الحكمة – متابعة: على يد العاملين في شبكة “التلغراف”؛ تأسست بلدة، أليس سبرينغز، (ينابيع أليس) سنة 1871.
لم يكن هنالك أي شيء قبل ذلك سوى بيوت قليلة. كان العمال قد وصلوا إلى نهر “تود”، عندما كانوا يمدون خطوط “التلغراف” بالإقليم الشمالي لأستراليا. وقد ظنَّوا لأوَّل وهلة أنّهم اكتشفوا واحة في قلب الصحراء الحمراء بالمنطقة الحارّة، فاستقروا في المنطقة، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن النهر يجفُّ في أيام السنة أكثر مما يجري فيها. لذا لم تكن المدينة في صورتها الأولى أكثر من بضعة أكواخ حول محطة التلغراف، بالقرب من قاع النهر المترب الجاف.
كسادٌ كبيرٌ عاشت فيه المدينة الناشئة قبل أن يحلّ عام 1887 ويُكتشَف فيها الذهب؛ حيث تسارعت خطوات نمو المدينة ورواجها، لكنها تظل حتى الآن مدينة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثين ألف نسمة.
بعد الذهب ارتبط اسم منطقة “ينابيع أليس” بالإبل، فبالرغم من بُعد المدينة عن الموطن الأصلي للأبل؛ إلا أنَّها تحتضن سنويا سباقاً مشهوداً. بدأت حكاية هذا السباق عام 1970، عندما أعلن رجل أعمال شهير التحدي في خطاب نُشر في صحيفة محلية. كان التحدّي حول سباق لرجلين على الجِمال، هبوطاً إلى القاع الجاف لنهر “تود” الموسمي، ثم الصعود مرة أخرى. تلقف “نادي ليونز” الأمر، وحوّل السباق إلى احتفال سنوي تنفق عوائده على عدة مشروعات خيرية محلية. كما أنَّ السباق تحوّل إلى مهرجان سياحي عالمي يأتي إليه المهتمون من كل أنحاء العالم.
يجري السباق في السبت الثاني من شهر يوليو/ تموز كل عام، ويسبقه مسيرة استعراضية للجمال المتسابقة وراكبيها، إذ يستعيد الراكبون ذكرى تأسيس المدينة، وحكاية جلب الجمال إليها. ثم يجري السباق بين الظهر والرابعة مساء، وتشمل المنافسات عدة مسابقات تستخدم فيها جميع أنواع الإبل والجمال.
نظراً لطبيعة الجمال البرية وعدم استئناسها في تلك المناطق منذ ولادتها، كما ارتياحها في المنطقة العربية، يكشف السباق عن معاناة رُكّاب الجمال في السيطرة عليها، حيث تتعدد حالات عناد الجمال أثناء بداية السباق وعدم مشاركتها، أو الجلوس على الأرض (البرك)، ورفض الوقوف والبدء في السباق، وهذه الأشياء كلّها تضع الراكب في حرجٍ وتثيرُ ضحك الجمهور.
يُذكر أنّه يجوب أستراليا أكثر من 200 ألف جمل بري، وقد كان لها قيمة كبيرة في الماضي، فلم تكن توجد وسيلة انتقال أفضل من الجمال هناك.
وكان أول جمل نقله البريطانيون للمنطقة عن طريق السفن إلى أستراليا عام 1840. فأنشئت مزارع لتربيتها وتكاثرت المزارع بحلول عام 1860 بصورة كبيرة، وكانت المنطقة قد استعمرت وقتها من البريطانيين الذين جلبوا الجمال والمهاجرين من باكستان وكانت تسمى حينها “الهند البريطانية”.
ونظراً لأن خطوط السكك الحديدية لم تنشأ إلا عام 1929؛ فقد كانت الجمال هي الخيار الأمثل للانتقال عبر الصحراء الجافة الحمراء. وهذا أمر يشبه كثيراً دور الجمال في المنطقة العربيَّة، حيث كان الجمل يسمّى في صحراء شبه الجزيرة العربيّة بـ “سفينة الصحراء”، وهي وسيلة النقل الأولى، بسبب متانة وتحمّلها للعطش وظروف الطقس القاسية. كما أنَّ الأدب والثقافة العربيَّة تزخر بالنصوص الأدبيّة التي تتحدّث عن الجمال.
بعد إنشاء خطوط السكك الحديدية، تمركز مربّو الجمال في، أليس سبرينجز؛ فأنشئت بها المزارع. ثم بعد دخول وسائل المواصلات الحديثة، سقطت الجمال من دائرة الاهتمام، فتم إطلاقها في البرية حيث تجوب قلب الداخل الأسترالي بمئات الآلاف حرة طليقة.