فضيحة إعلامية و”أمنية”جديدة لقناة”الجزيرة”

289

rida_siyam_germany

ما كادت الأمور تهدأ في غرفة الأخبار في قناة “الجزيرة” في الدوحة بعد فضائح تغطيات الشأن المصري التي أشعلت الخلافات في غرفة الأخبار و”ما جابتش همّها”، وفق ما أسرّ به رئيس التحرير المخلوع ابراهيم هلال، المختفي في لندن منذ أسابيع، لأحد المقربين منه مؤخرا ، في إشارة إلى انتهاء الأمور في مصر إلى عكس ما تمنته الجزيرة وقطر، حتى اندلعت إشكالية أخرى مرتبطة هذه المرة برجل الغموض والمهمات الخاصة ، الجزائري محمد صافي، الذي بات يمسك بكل خيوط التغطيات في سوريا عبر جهازه “بلاك بيري” الذي تأتي التقارير من سوريا إليه مباشرة دون عبور أقسام التخطيط والمراسلين والتدقيق اللغوي، كما نقل لنا ممتعضا مصدر مقرب من قسم التبادل الإخباري في المحطة.

الإشكال هذه المرة، وفق مصدرنا، يأخذ طابعا أكثر من مجرد فضائحي ، ليصل إلى الشؤون القانونية في المحطة والتي تلقت إشارة أولى للاستعداد لتبعاته القضائية. كما أنه – أي الإشكال – جاء من طرف لم تحسب المحطة حسابه ولم تتخيل أن ينقلب عليها، خاصة وأن بين الطرفين ما بينهما من خبز وملح وبارود، والمقصود هم “المجاهدون” بلغة “الجزيرة” و”المتطرفون” بلغة خصومها. فما الذي حصل؟

باختصار، وبعد “غزوة عائشة أم المؤمنين” ، أي العملية العسكرية التي قامت بها مجموعة من الكتائب الإسلامية ضد قرى في منطقة جبال العلويين في سوريا ، يرافقها مراسل “الجزيرة” ميلاد فضل، قام هذا الأخير بإعداد تقرير يتضمن صورا للمختطفين من أبناء أو بالأحرى بنات المنطقة اللواتي أُخذن سبايا بالإضافة إلى العديد من الأطفال. وعندما أُرسل التقرير إلى الأمير الإعلامي في الدوحة محمد صافي ، تنبّه هذا الأخير إلى خطورة المحتوى قانونيا، خاصة وأنه من أصحاب الخبرة والسوابق الإسلامية واسمه موجود في المطارات الأوروبية والأمريكية كلها.هرول محمد صافي إلى “القيادات العليا” فجاءت الأوامر بالتعتيم على الموضوع وعدم بث التقرير بسبب الناحية القانونية من جهة (جريمة تطهير ديني)،وبسبب الوقع السلبي لمثل هكذا تقارير على الصورة الديمقراطية الزاهية المطلوب إشاعتها عن المقاتلين الإسلاميين في سوريا من جهة أخرى.

القرار التحريري لم يعجب المقاتلين ومراسل “الجزيرة” في غرب سوريا ميلاد فضل، حيث توالت الاتصالات مع الدوحة وتوالى خروج محمد صافي من غرفة الأخبار كي لا يسمعه الزملاء وهو يتحدث بصوت خافت ،لكن منفعل، مع المتصلين من سوريا في هذه القضية الحساسة. “المجاهدون” لم يفهموا لماذا لم تُعرض “إنجازاتهم” على شاشة “الجزيرة” ، خصوصا وأن ميلاد فضل كان معهم من البداية، والمحطة كانت على علم بما يتم التحضير له من هجمات لـ”السبي” والقتل المذهبي في تلك المنطقة. غير أن الأوامر العليا تبقى أوامر عليا. فقد أصرّت المحطة على عدم بث التقرير والصور رغم رجاءات ميلاد فضل ورغم محاولته الالتفاف على محمد صافي بالتواصل مع “زميل” آخر في الدوحة له كلمة مسموعة عند أصحاب السموّ، وكان أعدّ سلسلة مقابلات في سوريا سابقا مع أمراء الجماعات الإسلامية. لكن هذا كله كان بلا نتيجة.

عند هذه النقطة قرر “المجاهدون” التصرف بأنفسهم ونشر الشريط رغما عن أنف “الجزيرة” والأمير محمد صافي الذي حملوه المسؤولية شخصيا عما جرى وهو ما أثار لديه إحساس باليأس والانزعاج، وفق أحد المقربين منه في المحطة. قام هؤلاء بنشر الشريط في الانترنت (الشريط جانبا في الأعلى)، والترويج له على صفحاتهم الجهادية، معلنين على الملأ عن خلافهم مع قناة “الجزيرة” من خلال عبارة وضعوها على الشريط تقول: “ما لم تبثّه الجزيرة – ميلاد فضل مراسل قناة الجزيرة في اللاذقية”. ظهر الخلاف، ووقعت الجزيرة فيما كانت تحاول الهروب منه أي تهمة المشاركة إعلاميا في عمليات تطهير ديني من خلال مرافقة مراسلها “للمطهّرين” بكسر الهاء في عملياتهم. وللإمعان في فرك أُذن محمد صافي قام “المجاهدون” ليس ببث صور تقرير ميلاد فضل فحسب، بل وأيضا بتصوير هذا الأخير وهو يتحدث إلى كاميرا “الجزيرة” التي كان يشغلها رجل ملتحٍ بعباءة بنية يظهر وجهه من الجانب بحواجبه الكثة ونظرته العابسة. وأضافوا هذه الصور التي يبرر فيها ميلاد فضل الهجوم على قرى ومناطق قرب القرداحة مسقط رأس بشار الأسد إلى صور السبايا وأطفالهن على طريقة “MAKING OF” التي تُستخدم في الدعاية للفلم السينمائي من خلال دمج مشاهد من الفلم بمشاهد تُظهر عمل المخرج وفريقه أثناء التصوير. لكن الـ “MAKING OF” تحوّل بقدرة “المجاهدين” الأبطال إلى “FUCKING OF” لـ”الجزيرة”، كما يتندر مصدرنا من قسم التبادل الإخباري في المحطة. فالرجل الذي كان يقف خلف الكاميرا ، والذي يتحدث إليه ميلاد فضل في بداية المقطع الصوري، اكتشفت إحدى الصفحات السورية على الانترنت أنه الإسلامي السلفي المصري رضا صيام، وقامت بنشر ما اكتشفته على شبكة اليوتوب، ليتضح أن الرجل خلف الكاميرا أهم بآلاف المرات من ميلاد فضل الواقف أمامها، والذي لن يصل لشهرة صاحبنا ولو وقف أمام “الجزيرة” خمسين مرة أخرى وأعد التقارير من قلب القرداحة لا من تخومها! فـ”رضا صيام” يُعتبر أكثر رجل موضوع تحت المراقبة من قبل أجهزة الأمن الغربية، وأحد أهم المشتبه بتورطهم في تمويل ودعم عمليات إرهابية في العقد الماضي، وفق ما تنقل صحف بريطانية تابعت قضيته منذ عام العام 2002 .

الفيلم الذي يظهر فيه المصور رضا صيام وهو يتهجم على فريق تصوير ألماني أراد إجراء مقابلة معه في برلين في شهر أيار/مايو 2012 والذي يؤكد أن رضا صيام شخصية معروفة لدى الإعلام الغربي واستخباراته في آن معاً( شاهد الشريط الثاني جانبا).

“الله لا يعطيهم العافية”! هذا ما قاله محمد صافي عن “المجاهدين” بلهجة شامية اكتسبها من زواجه من ابنة أحد زعماء الإخوان المسلمين السوريين قبل سنوات طويلة. فـ”رضا صيام” ليس غريبا عن الخلية الإسلامية-الأمريكية التي تُمسك بتلابيب “الجزيرة” منذ مولدها، وكاد أن يتسبب بفضحية “بجلاجل” للمحطة عام 2002 عندما أُلقي القبض عليه في أندونيسيا قبيل تفجيرات “بالي” التي راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح وفي حوزته أموال وخطط وصور تشير إلى تحضيرات لعملية إرهابية. حينها قال رضا صيام في التحقيقات إنه يعمل مصور “فري لانس” لصالح قناة “الجزيرة” الفضائية، وهو كان بالفعل تعاون مع مراسلها في أندونيسيا آنذاك الفلسطيني الحمساوي عثمان البتيري، قبل أن يعود هذا الأخير للعمل في مركز المحطة في الدوحة.

البطاقة الصحفية الخاصة بـ”رضا صيام” والصادرة عن “الجزيرة” تحولت إلى صورة بحجم الشاشة عرضتها التلفزيونات الغربية من الألمانية (حيث كان صيام مقيما ومتزوجا هناك) وصولا إلى المحطات الأمريكية التي كانت بُعيد هجمات سبتمبر 2001 في حالة هستيريا تجاه كل ما له علاقة بالإرهاب و”القاعدة” و”الجزيرة”. لكن اللافت أن الموضوع “هدأ” بعد ذلك؛ إذ حُكم على رضا صيام بالسجن عشرة شهور من قبل محكمة جاكرتا بتهمة خرق قوانين الإقامة فحسب، أما باقي التهم فأُسقطت عنه بقدرة قادر، رغم أن زوجته الألمانية السابقة ظهرت في وسائل إعلام غربية وتحدثت عن نقله للأموال والسلاح للجماعات الإسلامية منذ حرب البوسنة في تسعينات القرن الماضي وعن لقاء له بأسامة بن لادن. وهو ما أثار شكوك بعض الجهات الإسلامية الجهادية بأن يكون رضا صيام، الذي يفضّل التحرك في أماكن الأحداث كصحفي ومصور أو كعامل في مجال الغوث، له خطوط مع أجهزة الأمن الألمانية أو الأمريكية. وسواء كان الأمر كذلك أو لم يكن فالأكيد هو أن أجهزة الأمن الغربية مرتاحة لوجوده في سوريا، أما الإحراج الكبير الآن فلهذه الأجهزة وأيضا لقناة “الجزيرة” مع افتضاح الأمر.

مصدرنا الذي تحدث مع ابراهيم هلال في منفاه البريطاني نقل عن الأخير قوله: “العيال دي مش ح تجيبها لبر”، ولا عجب فالفلم الموضوع في اليوتوب من قبل “المجاهدين” يرفرف فوق صوره علم القاعدة الأسود، والمكتوب واضح من عنوانه، هي عملية تطهير ديني ترافقها أهم قناة إخبارية عربية بالصوت والصورة مع مراسل لا تُخفي القناة أنه رجلها، ومع مصور أشهر من نار على علم في عوالم التنظيمات السرية. وبهذا المعنى فإن رئيس التحرير المختفي ابراهيم هلال معه حق حين يقول: “يركنوك عالرف أحسن ما يقعدوك عالخازوق”!

الدوحة – خاص بـ”الحقيقة” من: حمد الكواري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*