في زمنخيم عليه الركود والخنوع والاستسلام للواقع القيمي المهزوم والتدني الأخلاقيالملحوظ، وفي زمن سيطرت فيه ثقافة اللهو على قنوات التلقيح الثقافي للشعوب أصبحتالماكنة الحضارية المادية تمتلك مقومات صناعة الشخصية وفق أهدافها وخططهاالإستراتيجية، فما عاد الهدف الرأسمالي مقتصراً على الصناعات المادية، بل أصبحتصناعة الشخصية المستهلكة طوعا للمادة الصناعية والثقافية والسياسية هدفاً كبيراً فيحد ذاته. ان الواقع العلمي اليوم على الصعيد الثقافي يعيش هيمنة قطب واحد على قنوات التواصلالمعلوماتي والغرس المعرفي والإرساء المعنوي وهذا القطب لا يريد لثقافة تناقضثقافته وتدخل في تضاد بعض أهدافها أن تسري للشعوب، وتصحح الذهنية الجمعية للشعوب،وتؤثر على مشاعرهم وأحاسيسهم، ولذلك يسعى جاهداً لمواصلة الغارات الثقافية علىالنظريات المهددة له.
وإن العقيدة المهدوية لهي من أكبر الأخطار التي تهدد هيمنته الثقافية لما تمتلك منمقومات للنهوض بالبشرية وإعادتها عن جادة الاستهلاك اللهوي إلى جادة الإنتاجالأخلاقي. وان من أبرز تأثيرات العقيدة المهدوية على السياسة الثقافية للشعوب ما يلي:
١.امتصاص الولاء:
العقيدة المهدوية تؤدي إلى امتصاص كل الولاءات الثانوية، مثل الولاء القبليوالعشائري والعائلي، الجغرافي، المناطقي، القومي والعرقي، اللغوي، والولاء السياسيوالفكري. إن العقيدة المهدوية تمتلك القدرة الوجدانية والفكرية والسياسيةوالعقائدية على امتصاص كل الولاءات الثانوية وتذويبها في ولاء واحد، لدين واحدومشروع واحد، وقيادة واحدة وهدف واحد. إن هذه القدرة خطر استراتيجي كبير يتهددالمصالح الاستكبارية في الأرض إذ ان الولاء الأممي لرجل واحد ومشروع واحد ودولةواحدة تعني اضمحلال قدرة الأنظمة على قيادة شعوبها على كل المستويات. كما أنالولاءات الثانوية لها الدور الأكبر في إثارة الخلافات على مر التاريخ بين الشعوب،تلك الخلافات التي كان ولايزال المستكبرون يثيرونها في العالم تكون شرارتهاالاعتزاز المفرض بالولاء، سواء كان ولاءً لحدود جغرافية ضيقة أو ولاء لعرق وقومية. والعقيدة المهدوية تضع هذه الولاءات الثانوية في مكانها السليم إذ أنها لا تقدمأبداً على الولاء للإمام المهدي المنتظر عليه السلام الذي يعد امتداداً طبيعياًلولاء أهل البيت عليه السلام وولاء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وولاءالله.
٢. إرساء مراسي الإنتاجية الثقافية:
العقيدة المهدوية تصنع في الإنسان تطلعاً إلى مستقبل جديد، وتولد في القلبحرارة لا تفتر إلا برؤية الصلاح يسود الأرض، وتحفز الهمم للتحرك الميداني للدعوةلدين الله إذ لا يمكن لمن تشرب قلبه بمعاني الأدعية المهدوية أن يعيش حالة الفتورالثقافي والانزواء والانكماش التبليغي. ومن تلك الأدعية المباركة المشهورة (وتجعلنافيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك). كيف يمكن لمن يعيش معنى هذه العباراتويسبق معناها التلفظ بها أن لا يكون منتجا في ساحات البذل الثقافي والجهاد التبليغيوالتضحية الدعوية والمقاومة الباسلة لكل برامج التخريب المعنوية والغزو الثقافيالتي تستهدف الأمة. من هنا نقول إن العقيدة المهدوية ترسي في الإنسان مراسي الإنتاجالثقافي والمعرفي لا الاستهلاك الثقافي فقط دون بذل وعطاء وجهاد فالشخصية المهدويةلا يسكن لها بال ولا يهدأ لها خاطر حتى تتحرك في الدعوة إلى الحق وتبليغ كلمة الحقوتعريف البشر بالدين الحق وقيادة الأمم إلى الإمام الحق.
٣. تعزيز التوحيد الثقافي:
الشعوب العالمية كلها تتطلع إلى الأفضل، فالأمم تسعى إلى تحقيق الرفاهيةوالازدهار، الأمن والأمان، التقدم والتطور، العدل والإنصاف، وهي في ذات الوقت تتطلعلإزالة الظلم والجور، الفساد والسرقة، الجهل والتخلف، التمييز والإرهاب وهذا يدفعالشعوب والأمم للاجتهاد لوضع تصورات ونظريات تحقق لها هذا الهدف المنشود. إن العقل البشري سيصل حتما إلى قناعة أنه مهما نظر ووضع تصورات لحلول البشرية يبقىقاصراً عن الوصول إلى الحل الكامل فها نحن نرى الشعوب قد أصيبت بإحباط بالرأسماليةبعد إحباطها بالشيوعية قبل سنوات. وهذه الحالة قد تولد كفراً أممياً عارماً بكلالحلول غير المجدية لمشاكلهم مما قد يدفعهم طوعاً للتفاعل مع المشروع المهدويالمخلص ولو من باب التجربة بعد فشل كل مساعيهم للخلاص من مشاكلهم وفشل كل ألواندولهم. إن هذه الحالة قد تسهم في توحيد ثقافي في مسار توجه البشر إلى ثقافة واحدة وحلولواحدة ومشروع واحد في دولة واحدة.
الشيخ مثيم السلمان / صحيفة صدى المهدي (عليه السلام) العدد٣٧