علي ولد في جوف الكعبة لقتل صناديد الكفرة
لم تعرف الإنسانية في تاريخها بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من علي بن أبي طالب (ع) ولم يسجّل لأحد من الخلق بعد الرسول (ص) من الفضائل والمناقب والسوابق، ما سجّل لعلي (ع).. وكيف تعد فضائل رجل أسرّ أولياؤه مناقبه خوفاً، وكتمها أعداؤه حقداً، ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقين، وهو الذي لو اجتمع الناس على حبه – كما قال الرسول (ص) لما خلق الله النار – جاء في عوالي اللئالي لابن أبي جمهور الأحسائي ج 4 ص 86، والرسالة السعدية للعلامة الحلي ص 23، والمناقب للموفق الخوارزمي ص 67، وكشف الغمة في معرفة الأئمة للإربلي ج 1ص 97، ورواه الحافظ ابن أبي الفوارس في “الأربعين”.
هو أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم الرسول الأعظم صلَّى اللَّه عليه وآله، وأول من لبَّى دعوته واعتنق دينه، وصلّى معه.. أفضل هذه الأمة مناقب، وأجمعها سوابق، وأعلمها بالكتاب والسنة، وأكثرها إخلاصاً لله تعالى وعبادة له، وجهاداً في سبيل دينه، فلولا سيفه لما قام الدين، ولا انهدت صولة الكافرين بقتله لصناديدهم .. فكان نفس الرسول (ص) ووصيه دون غيره؛ خصه الخالق الجبار بخصائص لم يخصها أحداً غيره: أولده في جوف الكعبة ولم يولد بها أحد قبله ولا بعده، وآخى بين رسول الله (ص) وبين علي لما آخى بين المسلمين، وحامل لواء النبي (ص) وأميره على سراياه دون غيره، وبـُلـّغ عن الخاتم (ص) سورة براءة؛ ثم نصب أميراً على المؤمنين والمسلمين ووليهم يوم “غَدِير خُمّ” بقوله تعالى “يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ…” – المائدة 67.
الحديث عن أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام ونحن نعيش ذكرى مولده المبارك، طويل لا تسعه المجلدات، ولا تحصيه الأرقام، حتى قال نبي الرحمة محمد (ص): “لو كانت البحار مداداً والغياض أقلاماً، والسموات صحفاً، والجنّ والإنس كتاباً، لنفد المداد وكلّت الثقلان أنْ يكتبوا معشار عشر فضايل إمام يوم الغدير” – رواه الحافظ البرسي (مشارق 111: 58)، وقال ابن عباس “لو أنّ الشجرَ اقلامٌ، والبحرَ مدادٌ، والإنس والجن كتّاب وحسّاب، ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام” – رواه موفق الدين بن أحمد الخوارزمي في كتابه المناقب.. كيف تحصى مناقب رجل كانت ضربته لعمرو بن عبدود العامري يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، وكيف تعد فضائل رجل أسرّ أولياؤه مناقبه خوفاً، وكتمها أعداؤه حقداً،
من العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في تاريخ الكون وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين على ما تخفيه من أسرار الهية جمة، أن يصطفي الله عز وجل لعبد أصطفاه حتى موضع مولده، ليجمع له مع طهارة مولده شرف محل الولادة، ويخصّه بمكرمة ميزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشرية جمعاء .. فولد علي (ع) حبل الله المتين وأمام المتقين في جوف البيت العتيق الكعبة الشريفة يوم الجمعة المصادف 13 من شهر الله رجب المرجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة وقبل البعثة بعشر سنين أي حوالى عام 600 م (23 قبل الهجرة)، وقيل: ولد سنة ثماني وعشرين من عام الفيل (اعلام الورى 1: 306، إرشاد المفيد 1: 5، عليٌّ وليد الكعبة للأوردبادي وكشف الغمَّة).
فحسده وغضب عليه صناديد العرب واليهود والمنافقين والمارقين والقاسطين منذ يوم ولادته وحتى يومنا هذا، فعملوا كل ما في وسعهم لتشويه صورة الامام علي (ع) الربانية الناصعة فطعنوا أول ما طعنوا بصغر سنه لقيادة جيوش المسلمين وكان هو صاحب فتوحاتهم وقاتل كبار صناديد الكفرة، ثم جاء الدور برفضهم لخلافته بعد النبي (ص) بسقيفتهم وواصلوا نهجهم الحاقد ضده وأبناءه وشيعته وأنصاره ومحبيه ومن أعترف بحقه حتى يومنا هذا يريقون دماءهم وينتهكون مقدساتهم ويكفرونهم ويسلبونهم حقوقهم ومعتقلات الطغاة وحكام التوريث الأموي مليئة منهم يتعرضون لأبشع أنواع الظلم والقهر والجور والعنف، ومقابرهم الجماعية منتشرة في كل أرض المسلمين بين اعدام وقتل وذبح وتفجير وتفخيخ وقصف وعدوان، من شمال افريقيا وحتى شبه القارة الهندية ومن الشام حتى اليمن مركزة على أرض الرافدين وبلاد الحرمين والبحرين، ذنبهم الوحيد حب الولي والوصي (ع) بأمر النبي (ص) .
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) هو ذلك الوصي الذي نزلت في حقه عشرات الآيات في كتاب الله المجيد منها ما جاء في سور: المائدة الآية 3و54-55و67، والمعارج 1-2، والبينة 7، والسجدة 18، ومريم 96، والرعد 7 و28و29، وهود 17، والانبياء 7، والواقعة 10-11، والتوبة 119 و19 و1 و3، والصافات 24 و130، والانسان1و8، والتحريم 4، والأعراف 46 و181، و البقرة 207و274، ومحمد 30، والحديد 19، والزمر 33، والفاتحة 5، والانفال 62، والنساء59، و.. غيرها من آيات الذكر الحكيم لم يتسع المقال لذكرها كلها؛ ولهذا تمسكنا بحبه وولائه وقدمنا الغالي والنفيس بذلك على طول التاريخ وسنواصل المسيرة دون وجل أو خوف متمسكين بالحق وحبل الله المتين لا نخاف في الله لومة لائم.
الرسول الأعظم (ص) لم يزل ومنذ بعثته وحتى وفاته يشيد بأمير المؤمنين عليه السلام في كل ناد ومجمع، ومنتدى ومحفل، ولا يمكن إحصاء ما جاء من الاحاديث النبوية في علي (ع)، وليس من كتاب يتعرض للحديث أو للسيرة إلاّ وبين دفتيه أحاديث جمّة في فضل أمير المؤمنين (ع)، وقد عقد أرباب الصحاح، وعلماء الحديث فصولاً في كتبهم فيما جاء في فضله الامام علي (ع)، وقد أفرد جمع كبير من علماء المسلمين كتباً مستقلة في فضائله (ع).. حتى قال خاتم المرسلين (ص): “عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالب” – روي عن الزهري عن أنس بن مالك (كنوز الحقائق للمناوي ص92، وكنوز الحقائق: العين، ح4815، والمناقب للمغازلي الشافعي)، و(تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي ج4 ص410، وفي (مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 3)؛ ورواه الحافظ ابن عساكر في “ترجمة الإمام عليّ من تأريخ دمشق” بإسناده عن شريك حتى ابن عبّاس؛ ورواه العلامة المولوي محمّد مبين الهندي وفي الصواعق والطبراني في الكبير وابن منذر في “حديث عائشة”.
ومما قالت عائشة عنه: “رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم التزم علياً وقبله، وهو يقول: بأبي الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد” – ترجمة الأمام علي بن أبي طالب عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص285 رقم 1376، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص137. فيما قال ابن مسعود: “قسمت الحكمة عشر أجزاء، فاعطي علي تسعة أجزاء والناس جزء واحد، وعلي أعلم بالواحد منهم” – تحفة المحبين بمناقب الخلفاء الراشدين ص187.
جميل ظاهري-شفقنا