباشر في تنضيج فكرة الإمام المهدي الموعود واستعداد الشيعة والموالين لفراق وليّ النعمة والرحمة (صلوات الله عليه).
(شبكة الكفيل)
س م