الحكمة – متابعة: نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً لروبرت أف ورث عن التجربة لأحد مقاتلي داعش الذين فروا من التنظيم. ويحكي التقرير عن “أبو علي” الذي التحق بداعش، واعتقد أنه ليس هناك أي شيء يخسره، إلا أنه عندما عبر الحدود إلى سوريا، لاحظ أنه آخر مكان يود أن يتواجد فيه.
في تقرير مقتبس عن كتاب روبرت ورث A rage for Order: The Middle East in Turmoil from Tahrir Square to ISIS (التوق للنظام: اضطراب الشرق الأوسط من ساحة التحرير إلى الدولة الإسلامية)، نشرت جريدة الغارديان البريطانية رواية التجربة الطويلة لأحد مقاتلي داعش، عرَفه التقرير بـ”أبو علي” الذي عانى صعوبة فقدان والده للعمل في حلب، ولم يعد أنسباؤه يرسلون المال له، فعاش ظروفاً قاسية، أدت إلى اختلافه مع زوجته وطلقها، وفقد الأمل في أن الثورة السورية ستنقذه، ففكر بالالتحاق بداعش عله يجد عملاً ومدخولا.
استدل “أبو علي”،بحسب التقرير، على الطريق التي توصله إلى المناطق التي تسيطر داعش عليها، فانتقل إلى اسطنبول، وعبر شبكات تهريب، تمكن من خرق الحدود السورية -التركية، ووصل إلى أورفه.
يتحدث “أبو علي” لمن أجرى مقابلة معه عقب تمكنه من الإفلات من قبضة داعش بعد أن التحق بالتنظيم وعايش ويلاته كيف تمكن من الإفلات بواسطة مجموعة تطلق على نفسها اسم “ثوار الرقة” المكونة من ١٢٠٠ شاب من المعترضين على وجود داعش، وممارساته، في مدينتهم ومحيطها.
ويذكر “أبو علي” أن بدايات دخوله إلى سوريا جرت عن طريق شبكات وقنوات حيث استلمه مقاتل من داعش، وأودعه منزلاً للانتظار حيث التقى فيه بعشرات الأجانب من جنسيات أميركية وبريطانية وفرنسية وأخرى متنوعة.
أولى معاناته مع داعش كانت توبيخه لتعاطيه التدخين، وذلك لدى أول وصوله إلى الرقة.
في انتقاله من مكان إلى آخر، اختبر “أبو علي” مختلف ممارسات التنظيم، وأولها عندما شاهد باحة في منزل الضيافة وفيها طيور قال أحد الداعشيين أنها “للتدريب على ذبح كل خائن” مثل “الجيش السوري الحر”.
استغرب اعتبار الجيش السوري الحر خائناً، بينما مقاتلوه مسلمون يصلون ويصومون كل رمضان، قالها للضابط المولج بالمكان، غضب الضابط، وأخبر “أبو علي” أنه ينقصه درس في الشريعة، وعندها سيفهم الأمور.
نقل إلى الرقة، وألحق بمجموعة تتمركز شرقي حمص، في أجواء من البرد والثلوج، والكهوف، وبدأ بدورة شريعة التحق بها كثير من المتطوعين من غير العرب. وخلال الدرس الأول، عرض فيديو يظهر كيف أعدم داعش طياراً أردنياً بحرقه لأنه كان يقصف مواقع المسلمين.
جرى نقاش بين “أبو علي” والداعشيين لأن الرسول محمد (ص) يرفض قتل إنسان حرقاً. أغضب الموقف الضابط، ونهره، فنطق “أبو علي” بصلاة سريعة قائلاً: “الله يساعدني”.
يحضر المقاتل محاضرة الشريعة الأولى، ويخرج منها مسلماً، بعد أن كان كافرا قبلها، بنظر داعش.
بعد أسبوعين، نقل إلى مخيم تدريب عسكري وتعلم على السلاح، لينقلوه بعد ذلك إلى الجبهة الأمامية مع العراق. رفض “أبو علي” الذهاب، فضغط عليه المسؤول قائلاً: لكنك أقسمت اليمين، ويجب أن تطيع، وإذا لم تفعل، فربما أعدمت”.
في بلدة قريبة من بغداد اسمها “الكرمة”، حاول داعش اقتحام موقع عسكري للجيش العراقي، وطلب من “أبو علي” المشاركة في الهجوم، فتساءل: كيف يمكن مقاتلة جيش جرار بـ١٢ مقاتلاً؟ وتردد بالالتحاق.
طلب منه الضابط أن يلبس حزاماً ناسفاً، فقال له: أنت تحب الجنة أكثر مني، فلم لا تلبسه؟ اسمعه الضابط كلاماً مهيناً، وحوله لاستلام “الدوشكا” فقال له أنه لا يعرف به.
بدا “أبو علي” يستنزف رعباً، بحسب التقرير، وبكى، وأكثر ما تأثر به عندما لاحظ أن المعركة وقعت، وداعش خسرتها، وعند انسحاب مقاتليها، خلفوا وراءهم جثث قتلاهم، وجرحاهم.
تمرد “أبو على” على الالتحاق بالقتال، مستنداً على توصية الرسول (ص) بأنه لم يكن يجبر أحداً على الذهاب إلى القتال، ُوصف بالمتقاعس، ولم يعودوا يبالون به، وأهملوه. تعرف أثناءها على سارق سوري ملتحق بداعش يعرف بـ”أبو حسن” وعده داعش بدفع ١٥٠ دولار شهرياً، وهذا ما كان يأمله، لكنهم لم يدفعوا لأبو علي إلا ٥٠ دولار دفعة واحدة لفترة وجوده كلها.
ترك “أبو علي” في بيت مهجور مع “أبو حسن”، وصدف أن تلفازاً وتجهيزات كانت فيه دون علم داعش راح الاثنان يشاهدان التلفاز، وعندما لاحظ أحد المقاتلين الأكراد ما يجري في المنزل، دخله وأقفله وقال لهم أن “ذلك محرم في الإسلام”. وغادر، لكن “أبو علي” أعاد تشغيله، فعاد الكردي، الذي ظل واقفاً خلف الباب” إلى الداخل، وأطلق النار على الشاشة وحطمها.
نقل “أبو علي” إلى شقة في الفلوجة، وسمع في مكوثه فيها صوت فتاتين تضحكان حيناً وتبكيان حينا آخر. علم أنهما من الإيزيديات اللواتي تاجر “داعش” بهن واعتبرهن سبايا، وقدمت الفتاتان لأحد الأمراء الذي رفض العرض، فتركتا في الشقة. لكن الشباب المقاتلين، تنازعوا عليهما، فدخل ضابط من داعش، وسمع “أبو علي” طلقين ناريين، ولدى خروج الضابط، قال: لأنهما تسببتا بالخلاف بين المقاتلين”.
سرت اعتراضات على ممارسات داعش بين كثيرين من أبناء الرقة، وجوارها، ولم يكن “أبو علي” ورفيقه الوحيدين المعترضين. وبدأت تتسرب معلومات عن وجود مجموعات يائسة تريد ترك داعش، ومن هؤلاء شاب في العشرين، اسمه “أبو عبدالله” قال “أبو علي عنه أنه بحلول ٢٠١٤ بدأ يتحرر من وهم داعش رغم مشاركته معه بالعديد من المعارك القاسية.
يروي “أبو علي” عن “أبو عبد الله” أن إحدى قبائل الرقة ثارت على داعش، فدارت معركة أدت إلى قتل الآلاف من أبنائها، فارتعب “أبوعبدالله”، وحاول تمرير رسائل اعتراض لقادة التنظيم فكان الرد حماية المرتكبين. “أبو عبدالله” قال لـ”أبو علي”: في هكذا لحظات، لا يمكنك أن لا تشك بهم”، وقام “أبو عبدالله” بتصوير فيديو على هاتفه أظهر الجثث وكيف تنتشر في المنطقة وضج العالم بهذه الصور في تلك الفترة.
تنقل “أبو علي” من مكان لآخر، يختبر التنظيم، ويزيد كرهه له، إلى أن وصل إلى منبج، وفيها مقهى انترنت، فتلقى رسالة من زوجته، مما فاقم من معاناته حيث جاشت عواطفه، وهو في ذروة معاناته مع داعش.
قرر المغادرة، وأجرى اتصالات بمن عرف منهم طريقة للهروب، وحضرت دراجتان أقلته إحداهما من تل أبيض، إلى تركيا، وعلم أنهما من “ثوار الرقة”، وتولى شخص آخر نقله إلى أنطاليا حيث كانت طليقته في انتظاره.
ينتهي التقرير بأن التواصل عاد في أنطاليا بين الطليقين، وقررا الزواج مجدداً، والعودة إلى الحياة معاً.