أندرو ووكر مراسل الشؤون الاقتصادية – خدمة بي بي سي العالمية
الحكمة – متابعة: ما هي توقعاتنا بشأن الاقتصاد العالمي خلال عام 2016؟
إن صدقت توقعات خبراء الاقتصاد فسيكون هذا العام أفضل نوعا ما مقارنة بالعام الماضي.
فعلى سبيل المثال يتوقع صندوق النقد الدولي تسجيل نمو بنسبة 3.6 في المائة هذا العام بعد 3.1 في المائة سجلها خلال عام 2015.
وسجلت أرقام العام الماضي تراجعا، لكنها هذا العام، وإن كانت أقوى، مازالت غير مؤثرة.
وسيصدر صندوق النقد الدولي تحديثا لتوقعاته في وقت لاحق هذا الشهر، لكن مدير عام الصندوق، كرستين لاغارد، حذرت من أن هذا العام سيكون مخيبا للآمال، وذلك في مقال لصحيفة “هاندلسبلات” الألمانية.
ومازال التعافي من الركود العظيم الذي أعقب الأزمة المالية العالمية مستمرا. لكنه غير قاطع بشدة.
وهذا بالطبع مجرد توقع، نظرا لكونه مثل جميع الأنشطة تحيطه هالة من انعدام التأكد.
وبناء عليه ما هي القضايا البارزة في العام المقبل، وكذا العوامل التي ستحدد ما إذا كانت الأشياء تسير في الاتجاه الأفضل أم الأسوأ مقارنة بتوقعات صندوق النقد الدولي والتوقعات الأخرى المتوفرة حاليا؟
اضطراب بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية؟
مرة أخرى يهيمن عاملان يأتيان من أكبر اقتصادين في العالم: الولايات المتحدة والصين.
ففي الولايات المتحدة بدأ الاتجاه الذي تنتهجه نحو سياسة سعر الفائدة يعود إلى طبيعته في نهاية العام الماضي، كما رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي أخيرا هدفه الرئيسي لسعر الفائدة من مستوى صفر والذي كان حدده منذ نهاية عام 2008.
وثمة احتمالات في أن يتسبب ذلك في حدوث اضطرابات كبيرة للاقتصادات الصاعدة. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض وخفض أسعار العملات نظرا لأن الأموال ستتحرك نحو الولايات المتحدة لتستفيد من ارتفاع أسعار الفائدة هناك. وهذا بدوره سيجعل سداد القروض بعملة الدولار باهظا جدا.
إلى أي مدى ينبغي نقلق؟
هل ننظر إلى موجة جديدة لأزمات الأسواق الصاعدة مثل التي حدثت في تسعينيات القرن الماضي والسنوات الأولى لعام 2000، والتي اجتاحت شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وتركيا وروسيا؟
أعربت كارمن رينارت، من جامعة هارفارد، عن بعض القلق. وكتبت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي : “على الرغم من أن ديون الاقتصادات الصاعدة تبدو معتدلة إلى حد كبير طبقا للمعايير التاريخية، فمن المرجح انخفاضها، ربما بهامش كبير. وإن كان الأمر كذلك فإن حجم الانعكاسات المستمر على تدفقات رأس المال، ربما سيكون أكبر مما يعتقد عموما، وقد يكون كبيرا على نحو يكفي لتحريك الأزمة”.
ويوافق الكثير من خبراء الاقتصاد على أن الاقتصادات الصاعدة أصلحت سياستها الاقتصادية بشكل كبير جدا خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت في وضع أفضل يجعلها قادرة على الصمود أمام العواصف المالية العالمية اليوم.
لكنها مع ذلك تواجه مشاكل خطيرة لأسباب أخرى، والتي لا يمكن إلا أن تتفاقم بفعل الاضطرابات في الأسواق المالية، على سبيل المثال، روسيا بسبب انخفاض أسعار النفط الخام، والبرازيل بسبب الأزمة السياسية الداخلية، في حين أن فنزويلا تعاني من كلا المشكلتين.
تراجع الاقتصاد الصيني
القضية الكبرى الأخرى تكمن في تراجع النمو الاقتصادي الصيني.
إذ قد لا يظل على الإطلاق عند المتوسط السنوي بنسبة 10 في المائة التي تشير إليها البيانات الرسمية خلال 30 عاما حتى 2010.
وخلال التراجع الاقتصادي الذي بدأ مع بداية العقد الحالي، بات السؤال الذي يطرح نفسه : هل سيكون الانتقال سلسا أم لا، صعبا أم سهلا؟
وحتى الآن لا توجد أزمة على الرغم من حدوث تراجع حاد للأسواق المالية في الصين. كما حدثت أسابيع من الاضطرابات في منتصف عام 2015، كما بدأ التداول هذا العام بداية مشؤومة، بتراجع سجل 7 في المائة في شنغهاي وجرى تعليق التداول.
وكان أحد أسباب هذه التراجعات الأخيرة هو إشارة البيانات إلى تراجع النشاط الصناعي في ديسمبر/كانون الأول، وهي تشير بكلمات أخرى إلى تحول نحو تراجع الاقتصاد.
وكان التراجع الاقتصادي الصيني عاملا رئيسيا في تطورات أخرى: كالتراجع الحالي في أسعار السلع العالمية والنفط والمعادن والأغذية.
وليست الصين هي العامل الوحيد، لاسيما في سوق النفط، لكنها عامل مهم ومؤثر بالنسبة لكثير من السلع.
فوائد “صامتة” من النفط الرخيص
يعد تراجع أسعار النفط بشرى سارة لبعض الدول. لا سيما وأن النفط الرخيص له علاقة بخفض الضرائب عن كاهل المستهلكين.
لكنه في الوقت نفسه بمثابة أخبار سيئة لدول تقوم حياتها على تصدير هذه المنتجات، كالصويا بالنسبة للأرجنتين والنفط بالنسبة للسعودية والنحاس في زامبيا على سبيل المثال.
ولم تنتعش أسعار النفط خلال عام 2015 كما أعتقد بعض الخبراء. وأصبح النفط في الواقع أرخص من سعره قبل عام، وثمة تراجع بواقع الثلثين عن المستوى الذي وصل إليه في يونيو/حزيران 2014.
ويقول كينيث روغوف، من جامعة هارفارد وكبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي سابقا، إن التأثير الإيجابي لانخفاض سعر النفط بالنسبة للنمو العالمي “صامت” هذه المرة، لأن بعض الدول تغتنم هذه الفرصة لخفض الدعم بدلا من السماح للمستهلكين بتحقيق استفادة كاملة.
صعوبات حادة للاقتصادات الصاعدة؟
الصورة العامة منذ حدوث أزمة مالية هي أن الدول الغنية مرت بتداعيات اقتصادية بطيئة وغير كاملة. بعضها غرق في هذه العملية (الولايات المتحدة وبريطانيا) أكثر من دول أخرى في (منطقة اليورو).
وبالنسبة للاقتصادات الصاعدة، يتراجع النمو كل عام منذ عام 2010. ومازال أسرع من الدول الغنية، لكن هذا التراجع يثير تساؤلا من جانب البنك الدولي، هل هذه المجموعة تعاني من صعوبات حادة خلال فترة محددة أم من ضعف طويل الأجل؟
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجل نمو الاقتصادات الصاعدة والنامية زيادة هذا العام من 4 في المائة إلى 4.5 في المائة.
ومازال البنك الدولي يحدد عددا من الأسباب التي تدعو للقلق والتي قد تمتد لفترة تتسم بأداء مخيب للآمال نسبيا.