خطر التشيّع أم نار الفتنة؟: فليتّق ِالإعلامُ دوره في هذا الشهر الفضيل
ريما كمال
يصاب المرء بالدهشة والحيرة أمام كثير مما يراه على شاشات قنوات التلفاز في شهر رمضان الفضيل، ومن ذلك حلقة لبرنامج يبحث عن الحقيقة لقناة مصرية خاصة، يملكها أحد أصحاب “البزنس” المتنفذين في عهد مبارك، وما يزالون! فموضوع الحلقة كان عن خطر التشيّع في مصر، وعن أهمية التصدي لمثل هذه المحاولات التي يقوم بها الشيعة، حتى لا يتكرر في مصر ما حدث في العراق وسورية من تقسيمات طائفية، خاصة وأن الشيعة تعني حكمًا – وكما جاء في الحلقة – سفك الدماء!!.
كان محرّك الحديث مقدم البرنامج بطبيعة الحال، ويعينه على ذلك أعضاء في صفحة تسمي نفسها “ائتلاف المسلمين”. وقد تقدّم هؤلاء برفع دعاوى إلى المحاكم المصرية ضد الشيعة الذين يقومون بسبّ الصحابة وسبّ أم المؤمنين السيدة عائشة، لأن من واجب السنّة التصدي والدفاع عمّن يسيء إلى هؤلاء الأطهار. وعندما وصف الجانب الآخر في الحوار هذه الادعاءات بالكذب والافتراء، ظلّ مقدم البرنامج على إصراره وتكراره بصحة ما يصدر عن الشيعة من منكر تجاه الصحابة والسيدة عائشة رضي الله عنهم.
لقد أعادني هذا الحديث إلى ما تداعى له حبيب العدلي قبل انتهاء سلطته بفترة قصيرة، حين أعلن عن إلقاء القبض على خلية إرهابية نظمها حزب الله الشيعي لنشر الفساد والتشيّع في مصر.
ولا أريد في هذا السياق الإشارة إلى أن الصحابة، السابقين المقرّبين، وأمهات المؤمنين، ليسوا بحاجة إلى من يدافع عنهم في المحاكم، بعد أن كسبوا رضى الله عنهم ورضوا عنه كما جاء في التنزيل الحكيم. أو إلى التذكير بأنه حتى الأنبياء الذين اصطفاهم الله لتبليغ رسالته، لم يسلموا من أذى أقوامهم، وكان ردّ أفعالهم، وهم قدوتنا، الصبر ودفع الإساءة بالتي هي أحسن. وما زال الأنبياء يتعرضون للسباب والشتم من الأجيال المعاصرة من كافة الملل والأديان، وما رسوم الكاريكاتير التي ظهرت حديثًا ببعيدة عن واقعنا. ولو أننا تجاهلنا مثل هذه الإساءات الخاصة بأصحابها برأيي المتواضع، امتثالًا للتوجيه الإلهي (وأعرض عن الجاهلين) لتوقف السفيه عن سفهه، ولم يجد من يناصره أو يقلده. فحتى الإيمان والكفر بالله متروك لكل إنسان لكي يتخذ قراره فيه (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر).
ما يعنينا في هذا المجال مسألتان رئيستان تتصلان اتصالًا وثيقًا بديننا الحنيف:
أولاهما تتعلق بمدى الإنصاف والعدل في الإسلام بوضع أية مجموعة إنسانية في بوتقة واحدة، وإطلاق الأوصاف عليها! فبأي حق نجمل ونضع الشيعة في سلّة الشر والفساد، ونضع السنة في سلة الخير والصلاح؟ ونحن نؤمن بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأنه (وكل آتيه يوم القيامة فردًا). هل من الحق القول أن أفعال السنّة تصبّ جميعها في صالح المجتمع الإسلامي وتتجه نحو بوصلة الإسلام العدل، بينما تصب أفعال الشيعة نحو إفساد المجتمع الإسلامي؟ هل نحن راضون عن التكافل الاجتماعي أو الوضع السياسي للمجتمعات السنيّة؟ هل امتثلت هذه المجتمعات لخطبة حجة الوداع بأن دماءنا وأعراضنا وأموالنا حرام على المسلمين كحرمة يوم الحج؟ هل انتشار الفقر والأمية والجهل والأمراض التي تعيث خرابًا في الأمة الإسلامية مؤشر على سلة الخير التي ننعم بها؟ وهل الترف والتبذير التي يعيشه (كبراؤنا) وأمراؤنا متفق مع الدعوة المحمدية بأن نكون كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضًا؟ بل قل هل من الخير أن يتم استثمار مئات المليارات وليس الملايين لأموال الدول الإسلامية الثرية في دعم سندات خزينة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، بدلًا من استثمارها في نفع المسلمين في ديارهم؟ ولأن القائمة تطول حول هذه التساؤلات، دعونا ننتقل إلى المسألة الرئيسة الثانية، ولعلّها لا تقل في الأهمية عن الأولى.
إذ لماذا هذا الإصرار على تناول موضوع خطر التشيّع في مصر أو غيرها من الدول الإسلامية في العشر سنوات الأخيرة على وجه الخصوص؟ أو لم يكن هذا الخطر قائمًا عبر أكثر من ألف وأربعمئة عام هجري؟ هل بدأنا نسمع السباب ونرى الفساد من الشيعة بعد ما تمكن شيعة لبنان من طرد الصهاينة من أراضيهم؟ أم بعد غزو العراق واحتلال الولايات المتحدة له ظاهرًا، لتستفيد إسرائيل من خيراته باطنًا؟ أم لعلّ هذا الخطر قد تصاعد بعد الثورة الإسلامية في إيران والتي قطعت تحالف طهران بتل أبيب، وجعلت للقدس يومًا عالميًّا لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، وليبلغ الخطر (الفارسي الشيعي) ذروته مع محاولة إيران امتلاك الطاقة النووية؟.
بعبارة مختصرة، هل البحث في موضوع الشيعة والسنة بحث ديني عقائدي، أم بحث سياسي بامتياز، هدفه تعميق الفرقة بين المسلمين المطالبين في كتابهم الحكيم بالاعتصام بحبل الله وتجنب الفرقة ، حتى لا يقعوا جميعًا في حفرة النار؟ إن دماء المسلمين باتت تسفك يوميًّا في سورية والصومال وليبيا والسودان وصولًا إلى بورما، والتهويد السافر لأرض فلسطين المباركة وللمسجد الأقصى قد تصاعد في هذا الشهر الذي تنزل فيه القرآن الكريم. ومع ذلك لا يحذر المسلمون من اتقاء الفتنة التي لن تصيب الذين ظلموا منهم فقط، بل ستعمّ البلاد والعباد. ومع ذلك أيضًا يستمر التهديد بالخطر الشيعي، وكان آخره التحقيق الذي جرى مع أعضاء من الهلال الأحمر في ليبيا ، الذين اتهموا بالدعوة للتشيع فيها!.
لقد أعلمنا الخالق أن الإسلام لله، هو الذي ألّف بين قلوب المسلمين، ومع ذلك تأتي جماعة تطلق على نفسها لقب “ائتلاف المسلمين” لإثارة الفتنة والطائفية بين المسلمين. متناسين أنّنا مأمورون بالإعمار لا الهدم، وبالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالتراحم والتعاون على البر والتقوى، لا الإثم والعدوان.
فهل سنتّقي الله في أنفسنا، وهل سيتقي الإعلام دوره في هذا الشهر الفضيل؟ اللهم اهدنا واجعلنا من عبادك الصالحين. (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين)/ القصص، 83/ صدق الله العظيم .
* كاتبة من فلسطين