الدنمارك “جنّة” الرعاية الاجتماعية تتحوّل إلى جهنمٍ على اللاجئين ومن يساعدهم!
362
شارك
الحكمة – متابعة: خرجت ليز رامزلوج حافية القدمين للتنزه في أحد الأيام الدافئة خلال سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ذات اليوم الذي وصلت به أزمة اللاجئين في أوروبا إلى قريتها النائية جنوبي الدنمارك.
وكانت الجدة البالغة من العمر 70 عاماً قد خططت للتجول لفترة قصيرة؛ وحينذاك وجدت في مجتمعها الساحلي الهادئ مئات الساعين وراء الحصول على حق اللجوء الذين وصلوا على متن سفينة من ألمانيا ولم يجدوا أي سبل مواصلات عامة للانتقال. وبدأ البعض في السير على امتداد الطريق السريع في حالة يأس شديد.
وقررت رامزلوج على الفور تقديم المساعدة لهم وقامت بتوصيل زوجين وطفل صغير وآخر رضيع لمسافة 120 ميلاً بسيارتها إلى مقصدهم في السويد. وتتذكر قائلة “حينما عبرنا الحدود، ابتهجوا وبكوا”.
وفي سياق آخر، ربما تشتهر رامزلوج بكونها محسنة ومحبة لأعمال الخير.
ومع ذلك، فقد أطلقت الحكومة الدنماركية عليها مصطلحاً آخر، حيث تمت إدانتها بتهمة تهريب البشر، بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، الإثنين 11 أبريل/نيسان 2016.
ويرى العديدون أن قرار السلطات بمحاكمة رامزلوج – واتهام مئات المواطنين الدنماركيين الآخرين بجرائم مماثلة – يمثل أحدث الأدلة على أن المجتمع قد اتخذ منحى بغيضاً بمجرد مواجهة تدفق اللاجئين والمهاجرين.
وفي ذلك الصدد، كانت الدنمارك تستقبل هؤلاء الفارين من النزاعات على أعتاب القارة ثم تحول الأمر إلى رفض استقبالهم نهائياً.
إعادة الوافدين
الأسبوع الماضي، بدأت السلطات اليونانية في إعادة الوافدين الجدد مرة أخرى إلى تركيا عبر البحر، كجزء من سياسة تستهدف غلق الطريق الذي دخل من خلاله أكثر من مليون لاجئ سعياً وراء الحصول على ملاذ آمن.
ومع إغلاق أوروبا لحدودها في وجه اللاجئين، بدأت القارة تفكر من جديد ملياً في معتقداتها الإنسانية التي تؤمن بها على مدار الزمن. ويرى العديدون في الدنمارك أن الفجوة بين السمعة والواقع في اتساع دائم.
وقال أندرياس كام، الأمين العام لمجلس اللاجئين الدنماركي، “إننا نفقد احترامنا للقيم التي أسسنا عليها بلادنا واتحادنا الأوروبي. فقد أصبح من الصعب للغاية الدفاع عن حقوق الإنسان”.
يحتفي المرشح الرئاسي الأميركي بيرني ساندرز بهذه الدولة الإسكندنافية ذات الشعب الودود باعتبارها يوتوبيا الرعاية الاجتماعية الحاصلة على لقب أسعد مناطق العالم. ومن بين أبطال تلك الدولة هؤلاء الذين ساعدوا المقهورين على الفرار من وراء الستار الحديدي أثناء الحرب الباردة.
ومع ذلك، ففيما يتعلق بهؤلاء الفارين من النزاعات خلال القرن الحادي والعشرين والوافدين إلى أوروبا، فقد سارعت الدنمارك في الإعلان عن عدائها. وبينما تستمر ألمانيا في الترحيب بطالبي اللجوء وتفتح بلدان أوروبية أخرى أبوابها على مصراعيها لأطول فترة ممكنة، فقد اتخذت الدنمارك منحى متشدداً منذ بداية الأمر.
تخفيض المساعدات
فقد خفضت الحكومة من حجم مساعداتها للاجئين ثم أعلنت عن تخفيض عدد الصحف اللبنانية. ومكنت الشرطة من مصادرة مقتنيات اللاجئين، بما في ذلك الأموال والحلي. وزادت السلطات من تعقيد الأمور أمام إعادة لم شمل عائلات بعض اللاجئين الموجودين بالفعل، حيث زادت من وقت الانتظار من عام إلى ثلاثة أعوام.
والآن يقع المواطن الدنماركي العادي في نفس الفخ وتتم معاقبته لقيامه بأعمال خيرية وفقاً لما يراه العديدون. وذكرت رامزلوج قائلة “أفخر بما فعلته ولن أندم على ذلك مطلقاً، ولكني لا أريد أن أصبح مجرمة في نظر الآخرين”.
ضغوط كبيرة
مع ذلك، فقد أصبحت مجرمة بعد إدانتها خلال شهر مارس/آذار؛ ويرى الحزب اليميني المتطرف الذي يحقق توازن القوى في البرلمان الدنماركي، أنها تستحق الإدانة رغم أن الشرطة أصدرت الأوامر إلى هيئة السكك الحديدية بالبدء في نقل اللاجئين بعد أيام من قيام رامزلوج بفتح باب سيارتها ودعوتهم إلى استقلالها.
وقال بيتر كوفود بولسن، عضو البرلمان المنتخب حديثاً من حزب الشعب الدنماركي المناهض للهجرة “هؤلاء الأشخاص خرقوا القانون. تجارة البشر ليست ملائمة إذا ما تمت من خلال هيئة السكك الحديدية أو من خلال أشخاص عاديين”.
وساعد بولسن، البالغ من العمر 26 عاماً وثالث أصغر عضو بالبرلمان، على قيام الحكومة اليمينية الضعيفة باتخاذ موقف أقل تسامحاً مع طالبي اللجوء منذ أن احتل حزب DPP المركز الثاني بالانتخابات التي أُجريت في يونيو/حزيران الماضي.
وذكر أن عدد اللاجئين الذين استقبلتهم الدنمارك ينبغي أن يصل إلى الصفر. ويرى بولسن أن البديل يتمثل في تحقيق ما يسعى المواطنون الدنماركيون إليه، بما في ذلك انخفاض معدلات الجريمة وتقديم خدمات حكومية عالية الجودة. وذكر أن استقبال السوريين والعراقيين والأفغان وغيرهم من الفارين من الحروب، يشكل عبئاً ثقيلاً للغاية.
وقال بولسن “هذه الدولة تنهار. كان لدينا مجتمع آمن أحادي الثقافة. والآن تعاني دولتنا من ضغوط هائلة”.
مواقف مناهضة للاجئين
وقد راقت فكرة أن الدنمارك لا تستطيع أن تتولى رعاية شعبها إذا ما اضطرت لتوفير الملاذ للاجئين أيضاً للجميع. ويعتنق حالياً قطاع عريض من السياسيين مواقف مناهضة للاجئين كانت تعتبر في الماضي مواقف متطرفة.
بدأ تشدد وجهات نظر العامة منذ عقد من الزمن على الأقل. ومع ذلك، فقد جاءت نقطة التحول الرئيسية في الرأي العام في سبتمبر/أيلول الماضي حينما شرع اللاجئون في مسيراتهم بالطرق السريعة.
وقد تم منع العديد من مغادرة المجر في الأسبوع السابق، مما أدى إلى تزايد أعداد المهاجرين بالبلاد.
وحينما وصلوا إلى الدنمارك في 7 سبتمبر/أيلول، تم منعهم في البداية من استخدام المواصلات العامة ما لم يوافقوا على تسجيل بياناتهم – وهو أمر لم يرغب الكثيرون في القيام به بسبب رغبتهم في مواصلة السفر إلى مقاصد أكثر ترحيباً، وخاصة السويد.
وحينما شاهد المواطن الدنماركي التلفزيون في ذلك اليوم، رأى الطريق السريعة مغلقة بأناس معوزين.
وذكر كاسبر مولر هانسن، العالم السياسي بجامعة كوبنهاجن، قائلاً “أثار ذلك انتباه العديد من الدنماركيين. وقالوا لأنفسهم… إنهم أناس كثيرون. لا يمكننا مساعدتهم جميعاً”.
استجابة غريزية
استفاد الدنماركيون الآخرون من درس مختلف وقفزوا في سياراتهم متوجهين إلى المرفأ في رودبي لتوصيلهم إلى ملاذاتهم.
وكانت ليزبث زورنج، الكاتبة والناشطة في مجال حقوق الأطفال، في المنطقة وقررت أنها لا تستطيع العودة بسيارتها إلى كوبنهاجن دون صحبة.
وذكرت قائلة “لم أر أناساً معدومين كهؤلاء من قبل. كانوا جوعى وعطشى. ولم يكن لديهم سوى الملابس التي يرتدونها.”
وفتحت سيارتها أمام مجموعة قليلة من السوريين وقفز بها أربعة بالغين وتوأمان يبلغان من العمر خمس سنوات. وقالت “وبعد دقيقتين، ناموا جميعا في المقعد الخلفي”.
وفي كوبنهاجن، قدم زوجها الصحفي السابق مايكل لندهولم إليهم القهوة والكعك وعرض عليهم قضاء الليلة. ولكنهم كانوا يتوقون للذهاب إلى السويد حيث ينتظرهم الأقارب، فاصطحبهم إلى محطة القطار.
تمت إدانة كل من زورنج ولندهولم في الشهر الماضي بتهريب البشر – وهي جريمة عادة ما ترتبط بالانتهازيين الجشعين، وليس بفاعلي الخير. وتم الحكم على كل منهما بسداد غرامة قدرها حوالي 3350 دولاراً.
وتم تخفيض غرامة رامزلوج إلى النصف لأنها تقاعدت وتحصل على معاش ضئيل. ومع ذلك، لا تزال الغرامة أكبر كثيراً مما تستطيع سداده.
وذكرت أن استجابتها في ذلك اليوم خلال سبتمبر/أيلول كانت ناجمة عن الغريزة دون أدنى تخطيط. وظنت أنها سوف تقوم بتوصيل اللاجئين الذين يريدون المرور إلى السويد لمسافة أميال فقط. وتذكرت قائلة “ولكني فكرت وقلت لنفسي سوف أوصلهم لمسافة أكبر قليلاً”.
لقد نام الرضيع طيلة اليوم وكان يعانق صدر أمه. وكان الطفل يتناول البسكوت ويحتسي عصير التفاح.
وكانت رامزلوج لا تزال حافية القدمين حينما حل الظلام وعبرت بسيارتها الجسر الذي يربط الدنمارك بالسويد. ولم يكن لديها هاتف أو مبلغ نقدي يكفي لسداد رسوم العبور.
وأعرب المسافرون عن امتنانهم حينما تركوا السيارة قائلين لها “شكراً لك! شكراً لك!”.
وقبل المغادرة، مدت رامزلوج يدها في جيبها وأخرجت تذكاراً زجاجياً صغيراً كانت قد حصلت عليه من ابنتها، التي توفيت في العام الماضي.