بالصور .. لاجئون صائمون ببرلين: أحنُّ إلى خبزِ أمّي.. ولمّة أهلي
برلين – ألمانيا – متابعة الحكمة: يحلّ أول شهر رمضان على الكثير من اللاجئين وهم يعيشون في مآوي اللجوء المؤقتة. فكيف يعيش هؤلاء أجواء رمضان؟ وما هي مشكلاتهم وما هي أجواء التسامح؟ DWعربية زارت أحد مراكز اللجوء في برلين للاطلاع على الوضع عن كثب.
تشير الساعة الالكترونية، المعلقة في وسط الصالة الرياضية، إلى التاسعة مساءً. باقي من الزمن نصف ساعة وتنتهي الجولة الأولى. ليست الجولة هنا منازلة رياضية بين فريقين في هذه الصالة الرياضية، بل صوم اليوم الأول من رمضان. والصالة الرياضية لم تعد أرض ملعب، بل أرض لاجئين. في ركن قصي من أركان الصالة، تنسدل بقايا أشعة شمس تودع يومها، يهمّ أحدهم بالصلاة. وعلى أحد الأسرة، المصفوفة بجانب بعضها كالبنيان المرصوص والمغطى بعضها بشراشف- في محاولة يائسة لاصطناع جو من الخصوصية- يجلس آخر ويتلو القرآن. وآخر، على سرير مجاور، يدرس اللغة الألمانية، وجاره يغط في نوم عميق، بينما جاره يستلقي على السرير وينظر تارة في سقف الصالة وتارة أخرى في الساعة. يبدو أنه يفكر في شيء ما أو ينتظر شيئاً ما. أو أن الوقت بالنسبة له يسير ببطء شديد. لا نعرف!
أمام الصالة الرياضية يتجمهر ثلة من اللاجئين والقائمين على إدارة المأوى. يدور الحديث حول تأخر موعد البت بطلبات اللجوء، ونهار رمضان الطويل وأحاديث كيفما اتفق. ليس بعيداً عن باب الصالة وعن حاويات القمامة، تطهو سيدة وبعض الشباب طعاماً على موقد غاز صغير محمول؛ فطهو الطعام ممنوع داخل الصالة. مع اقتراب الساعة من التاسعة والنصف يدخل المتجمهرون وغيرهم من الصائمين إلى قاعة الطعام.
وزع القائمون على المأوى ومن يساعدهم من اللاجئين وجبة طعام الإفطار. الوجبة عبارة عن رغيف خبز وموزة ورز وقطع لحم صدر دجاج. علت أصوات الكثير من اللاجئين الصائمين بالشكوى من عدم نضج الرز. تذوقنا حبة منه، فوجدناه فعلا كذلك. توقف البعض عن الأكل ورمى محتويات الطعام في سلة الزبالة. “قبل رمضان لم نكن نشبع، فهل سنشبع في رمضان!” يقول أبو محمد من العراق، مشيراً، إلى “رداءة الأكل ورداءة طعمه”. وأضاف: “أبلغنا المسؤولين في LAGeSo (وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية في ولاية برلين، وهي الجهة المسؤولة عن ملف اللاجئين) شكوانا، ولكن لا حياة لمن تنادي”. يوافقه الرأي محمود عبد الرزاق وزوجته هلالة الرفاعي، إذ تقول الزوجة: “جلبوا الطعام من الخامسة مساء، سكبوا منه لغير الصائمين وتركوا الباقي للصائمين. الأكل سيء جداً”. وهنا قطع الحديث شاب، عرّف عن نفسه بأنه رواد المرعي، مسيحي من حمص السورية، قائلاً: “أغنانا الله وأرجعنا لبلادنا”. طلبنا منه التوضيح، فأجاب: “شهادتي مجروحة، لأنني لا أعاني معاناتهم كوني لست بصائم. قبل رمضان كنا صياماً؛ ندخل المطبخ فنجد طعاماً لا يؤكل فنخرج دون أن نأكل. كان الله في عون الصائمين”.
لكن بعض اللاجئين يرى أن الطعام، الذي يقدمه المأوى، ليس سيئا، ومنهم صلاح حسن من إريتريا. وعلق مهندس سوري يبلغ من العمر 28 عاماً، فضل عدم ذكر اسمه، على سحور اليوم الأول: ” كان السحور جيداً، وكان عبارة عن لبن وجبنة ومرتديلا وسلطة خضار وسلطة فواكه”. وقال شاب من الموصل، يحمل بكالوريوس في الإدارة والاقتصاد: “بشكل عام يُقدم اللحم يومياً، ولكنه غير مطبوخ بشكل جيد. حبذا لو يطبخ لنا طباخ عربي وليس ألمانياً”.
افتقاد لمّة الأهل وأكلات رمضان
أجمع كل من قابلناهم على البون الشاسع بين أجواء رمضان هنا وما اعتادوا عليه في بلدانهم وكأن لسان حالهم يقول، كما قال الشاعر محمود درويش، أحنُّ إلى خبزِ أمّي، وقهوةِ أمّي، ولمسةِ أمّي،”. محمد من حلب:” الاختلافات كثيرة وأهمها لمّة الأهل ونكهة الطعام ونهار رمضان الطويل”. غير أنه عاد وعقب قائلاً: “شاركت مع أختي بتقديم السحور. عشنا أجواء وكأننا وبقية الصائمين عائلة واحدة”. وذهب المهندس السوري نفس المذهب وقال: “أتمنى لو يتوافر هنا ما يسمى في سوريا بـ “الناعم”(خبز رمضان) وأن يكون إفطار اليوم “شاكرية”، كما هي العادة في أول يوم رمضان في دمشق”. وافتقد الشاب من الموصل “الأكلات الموصلية كشوربة العدس وشربت الزبيب والكباب”. توجهنا بالسؤال للاجئين عما إذا كانوا تسوقوا بعض مأكولات وحاجيات رمضان من المحال العربية كالتمر وعرق السوس على سبيل المثال، أجابوا بالنفي، معللين ذلك بـ”ضيق ذات اليد وقلة المعونة الشهرية، التي تبلغ كمعدل وسطي 135 يورو شهرياً”.
الإفطار بالمساجد هو الحل؟
تقدم الكثير من مساجد العاصمة برلين موائد الرحمن للصائمين. قالت لنا أورليكا روسلنغ، المترجمة من وإلى العربية، أنهم اتصلوا بأحد المساجد للسؤال عن إمكانية استقبال من يرغب بالإفطار، وكان جواب إدارة المسجد أنه “لا متسع لديهم وأنهم لا يستطيعوا استقبال عدد كبير من اللاجئين”. الشاب من الموصل قرر أن” يرى كيف سيكون عليه حال فطور اليوم الأول. وإن لم يعجبنا، سنذهب اعتباراً من الغد للمسجد للإفطار ولصلاة التراويح”. بيد أن البعض رأى أن هذا الحل غير ممكن عملياً بسبب “بعد أقرب مسجد عليهم مسافة كبيرة والخوف من عدم اللحاق بالمواصلات العامة في الليل”.
أثار عدد من الصائمين نقطة مشاركة غير الصائمين لهم في سحور اليوم الأول، فطلب عمار دانيال من غير الصائمين ” ألا يأخذوا حصة الصائمين من الطعام بمشاركتهم في السحور والفطور”. يتناول غير الصائمين مخصصاتهم كالمعتاد في ثلاث وجبات: فطور صباحي وغداء وعشاء.
استعدادات الإدارة وخطط لخفض مخصصات الإطعام
تحدثنا مع إدارة المأوى عما اتخذوه من إجراءات للحيلولة دون وقوع أي إشكاليات وللاستعداد لرمضان. قال مدير المأوى، إيفو كودالي: “عدلنا خطة العمل اليومية بحيث يتواجد موظفان اثنان في نوبة الليل، وليس واحداً فقط، كما كان الحال قبل رمضان، وذلك حرصاً منا على أن تسير الأمور على ما يرام وبهدوء وخاصة في وقت السحور. وقد سارت الأمور، بالفعل، في سحور اليوم الأول على ما يرام. كما تم الاتفاق مع اللاجئين على أن يقوموا بتوزيع الطعام في السحور وغسل الصحون والمساعدة كذلك في تقديم الفطور. وقد تفهموا أنه لا يوجد لدينا عدد كاف من الموظفين. وكذلك طلبنا من اللاجئين غير الصائمين مراعاة الصائمين وأيضا من الصائمين مراعاة غير الصائمين”. وفي نفس المضمار خصنا السيد هولغر هورنغكلي، المدير التنفيذي لفرع الصليب الأحمر في جنوب غرب برلين وهذا الفرع هو المسؤول عن المأوى: “عقد فريق العمل اجتماعات للتحضير لاستقبال رمضان ودخلنا في نقاش مع اللاجئين حول رمضان. وننبه اللاجئين بشكل مستمر إلى ضرورة التحلي بالتسامح الديني”.
مع قدوم رمضان برزت صعوبات فيما يتعلق بصرف المخصصات لإطعام اللاجئين من قبل “وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية في ولاية برلين”. وعن ذلك قال هورنغكلي: “بدلاً من تعويضنا عن الجهد الإضافي المبذول، من رفع عدد العاملين وغيره، هناك خطط لخفض بدل وجبات الطعام للصائمين. حتّى الآن يبلغ قيمة المخصص لكل لاجئ عشرة يوروهات يومياً” فقط.
DW