الـ «هايبوثالامَس»… يُبشِّر بتحقيق أُمنيّة «ليت الشباب يعود يوماً»!
442
شارك
الحكمة – متابعة: عندما نظم الشاعر «أبو العتاهية» بيته الشهير «فيا ليت الشباب يعودُ يوماً… فأُخبرهُ بما فَعل المشيبُ»، من المؤكد أنه كان موقناً أن عودة الشباب من المستحيلات، ومن شبه المؤكد أنه لم يكن قد سمع آنذاك عن وجود مركز صغير في المخ يحمل الاسم اللاتيني «هايبوثالامَس» (بالعربية «الوطاء»). لكنه عبّر بهذا البيت الشعري عن أُمنية أزليّة يبدو أن تحقيقها قد بات أمراً ممكناً من خلال ذلك المركز الدماغي.
فعلى غرار «أبو العتاهية»، ظل حلم «عودة الشباب» يراود البشر منذ أول جيل، بل وبذلوا محاولات كثيرة في سبيله، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل في كل مرة. لكن نتائج دراسة جديدة أجراها علماء من جنسيات عدة باتت تبشر بإمكانية تحقيق تلك الأُمنية، وذلك من خلال مركز الـ «هايبوثالامَس» الذي يتولى تنظيم وظائف حيوية كثيرة، بما في ذلك التحكم في إفرازات الغدة النخامية والوظائف الجنسية والتناسلية، علاوة على كونه حلقة الوصل بين الجهاز العصبي الذاتي وجهاز الغدد الصماء. وتشريحياً، يقبع الـ «هايبوثالامَس» أسفل الـ «ثالامَس» (المهاد) مباشرة مثلما هو مبين في الرسم التشريحي التوضيحي المرفق أعلاه.
هذه النتائج البحثية المبشرة هي ثمار دراسة أُجريت على مدار السنوات القليلة الماضية تحت قيادة البروفيسور «دانغشينغ كاي» رئيس قسم علم الصيدلة الجزيئية في كلية ألبرت أينشتاين للطب الكائنة في مدينة نيويورك الأميركية. وبفضل تلك النتائج، بات البروفيسور «كاي» ورفاقه على قناعة أكثر من أي وقت مضى بأن الـ «هايبوثالامَس» ينطوي على «ينبوع الشباب»، إذ إنه يتحكم أيضاً في تنظيم وتيرة سرعة شيخوخة الجسم، أي أنه من الممكن عملياً من خلاله إبطاء سرعة تلك الوتيرة لإبقاء أعضاء الجسم في طور الشباب لأطول فترة ممكنة، بل ربما حتى نهاية العمر.
وعلى مدار سنوات الدراسة التي شملت أموراً عدة، استكشف الباحثون الكيفية التي تؤثر بها إفرازات الـ «هايبوثالامَس» على سرعة وتيرة شيخوخة الجسم، ورصدوا آليات تلك الكيفية من خلال التركيز على تأثيرات مركّب بروتيني معين يفرزه ذلك العضو، وهو مركّب يحمل اسم (PCG) اختصاراً.
البروفيسور «كاي» أوضح أن نتائج أحدث الاختبارات الاكلينيكية التي أجريت على فئران تجارب كشفت عن أن تفعيل وتنشيط الممر الذي يتدفق من خلاله هذا المركب البروتيني في داخل الـ«هايبوثالامَس» أدى إلى تسريع ظهور أعراض الشيخوخة لدى تلك الفئران، وهي الأعراض التي تمثلت في تدهور قوة وحجم عضلاتها وتراجع ملحوظ في قدراتها الإدراكية والسلوكية.
لذا قرر الباحثون رصد تأثيرات كبح إفرازات ذلك المركّب، واكتشفوا أن إغلاق ممر تدفقه أدى إلى إبطاء سرعة وتيرة شيخوخة مجموعة فئران أخرى وجعلها تعيش بصحتها «الشبابية» لفترة أطول بنسبة 20 في المئة مقارنة مع أعمارها المألوفة.
لكن الباحثون رصدوا في الوقت ذاته أن إغلاق ممر مركّب (PCG) في الـ «هايبوثالامَس» أدى إلى تراجع مستوى إفرازاته من هورمون (GnRH) المسؤول عن إطلاق موجهات الغدد التناسلية، وهو التراجع الذي افترضوا يسهم في تسريع وتيرة الشيخوخة، أي أنه يضيع جزءا من التأثير الإيجابي الذي يحققه كبح إفرازات مركّب (PCG).
وللتثبت من تلك الفرضية، قام الباحثون بحقن جرعات يومية من هورمون (GnRH) في أجسام عدد من الفئران المصابة بالشيخوخة، ولاحظوا أن تلك الفئران استعادت جزءاً من قدراتها الشبابية إلى جانب تباطؤ وتيرة شيخوختها بشكل ملموس، وتأكدوا من أن الفضل في ذلك يعود إلى قدرة ذلك الهورمون على تخليق أنسجة عصبية جديدة.
وتلخيصا للفكرة، قال البروفيسور «كاي» إن «ينبوع الشباب» المأمول يتمثل في أمرين: أولهما هو تعطيل دور الـ «هايبوثالامَس» في تسريع وتيرة الشيخوخة (بإغلاق ممر افرازات المركب البروتيني PCG)، وثانيهما هو الحقن بهورمون GnRH الذي يجدد الأنسجة والخلايا العصبية، وهما الأمران اللذان يؤمل أن يسهما معاً في مضاعفة سنوات الشباب لدى البشر، أو إعادة جزء من ذلك الشباب إلى من بلغوا مرحلة الشيخوخة فعلياً.
فهل سنرى ما تمناه «أبو العتاهية» لنفسه يتحقق لنا على أرض الواقع قريباً؟