كميل بن زياد بن نهيك بن الهيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج ،صحابي جليل أدرك من حياة النبي (ص) ثماني عشرة سنة ، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 82 هـ وهو ابن 89 عاما ، مرقده في الثويّة ، وبعد تمصير الكوفة اصبحت الثوية، مقبرة لوجوه الكوفيين من الصحابة والتابعين والعلماء والولاة الخ..
وفي الثوية قديما قبل الإسلام بناء يسمى القائم، مروا عليه بنعش الإمام علي (ع) ، فانحنى ومال جزعا فسمي بـ(القائم المنحني) ، وورد أنه سمي (القائم المائل) وقد عرفت هذه البقعة بعد بالحنانة ، ومنها مسجد يعرف بمسجد الحنانة ويقرأ فيه الدعاء المأثور، وفي هذا المكان أنزلت سبايا آل البيت (ع) كرائم الوحي من عيالات الحسين (ع) بعد شهادته في كربلاء ، لكي يطاف بهم في شوارع الكوفة ليشمت بهم عبيد الله بن زياد ، وحنت الأرض في منطقة الثوية جزعا بأن سمع عليها صوت وحنين ، وحنَّ السبي أيضا جزعا مما صنع بهم وبالرؤوس المرفوعة على الرماح ، ومن هنا سميت هذه البقعة بـ (الحنانة).
روى كميل بعضا من أحاديث النبي (ص) وكان مرشد زاهدا عابدا وناصحا وبليغا مصلحا، حتى أضحى من أبرز علماء الكوفة وكانت شفتاه لا تفتر عن تلاوة القرآن الكريم وذكر الله العظيم ، وقد علمه الإمام أمير المؤمنين (ع) المأثور المعروف بدعاء (كميل) الوارد قراءته في ليالي الجمعة والذي كان مستهله “اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء..” وهو كنز من كنوز التوحيد.
وأخذ كميل بن زياد الكثير من العلوم والحكم من أستاذه الإمام علي (ع) واسترشد بنهجه وسيرته العطرة ، فكان من عيون تلامذته وخواصه المتفانين بحبه وأصحاب سره وعلانيته ، قال ابن سعد في طبقاته: “شهد مع علي (ع) صفين وكان شريفا مطاعا في قومه وكان ثقة قليل الحديث ، قتله الحجاج”.
ولاه أمير المؤمنين عليه السلام على مدينة هيت من الأطراف الغربية ، وكانت غارات الأمويين تصل إلى شمال العراق فتقتل النفوس البريئة وتنهب من أموال المسلمين كل ذلك بمرأى ومسمع من كميل بن زياد ، فلا يرى كميل مهاجمة المسلمين والرد على العدو بالمثل لسبب سمو خلقه الرفيع وسجاياه الإسلامية.
ومن حكم الإمام علي (ع) المروية عن كميل قال: خرج إليّ علي بن ابي طالب (ع) يوما فأخذ بيدي وأخرجني إلى المقبرة العامة ، وجلس وجلست ثم رفع رأسه إليّ وقال: “يا كميل احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم فيهتدوا ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.. يا كميل العلم خير من المال، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا كميل محبة العالم دين يدان به تكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته فمنفعة المال تزول بزواله ، يا كميل مات خزان الأموال وهم أحياء ، العلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، آه آه إنها هنا (وأشار بيده إلى صدره) لعلما لو أصبت له حملة ، بلا أصبت له لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا ، ويستظهر بحجج الله على خلقه، وبنعمته على عباده ، ليتخذه الضعفاء وليجة من دون ولي الحق ..