لماذا يتخلى لاجئون عراقيون عن حلم البقاء في ألمانيا؟
422
شارك
ألمانيا – الحكمة – متابعة: حركة غير اعتيادية أمام مكتب حجوزات الخطوط الجوية العراقية في مطار “تيغل” ببرلين. عشرات اللاجئين العراقيين ينتظرون في طوابير طويلة استلام تذاكرهم وجوازات سفرهم من مكتب الحجوزات، تحت أعين رجال الشرطة. حيرة وتوتر تخيم على وجوههم، فإجراءات عودتهم لم تكتمل بعد، إذ بعد استلام التذاكر والجوازات عليهم تسجيل خروجهم لدى الشرطة الاتحادية الألمانية.
ظروف حياة سيئة
يقول ناجح المرزوقي، البالغ من العمر 55 عاماً: “اعتقدت أن حياتي ستكون أفضل في ألمانيا، ولكنني فوجئت بالعكس. أنا محبط لأنني لم أجد راحتي النفسية في هذا البلد”. قدم المرزوقي قبل أربعة أشهر إلى ألمانيا عبر ما يسمى بـ”طريق البلقان”، وهي رحلة شاقة كلفته 24 ألف دولار، كما يقول. لا يريد ناجح الانتظار أكثر، وكل ما يريده الآن هو العودة إلى العراق.
ويتابع المرزوقي في حديثه لـDW عربية: “اضطررت لتغيير مخيمات اللجوء أكثر من مرة، كما أني تقاسمت غرفة صغيرة مع لاجئين آخرين غرباء. الخدمات الاجتماعية سيئة جداً، كالأكل والشرب والملبس. علاوة على ذلك، لم نحصل على مساعدات مالية من الحكومة. لقد صرفت الكثير من الأموال هنا وهذا يكفي”. خيبة أمل المرزوقي كبيرة، وهو ليس وحده في ذلك.
محمد محسن، شاب في الثلاثينات من عمره، نفد صبره من حياة اللجوء في ألمانيا. ينتظر محمد أمام مكتب الشرطة بجانب مكتب الحجوزات، ويقول: “لا يحق للاجئين العراقيين الحصول على حق الإقامة ولا حق لم الشمل. إجراءات اللجوء بطيئة جداً هنا. كثير من العراقيين ينتظر منذ خمس سنوات استلام أوراقهم . لا أريد أن أنتظر أكثر”.
“ألمانيا دمرت حياتنا”
قبل ستة أشهر، قدمت اللاجئة العراقية ليلى مجيد من مدينة الموصل إلى ألمانيا. هربت ليلى مع 30 فرداً من عائلتها من بطش تنظيم (داعش) إلى برلين. دُمر بيتها في الموصل وقتل أخوها، واضطرت لبيع سيارتها حتى تتمكن من دفع تكاليف رحلتها. تروي ليلى لـDW عربية معاناتها في ألمانيا: “ما عشته هنا في ألمانيا مأساة حقيقية لن أنساها ما حييت. عشنا أياماً وليال دون طعام أو شراب، وعوملنا معاملة سيئة. صحيح أن ألمانيا فتحت باب اللجوء أمامنا، ولكنها لم تستقبلنا استقبالاً حسناً. ألمانيا دمرت حياتنا”.
تريد ليلى مجيد أن تستقر في أربيل، شمال العراق، وتعلل ذلك بالقول: “ما عساني فاعلة الآن؟ مهما يكن، يبقى العراق وطني، وليس هناك أفضل منه. ندمت على فراقه وعلى قدومي إلى هنا”. لا تخفي مجيد ندمها على القدوم إلى ألمانيا، ويكتنفها حزن عميق، إذ فقدت كل ما تملك، بعد أن كانت تحلم ببدء حياة جديدة في برلين، لكن ذلك اصطدم بواقع مرير.
نحو 1500 عائد إلى العراق
أمام مكتب الحجوزات يقف حميد مجيد، موظف لدى الخطوط العراقية. لم يتوقف هاتفه المحمول لحظة عن الرنين. يتصل به لاجئون لحجز التذاكر، فيقوم على الفور بإدخال بياناتهم في جهازه المحمول، ثم يتلقى اتصالاً آخر من السفارة العراقية يخبره بأن المزيد من اللاجئين العراقيين في طريقهم إليه، فيقوم بإشعار سلطات المطار بسرعة. توتر كبير يبدو على حركته، فالطائرة ستقلع بعد نصف ساعة، وعليه تسجيل 20 لاجئاً آخر. لكن رغم ذلك، وجد حميد الوقت للحديث معنا، إذ يشرح الوضع بالقول: “لقد حجزت اليوم 92 تذكرة، ومنذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أحجز تذاكر بمعدل 80 تذكرة أسبوعياً، أغلبهم للاجئين”، مضيفاً: “حسب معلوماتي، أصدرت السفارة العراقية في الأشهر الثلاثة الماضية حوالي 1400 جواز سفر للاجئين عراقيين يرغبون بالعودة نهائيا إلى العراق”.
يبلغ سعر التذكرة الواحدة حوالي 300 يورو، يدفعه بعض اللاجئين نقداً، بينما يضطر البعض الآخر للاستدانة. لكن بعض مكاتب السفر تقبل أيضاً المجوهرات عوض الأموال، كمكتب الخليج لصاحبه الألماني من أصول لبنانية علاء حدوس. يقول حدوس لـDW عربية: “أسأل اللاجئين العراقيين كل مرة يأتون إليّ عن سبب عودتهم، فيجيبون بأنه كان لديهم تصور آخر عن ألمانيا: يجب علينا الانتظار طويلاً للحصول على أوراق إقامة وعلينا أن ننام في مخيمات لجوء.
انتظار طويل في برد قارس
يقع مكتب حدوس على بعد 200 متر من مكتب تسجيل اللاجئين في برلين، المعروف لدى اللاجئين بـ”السوسيال”. درجة الحرارة تبلغ ثلاث درجات مئوية تحت الصفر. المئات من اللاجئين – أفغان وسوريون وعراقيون وصرب – ينتظرون خارج البناية أمام خيمات بيضاء من أجل الحصول على موعد مع المحكمة لتقديم طلب لجوء والحصول على أوراق الإقامة.
أغلب هؤلاء اللاجئين ينتظر منذ أسابيع طويلة من الصباح الباكر إلى المساء دون جدوى. فجأة تعم الفوضى المكان، ويتدافع اللاجئون من أجل الدخول عنوة إلى البناية. إنها الساعة الثالثة بعد الظهر، والظلام بدأ يخيم على العاصمة الألمانية. مكتب تسجيل اللاجئين سيقفل أبوابه بعد ساعتين. تخرج الأوضاع عن سيطرة حراس البناية، فتتدخل قوات الشرطة وتطلب من اللاجئين المتوترين التزام الهدوء والتريث، ثم تقوم بتثبيت صفوفهم.
ويقول أحد اللاجئين السوريين بغضب: “لقد سئمنا من السوسيال! نريد حلاً جذرياً. تجمدنا من البرد هنا. نريد أن نعمل وأن نبدأ حياتنا، لا أن ننتظر أشهر طويلة في المخيم التعيس أو في هذا المكان من أجل الحصول على مجرد موعد”.