“يمين الطلاق” تهدّد عدداً كبيراً من الأسر المصرية بالانفصال
401
شارك
الحكمة – متابعة: يومياً، يقصد المئات لجنة الفتوى التابعة للأزهر أو لدار الإفتاء المصرية، بهدف الاستفسار عن اليمين بالطلاق، بعد أن يصل إلى أكثر من ثلاث مرّات.
يرمي عدد لا بأس به من المصريين يمين الطلاق استهتاراً تارة وجهلاً تارة أخرى، وقد جعلوها على ألسنتهم كنوع من قسم. وتكثر عبارة “عليّ الطلاق” أن تفعل كذا وكذا، أي “زوجتي طالق إن لم تفعل هذا الأمر”. وهنا تبدأ المشكلة، فيبحث الرجل عمّا ينقذه من وقوع الطلاق فعلياً.
في مقرّ لجنة الفتوى التابعة للأزهر، كانت جولة لـ “العربي الجديد”. هنا زوجات وأزواج، يبكي بعضهم أو بعضهنّ بعد وقوع اليمين الثالثة. يلقي كلّ طرف اللوم على الآخر. الزوجة ترى أنّ زوجها هو السبب في ذلك، فيما يرى هو أنّها هي السبب. إلى ذلك، يخرج كثيرون وهم في حالة انهيار، بعدما علموا أنّ عيشهم مع بعض “حرام” ولا بدّ من “محلل”، أي أن تتزوّج المرأة من رجل آخر، وهو ما يحاول البعض التحايل عليه عبر الاتفاق مع شخص آخر. أما بعض النساء، فيطلقن الزغاريد بمجرّد خروجهنّ، على خلفيّة عدم وقوع الطلاق.
فاطمة م. من محافظة المنوفيّة، تطرح مشكلتها أمام الشيخ سيد زاهر أحد أعضاء لجنة الفتوى، فيما يجلس زوجها بجوارها. تخبر أنّه رمى عليها يمين الطلاق خمس مرات، وفي المرة الخامسة نصحها أحد أقاربها بالتوجّه إلى لجنة الفتوى في الأزهر. وتوضح الزوجة أمام الشيخ أنّ صيغة يمين الطلاق في كلّ مرّة كانت “أنت طالق طالق طالق”، وهو ما يؤكده الزوج. بالتالي، يقع الأمر كالسيف على كلّ منهما: لا يصحّ أن يعيشا معاً ولا بدّ من الانفصال. تخرج الزوجة وهي في حالة انهيار وصراخ وعويل، متهمة زوجها بأنّه السبب. وتسأل: “كيف أعيش ومعي ثلاثة أولاد؟ لا بدّ من أن يكون الأب موجوداً معهم”. وتردد “حسبي الله ونعم الوكيل”.
أسماء ع. زوجة أخرى تجلس أمام الشيخ نفسه، بعدما نصحها أحد أقاربها بذلك، إذ إنّ زوجها “مدمن يمين طلاق” يردّد عبارة “عليّ الطلاق” في كلّ مناسبة ومن دون مناسبة أيضاً لأتفه الأسباب. على سبيل المثال، يحلف لأحد أصحابه “عليّ الطلاق أن تتعشى معنا، أو عليّ الطلاق أن تذهب معي إلى مكان ما”. تقول: “عائلة زوجي مشهورة بهذه العبارة. حتى أخوه غير المتزوج يحلف بالطلاق”. ينصحه الشيخ بعدم الحلف بذلك والتكفير عن هذه اليمين بمبلغ مالي يوزّعه على الفقراء.
أما سميرة أ. من محافظة الجيزة، فتختلف حالتها. تجلس أمام الشيخ محمد كمال بمفردها، وتؤكد أنّ زوجها رمى عليها يمين الطلاق صراحة للمرّة الرابعة. تقول إنّها تعيش اليوم في منزل أهلها “في انتظار ورقة الطلاق، بعدما علمتُ بأنني طالق بالفعل”. وتخبر أنّ “زوجي أحضر لي محلل وهو أحد أصدقائه، للزواج بي لفترة معينة ومن ثم يطلقني. وقد أعطاه شيكاً على بياض خوفاً من عدم الطلاق، وتعهّد بمصاريف الزواج كافة”. يستشيط الشيخ غضباً من هذا التصرف، مؤكداً أنه “عمل شيطاني وحرام ولا يجوز شرعاً”.
من جهته، يجلس عبد الله محمد أمام أحد المشايخ ويخبر أنّه رمى يمين الطلاق على زوجته في حالة غضب بقوله “إنتِ طالق ومحرّمة عليّ كأمي وأختي” للمرّة الثالثة. يضيف: “لم أكن أعي ما قلته، لكنّ أحد الأقارب أكّد لي ذلك”، في حين يطلب منه الشيخ “تكفير اليمين وعدم التلفظ بها مرة أخرى”.
إلى ذلك، حضرت نادية م. مع أولادها الأربعة. تخبر أنّها متزوجة منذ 15 عاماً وأنّ “زوجي تعلّم في السنوات الأخيرة الحلف بالطلاق على الفاضي والمليان، خصوصاً بعدما اعتاد الجلوس في المقاهي”. تضيف: “اختلفت معه، فألقى عليّ يمين الطلاق وكانت الطلقة الثالثة. سبقتها اثنتان في وقت سابق. أبلغت والدي الذي أكّد لي صحة هذا الطلاق، وأنّه في هذه المرة طلاق نهائي لا رجعة فيه”. فيطلب منها الشيخ كمال حضور زوجها، من أجل مواجهة بينهما.
في هذا السياق، يقول الرئيس الأسبق للجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب إنّ “من ضمن شروط تحليل يمين الطلاق حضور الزوجَين، ولا بدّ من أن يكونا صادقَين في ما يقولانه بلا تزييف ولا كذب، إذ سوف يترتب الكثير على حياة الأسرة من جرّاء ذلك”. ويؤكد أنّ “يمين الطلاق أصبحت نوعاً من الاستهتار لدى كثيرين، حتى أنّ عدداً كبيراً من الشبان غير المتزوجين يقولون دائماً: عليّ الطلاق”. ويوضح أنّ “الزواج الذي تكثر فيه يمين الطلاق، من الصعب نجاحه واستمراريته، خصوصاً أنّ الطلاق هو أبغض الحلال عند الله. لذا، لا بدّ من أن يتجنب الزوجان بلوغ هذا الأمر، إلا في حال استحالت الحياة الزوجية بينهما”.
ويخبر الشيخ قطب أنّ “عدداً كبيراً من الأهالي يقصدون يومياً لجنة الفتوى سواء في الأزهر أو في دار الإفتاء، لهذا الغرض. وهو ما يؤكد خطورة الأمر. يُضاف إلى هؤلاء، الأهالي الذين يترددون يومياً على المشايخ في القرى والمدن لتلمّس رأي علماء الدين في يمين الطلاق”. ويلفت إلى أنّ “الطلاق يقع لدى نسبة كبيرة من الأزواج بسبب تعدد اليمين، من دون أن يدرك الزوج ذلك”.
من جهته، يرى الدكتور سيد إمام وهو أستاذ علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أنّ “نحو 20 في المائة من الأزواج يعيشون في الحرام بسبب تعدّد يمين الطلاق. وهذه الظاهرة تنتشر في القرى والأرياف”. ويشير إلى أنّ “كثيرين هم الشبان غير المتزوجين الذين يحلفون بالطلاق الذي أصبح مثل لبانة في أفواههم. أما الرجل الذي يحلف بالطلاق، فهو لا يدرك معنى الحياة الزوجية وقدسيتها. رابط الزواج من أعظم الروابط، واحترامها وتقديرها واجب”. ويوضح إمام أنّ “يمين الطلاق تخرب عائلات كثيرة، وهو من أشدّ الأمراض الاجتماعية خطراً. هذه العبارة تؤثّر سلباً في العلاقة الأسرية، في الأزواج والأبناء على حدّ سواء، فتأتي الأسرة مفككة”.
بالنسبة إلى الدكتور خالد الجندي وهو من علماء الأزهر، فإنّ “الحلف بالطلاق كقول الرجل عليّ الطلاق أو يلزمني الطلاق، ما هو سوى لغو من الكلام لا يقع به شيء”. ويعيد “سبب اختلاف الفقهاء في المسألة إلى اختلافهم في حكم صيغة الحلف بالطلاق. واليمين بالطلاق بدعة في الأمة أحدثها الحجاج بن يوسف الثقفي”.
ويقع المسلمون من أتباع المذاهب المختلفة في هذه المشاكل بسبب ابتعادهم عن فقه أهل البيت (ع)، الذي التزم به الشيعة الإمامية، والذي وضع شروطًا عدة لوقوع الطلاق تجعل من الصعب وقوعه فضلا عن بطلانه في مثل هذه الحالات التي تهدم الكثير من الأسر بكلمة تطلق في لحظة غضب.