الحكمة – متابعة: حلب أكبر مدينة في سوريا، وكانت تعد عاصمة البلاد التجارية والصناعية.
في السنة الأولى من الانتفاضة ضد حكومة الرئيس بشار الاسد، لم تشهد حلب أيا من الاحتجاجات الكبيرة أو العنف الفظيع اللذان هزا غيرها من المدن والبلدات في سوريا.
ولكنها أصبحت فجأة – في عام 2012 – ساحة قتال رئيسية عندما شن المتمردون هجوما يهدف إلى طرد القوات الحكومية من المناطق الشمالية من سوريا.
ولكن هجوم المتمردين لم يكن حاسما، مما ترك حلب مقسمة بين مناطق يسيطر عليها المتمردون وأخرى تحت سيطرة الحكومة، وكان طرفا النزاع يتبادلان السيطرة على بعض المناطق بشكل شبه يومي.
عموما، يسيطر المتمردون المعارضون على الأجزاء الشرقية من المدينة فيما تسيطر القوات الحكومية على الأجزاء الغربية.
ومنذ أواخر عام 2013، كثفت القوات الحكومية قصفها الجوي للمناطق التي يسيطر عليها المتمردون مما أوقع آلاف الضحايا.
ويهدد الهجوم الذي شنته القوات الحكومية في العام الماضي بدعم جوي روسي بتوجيه ضربة حاسمة للمتمردين في هذه المنطقة.
مدينة غارقة في القدم
تعد حلب واحدة من أقدم وأعرق المدن في العالم على الإطلاق، فقد ورد ذكرها في المخطوطات المصرية التي يعود تاريخها إلى القرن العشرين قبل الميلاد.
وعثر في قلعة حلب الشهيرة على آثار معبد يعود تاريخه للألفية الثالثة قبل الميلاد.
وأثرت حلب سياسيا واقتصاديا في القرن الثامن عشر قبل الميلاد بوصفها عاصمة لمملكة يمحاض حتى سقوطها على أيدي الحيثيين.
بعد ذلك، أصبحت حلب مدينة مهمة في العصر الهيليني ونقطة تجارية رئيسية للتجار المتجهين من البحر المتوسط إلى الأراضي الواقعة إلى الشرق.
وتم استيعابها لاحقا من قبل الامبراطورية الرومانية، ثم أثرت بوصفها مركزا للقوافل التجارية تحت الحكم البيزنطي.
وفي عام 636 ميلادية، سيطر عليها العرب المسلمون، وبعد نحو 80 عاما وخلال فترة حكم الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك تم تشييد جامعها الكبير.
وفي القرن العاشر الميلادي، أصبحت حلب عاصمة للدولة الحمدانية، أعقبت ذلك فترة اتسمت بالفوضى والحروب تصارع فيها البيزنطيون والصليبيون والفاطميون والسلاجقة على السيطرة على المدينة والمناطق المجاورة لها.
ولم تتماثل حلب إلا في منتصف القرن الثاني عشر، وفي القرن الثالث عشر وتحت حكم الأيوبيين تمتعت المدينة بعهد من الثراء الكبير والتوسع.
ولكن ذلك العهد انتهى فجأة في عام 1260، عندما غزاها المغول. وعانت المدينة من وباء الطاعون عام 1348 ومن هجوم مدمر قاده تيمورلنك عام 1400 ميلادية.
وفي عام 1516، أصبحت حلب جزءا من الامبراطورية العثمانية، وأصبحت مركزا لولاية حملت اسمها وبرزت كمركز للنشاط التجاري بين الشرق وأوروبا.
ولكن دور حلب كوسيط تجاري انحسر في أواخر القرن الثامن عشر، وانحسر أكثر عندما رسمت بريطانيا وفرنسا حدود الدولة السورية الحديثة التي عزلت المدينة عن جنوبي تركيا وشمالي العراق علاوة على خسارة ميناء الاسكندرون لتركيا في عام 1939.
وعقب استقلال سوريا، تطورت حلب لتصبح مركزا صناعيا مهما ومنافسة للعاصمة دمشق. وزاد عدد سكانها بشكل كبير من 300 ألف نسمة إلى حوالي 2,3 مليون نسمة بحلول عام 2005.
واليوم، يشكل المسلمون السنة أغلبية سكان حلب، معظمهم عرب مع بعض الأكراد والتركمان، كما تسكن المدينة أكبر جالية مسيحية في سوريا بمن فيهم العديد من الأرمن إضافة إلى جاليات شيعية وعلوية.
حرب استنزاف
وعندما اندلعت الاحتجاجات المناوئة للحكومة السورية في طول البلاد وعرضها في آذار / مارس 2011، عملت السلطات المستحيل لمنع هذه الاحتجاجات من الوصول إلى حلب.
وساعد تهديد الحكومة بالرد بعنف على أي احتجاجات على بقاء المظاهرات في المناطق البعيدة من مركز المدينة وفي جامعتها.
ولكن، وبتحول الاحتجاجات إلى حرب حقيقية، انجرفت حلب في التيار.
ففي شباط / فبراير 2012، هز حلب انفجاران استهدفا مقري الاستخبارات العسكرية والشرطة وأسفرا عن سقوط 28 قتيلا.
ثم بدأت وتيرة الاشتباكات بين المتمردين المسلحين والقوات الحكومية تزداد في المناطق المجاورة من محافظة حلب.
وبدأت المعركة من أجل السيطرة على حلب نفسها في أواسط تموز / يوليو 2012 حقق خلالها المتمردون نجاحات سريعة وسيطروا على عدد من الأحياء الموالية للمعارضة في شمال شرقي المدينة وجنوبيها وغربيها.
وما أن شارف شهر تموز على الانتهاء حتى انتشر القتال إلى قلب المدينة القديم ووصل إلى أسوار المدينة القديمة التي تعدها منظمة اليونسكو موقعا للتراث العالمي.
وفي أيلول / سبتمبر 2012، أدت الاشتباكات إلى اندلاع حريق كبير أتى على سوق المدينة القديم، وفي نيسان / أبريل 2013، هدمت مئذنة الجامع الكبير الذي يعود تاريخه إلى القرن الحادي عشر الميلادي.
وفي غضون بضعة أشهر تحولت معركة حلب إلى حرب استنزاف يتبادل فيها الطرفان السيطرة على الأراضي بشكل مستمر.
ولم يتمكن المتمردون من الحصول على الأسلحة الثقيلة التي يحتاجون إليها لدحر الجيش الحكومي الأفضل تجهيزا وتسليحا، بينما عانى الأخير من قطع خطوط إمداداته واضطراره إلى تركيز موارده على العاصمة دمشق التي شن المتمردون قربها هجوما كبيرا في تموز / يوليو 2012 أيضا.
ومنذ نهاية عام 2013، تشن الحكومة حملة جوية شرسة على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في حلب. وسمحت هذه الحملة للقوات الحكومية بتحقيق بعض التقدم.
كما ابتليت القوات المتمردة في حلب بالصراعات بين تنظيم “داعش” من جهة وغيرها من الحركات الجهادية من جهة أخرى.
وكانت منظمة العفو الدولية حذرت العام الماضي من أن الحياة في حلب أصبحت “لا تطاق” بالنسبة لسكانها المدنيين، متهمة الحكومة السورية والمتمردين على حد سواء.
وكان من شأن التدخل الروسي عام 2015 لنصرة حكومة الرئيس الأسد أن يهدد حالة الجمود التي سيطرت على الموقف العسكري بالزوال.
وفيما تقول موسكو إنها لا تستهدف إلا الإرهابيين، يتهمها العديدون في الغرب بمهاجمة كل معارضي الرئيس الأسد.
ومنذ تدخل الروس عسكريا في الحرب، تمكنت القوات السورية من تحقيق تقدم على عدة جبهات.
وفي شباط / فبراير من هذا العام 2016، تمكنت القوات السورية من استرداد عدة مدن تقع إلى الشمال من حلب وهي الآن تهدد بمحاصرة المتمردين.