مشاية الإمام موسى بن جعفر (ع) بين عناء السفر وفرحة اللقاء
الحكمة – متابعات: تفاءلت بالحق، متأملًا مجاميع وافرادًا، يسيرون قادمين من أنحاء العراق ودول أجنبية، ليلتقوا عند المدخل الرئيس إلى مدينة الكاظمية، التي تمور.. إيمانًا.. بالمبتهلين إلى الرحمن.. «ناصر المظلومين ومبير الظلمة» قال رعد حيال من مدينة الفهود، في الناصرية، قادمًا متجدد النشاط، بعد ليلة قضاها وعائلته، في السير على الأقدام، واصفًا مرافئ الراحة، من طعام وحمامات ومنام وحسن استقبال، على طول الطريق، بأنها جزء من بركات «باب المراد.. أبو الجوادين.. أسد بغداد» قالها وتعقب الداخلين؛ استوقفت الحاجة أم رضا، أسألها: منين جيتك؟ قالت: «مشيًا على الأقدام من «عمق» الجوادر، أرض تشيلنا وأرض تحطنا، طوال الطريق، نصغي لقارئ يتحدث عن عظمة الإمام موسى بن جعفر كاظم الغيظ.. عليه السلام، وها أنت ترى.. أين قاتله الذي أمحى ذكره، إمام هذه الجموع الغفيرة، القادمة من مشارق الأرض ومغاربها، مشيًا على الأقدام.. تصل الليل بالنهار، مبتهلة له، إنه كعبة الضعفاء.. يستقوون به، على دنياهم الغرور».
عبد الكاظم جبر الأزيرجاوي.. مهندس، قال: «أحمل ولدي الصغير على كتفي، أسير به.. ساريًا منذ عصرية أمس، ينام ويصحو على كتفي، بتنا ساعات، في أحد السرادقات المنصوبة، ثم صلينا الفجر، وعدنا للمشي، وها أنت ترانا قد بلغنا الضريح ضحى الجمعة.. نزور ونخفف من اكتظاظ المكان، كي يستقبل سوانا من وفود إسلامية.. أجنبية وعربية وعراقية، قادمة لأداء مراسيم الزيارة بين يدي الإمام الكاظم.. عليه السلام».
تقهقرت عائدًا باتجاه الجريدة، معاكسًا سير المشاية، فهم ذاهبون، أتأمل وجوها مفعمة بالخير والبركة، تؤكد أن الشهداء «أحياء عند ربهم يرزقون» لأن فرح الشهادة يتجلى على الوجوه أكثر من حزن الموت.. شيوخ وشباب وصبايا ونساء ورجال بأعمار متفاوتة، تجمعها قوة العزيمة، وهي تسير بين خيام فرشت بالبسط والوسائد، وبالقرب منها «قزانات» وقدور تفور بنعم الله من كرم أبي الجوادين (ع) بينما بسطات عامرة بالبيض والجبن وأنواع المربى والعسل، وقد أوشكت فترة الافطار على الافول، فادركت مقدار جوعي، لاقف عند أقرب موكب لمبنى الجريدة، افتح ثلاث صمونات، أعبئ اثنتين بالجبن والثالثة بالبيض المسلوق، أأكل مع الشاي الذي لم ينقطع، كلما أفرغت قدحا صب الآخر، شاب في مقتبل العمر، ينادي المارة متوسلًا: «إفطار حار يا زوار» فينابيه رديفه: «رحم الله والديكم حتى لو تاخذوه معكم، نريد التفرغ لإعداد طعام الغداء.. أنه مال الكاظم، أنتم المتفضلون علينا بقبوله».
سألت شابًا من طلبة كلية الإعلام، تعرف علي، مقدمًا نفسه: كيف تقيم لغة التوسل من معطٍ إلى آخذ؟ قال: «تعاليم الإسلام، وجهت إلى تواري المتفضل، بدليل ثمة عوائل كانت تتسلم رزقها يوميًا.. تجده على عتبات أبواب بيوتها، ولا تدري من معطيه، إلى أن توفي الإمام علي زين العابدين.. عليه السلام، فانقطت العادة، حينها عرفوا أنه الإمام السجاد، تلك هي أخلاق الإسلام التي نسعى للسير عليها».
وبشأن القيمة العليا لشهادة موسى الكاظم، قال: «يجب إرساء مثل هذه التقاليد الإيمانية الرصينة».
(محمد إسماعيل – الصباح)
س م