البحر الميت يجف ويسجل مستوى جديدا كأعمق نقطة فى العالم على اليابسة
418
شارك
الحكمة – متابعة: يشهد البحر الميت، البحيرة المالحة التي تقع في أعمق نقطة فى العالم على اليابسة، انكماشا تدريجيا بفعل حرارة الشمس في منطقة الشرق الأوسط. وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون على شواطئه، فإن هذه تمثل أزمة تتحرك ببطء، لكن العثور على كميات إضافية من المياه لبقاء هذا البحر سيمثل تحديا هائلا.
إذا كان هناك شيء واحد يعرفه الجميع عن البحر الميت، فإنه سيكون عدم القدرة على الغوص فيه.
وهذا يرجع إلى أن نسبة الملوحة فيه أكثر ثماني أو تسع مرات من محيطات العالم، وهو كثيف للغاية وغني بالمعادن لدرجة أنه لا يبدو وكأنه مياه طبيعية، ولكن يبدو كأنه زيت زيتون ممزوج بالرمال.
على مدى عقود لا يكتمل قضاء أي عطلة في الأرض المقدسة أو في الأردن بدون التقاط صورة لأحد المستجمين وهو يجلس عموديا على سطح المياه، في الغالب وهو يقرأ صحيفة للتأكيد على الخصائص الاستثنائية لمياه هذا البحر.
لكن البحر الميت يمثل أيضا نظاما بيئيا فريدا ومعيارا حساسا لحالة البيئة في جزء من العالم يجتمع فيه المناخ الجاف والحاجة لري المزارع معا لخلق أزمة دائمة من نقص المياه.
ربما قرأت خبرا يقول إن البحر الميت يموت، ويمكنك أن ترى لماذا تروق هذه الفكرة لكتاب المقالات الرئيسية، لكنها ليست صحيحة تماما.
مع انخفاض مستويات المياه، فإن كثافة المياه والملوحة ترتفع، وستصل في نهاية المطاف إلى نقطة يصل فيها معدل التبخر إلى نوع من التوازن، ولذا فإنه قد ينكمش بشدة، لكنه لن يزول بالكامل.
لكنه ينكمش بمعدل مخيف، إذ أن مستوى السطح يتراجع بأكثر من متر سنويا.
حينما تضع في الحسبان أن مستوى سطح البحر الميت هو أعمق نقطة على وجه الأرض، إذ أنه يصل إلى 420 مترا تحت مستوى البحر، فإن هذا يعني أن أعمق نقطة للأرض يتغير مستواها بشكل سنوي.
وهذا البحر عميق بشكل كاف لدرجة أن القيام برحلة على طول الطريق المؤدي إلى الشاطئ يجعلك تحس بضغط في أذنيك بالضبط كما هو الحال حينما تشعر أثناء هبوط الطائرة.
تتمتع المناظر الطبيعة للبحر الميت بجمال استثنائي، ويمكن أن تشبه أعماقه منطقة “غراند كانيون” بالولايات المتحدة وبحيرة “ليك كومو” في إيطاليا. وقد أدرك الناس قديما أن هناك شيئا مميزا في هذا المكان، حتى وإن لم يكونوا متأكدين ما هو هذا الشيء بالضبط.
وتشير الرواية التاريخية إلى أن كليوباترا استخدمت منتجات من هذه المنطقة كجزء من نظامها للتجميل، والذي يشمل حسبما يقال حليب الحمير ومستخلص اللوز، لكن في واقع الأمر فإن مثل هذه الروايات رائجة ومتكررة بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط فقط ولذا تبدو قليلة الأهمية.
ومن الممكن أيضا أن الملك هيرودس، الذي كان له قصر شتوي بالقرب من موقع البحر الميت، جاء إلى هنا للاستشفاء، رغم أن سمعته التاريخية الملطخة على ما يبدو تقلل من قيمته كعنوان للجمال في العالم القديم.
الأمر المؤكد هو أنه حينما احتل الرومان الشرق الأوسط فرضوا سيطرة عسكرية صارمة على الطرق الواقعة حول البحر المتوسط لأنه كان مصدرا خصبا للملح، وهي السلعة التي كانت قيمة للغاية لدرجة أنها استخدمت كنوع من العملة.
وتبدو الفوائد الصحية للبحر الميت حقيقية بشكل كاف، إذ أن الضغط الجوي الكثيف الموجود على مسافة كبيرة تحت مستوى البحر تخلق ظروفا جوية مفيدة لمرضى الربو، وأنا أعاني من هذه المشكلة وقد لاحظت قدرا من الاختلاف.
ويشعر الأشخاص الذين يعانون من مرض الصدفية الجلدي المؤلم براحة في هذا المكان بفضل المزيج من المياه الغنية بالمعادن والطين المستخدم في الاستشفاء الموضعي وأشعة الشمس الشديدة. وفي بعض البلدان تدفع هيئات الصحة والجمعيات الخيرية إعانة مادية للأشخاص الذين يعانون من هذا المرض للذهاب في رحلات علاجية.
ولذا وحتى بالرغم من انكماش البحر الميت وتغيره، فإنه لا يزال يتمتع بقيمة اقتصادية. ويمكن للسائحين أن يختاروا زيارة المنتجعات، وهي تصدر منتجات تجميل مصنعة في هذه المنطقة.
وجزء من الشريط الساحلي يوجد في الضفة الغربية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولذا فإن الفلسطينيين سيحصدون مستقبلا الفوائد الاقتصادية للخصائص الفريدة للبحر الميت.
لكن لا يوجد شك في أن تراجع مستوى المياه كان ملفتا.
خلال الحرب العالمية الأولى، نقش مهندسون بريطانيون الأحرف الأولى من أسمائهم على صخرة ليحددوا مستوى المياه، وبعد مرور قرن من الزمن، ارتفعت هذه العلامات لتظهر على صخرة جافة تماما.
وللوصول إلى المستوى الحالي لسطح المياه، يجب عليك أن تنزل للأسفل عبر الصخور وتمر بطريق رئيسي مزدحم وتسلك الطريق عبر غابة من نباتات المستنقعات وتمر عبر سهل ممتد من الطين، ويصل طول كل هذه المسافة إلى كيلومترين.
وعلى امتداد بضعة كيلومترات على طول الساحل وفي منتجع “عين جدي” الساحلي، تسبب انحسار المياه في مشكلة كبيرة.
وحينما شُيد المبنى الرئيسي قبل وقت قليل من نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، كانت الأمواج ترتطم بالحوائط برفق. وكان هذا المبنى يضم مطعما ومرفقا للاستحمام ومتجرا للهدايا التذكارية.
لكن المنتجع اضطر الآن إلى شراء قطار جرار خاص لنقل السائحين إلى حافة المياه (وهي رحلة تصل مسافتها إلى كيلومترين آخرين).
بالنسبة لنير فانغر، الذي يدير الأنشطة السياحية في واحة “عين جدي”، فإن هذا المعدل لتغير منسوب مياه البحر الميت هو أمر مثير للانزعاج.
وقال إن “البحر الميت كان بالضبط هنا حينما كان عمري 18 عاما، ولذا فإننا لا نتحدث عن نحو 500 أو ألف سنة مضت. كان البحر الميت هنا (في هذا الموقع) وأصبح على بعد كيلومترين اثنين، وبسبب استخدام القاطرة والبنزين والموظفين فإن ذلك يكلفنا 500 ألف دولار سنويا لتعقب البحر.”
وأضاف: “كبرت هنا في البحر الميت، حياتي كلها هنا، ولسوء الطالع فإنه خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت الحياة حزينة لأنك ترى المنظر العام للمكان الذي تعيش فيه يتلاشى، وتعلم أن ما ستتركه لأبنائك وأحفادك لن يكون الأشياء التي نشأت عليها.”
وتابع: “حينما شيدنا منزلا جديدا سألتني زوجتي إن أردت رؤية البحر، وقلت لها ينبغي أن نشيده بطريقة تتيح رؤية منظر الجبال لأنها تبقى صامدة مكانها والبحر يتحرك باستمرار.”
ولذا فإنه من الصعب فهم لغز البحر الميت بتركيبته الفريدة والمناخ المحلي القاسي والجبال الشاهقة، وهو المنظر الطبيعي الذي سيظل شاهدا على هيرودس وكليوباترا، وأضف إلى ذلك الفندق الأسمنتي العجيب متعدد الطوابق.
ولكن بالنسبة لعالم الجيولوجيا، فإن البحر الميت هو البحيرة النهائية لنهر الأردن، أي النقطة النهائية له. يتدفق النهر عند أحد الأطراف، لكن المياه لا تتدفق إلى الخارج في الطرف الآخر، بل إنها تتجمع هناك وتتبخر.
وعلى الرغم من أن القول إن البحر الميت يموت فيه شيء من المبالغة، فإن ذلك هو وصف معقول للنهر الذي يتغذى عليه.
صحيح أنه في موسم الأمطار القصير تكون هناك سيول تجلب المياه في أنحاء الأودية، أو الخلجان الصغيرة الحجرية. ولكن هذه تعاني من نقص المياه معظم فترات السنة، والنهر نفسه يسيل في مجرى هزيل.
هناك أماكن في الضفة الغربية المحتلة يمكنك في موسم الجفاف أن تقف عليها بقدميك تقريبا.
كان الأردن سابقا واحدا من الممرات المائية الكبرى في العالم القديم، حيث جرى تعميد المسيح وفقا لرواية الإنجيل، وحتى في العصر الحديث نسبيا كان الأردن نهرا متلاطما عرضة للفيضانات في الشتاء الممطر.
في عام 1847، أرسلت الحكومة الأمريكية رحلة بحرية لاستكشاف الأردن لأسباب يبدو أنها كانت دينية بقدر ما كانت لأغراض علمية وملاحية.
وكان يرأس هذه الرحلة الاستكشافية ضابط شجاع يدعي ويليام اف لينش، والذي يستحق أن يذكر اسمه في تاريخ المنطقة، إذ يكفي أنه ربما قد يكون أول شخص يحدد أن البحر الميت يقع تحت مستوى سطح البحر.
وصف لينش لمغامراته هو أمر ممتع، حتى وإن كان هذا الرجل قد وصف السكان الأصليين في المنطقة بطريقة تثير حساسيات في القرن الـ21.
الأمر المثير للاهتمام هو وصف لينش للنهر نفسه، حيث يجد عند نقطة ما سلسلة من الشلالات العالية التي يصل ارتفاعها إلى خمسة أمتار تفصلها منحدرات نهرية، حتى إنه كان يخشى أن يفقد واحدا أو أكثر من قوارب البعثة الاستكشافية.
وكتب لينش عن رحلته ليقول: “توقفنا عند أنقاض جسر قديم يشكل الآن حواجز كانت مياه النهر المحملة بالزبد تسير أعلاها بسرعة مثل سيل الجبل. كان اتساع النهر 30 ياردة.”
تبدو الأشياء مذهلة بشكل مختلف في هذه الأيام.
لم تتغير جغرافية المنطقة، بطبيعة الحال. يصب القسم الشمالي من نهر الأردن في بحيرة طبريا، ثم يتدفق القسم الجنوبي من النهر ناحية الجنوب من بحيرة طبريا وباتجاه البحر الميت.
ولكن كميات المياه المتدفقة إلى داخل وخارج هذا النظام قد تغيرت بشكل مذهل في العقود الأخيرة، وكل ذلك في إطار القضايا السياسية المعقدة المتعلقة بالمياه في منطقة الشرق الأوسط.
يوجد لدى إسرائيل سد على الجزء الجنوبي من بحيرة طبريا وهو ما يعطيها السيطرة على كمية المياه التي تصب في الأردن، إذ أنها تعتبر بحيرة طبريا موردا استراتيجيا حيويا، حتى على الرغم من أنها تزيد باستمرار من كمية المياه العذبة من خلال محطات تحلية المياه في البحر الأبيض المتوسط.
بدأت الحكومة الإسرائيلية سحب المياه من نظام وادي الأردن في الخمسينيات من القرن الماضي، قبل عقد من إنجاز السد.
ويسبب هذا مشاكل للمزارعين في كل من الأردن والأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وجميعهم بحاجة إلى المياه لري مزارعهم وتوفير الغذاء لأسرهم.
ويتم تغذية نهر الأردن من نهر اليرموك، الذي يمر عبر سوريا. وعلى مدى السنوات الـ30 الماضية أو نحو ذلك، بنى السوريون أكثر من 40 سدا للاستفادة من المياه في اليرموك.
وبالطبع بنت المملكة الأردنية السدود لأغراض خاصة بها أيضا.
وعلى نطاق أوسع من ذلك، فإن وادي الأردن ليس المكان الوحيد في الشرق الأوسط، حيث تسبب تشييد السدود في نزاع استراتيجي.
عندما بنت تركيا سد أتاتورك على نهر الفرات في التسعينيات من القرن الماضي، اشتكى العراق وسوريا من أن هذا المشروع الكبير سيقلل من تدفق المياه لكل منهما.
وخلاصة القول هو أن عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط يزيد، ويتزايد معه الطلب على المياه، وفي منطقة يكون فيها من المستحيل تقريبا التوصل لاتفاقيات سياسية واسعة ومتعددة الأطراف، فإنه من الصعب أن نتخيل التوصل لاتفاقية لإدارة المياه بصورة أكثر عدالة، وأكثر حكمة وأقل تنافسية.
وهناك عوامل أخرى تؤثر على مستوى البحر الميت، من بينها أن كلا من إسرائيل والأردن يستخدمان أحواضا ضخمة للتبخر لاستخراج الفوسفات الثمين من المياه لكي يُصدر كسماد، لكن هذا التراجع اللافت للنظر في نهر الأردن هو الذي يفسر بشكل كبير لماذا البحر الميت يعاني من أزمة.
وعلى الشاطئ الأردني من البحر، توجد مجموعة صغيرة من العائلات التي تزرع الطماطم والموز والبطيخ في الحقول الخصبة بفضل إمدادات المياه الجوفية من المياه العذبة، والتي تسيل من الجبال المحيطة بها.
سالم الحوامل هو أحد هؤلاء المزارعين، وهو مثل نير فانغر يشعر بأن جذوره في هذه الأرض.
ويقول الحوامل بينما كانت مجموعة من شباب القرية تحصد البطيخ مع غروب الشمس أول المساء في أجواء باردة: “لن نغادر (هذه الأرض). وحتى لو انتفض البحر الميت ودفعنا إلى المجرى، سنظل هنا دائما”.
تلك المجاري هي العدو المشترك للقرى والنشاط التجاري على حد سواء في السواحل.
وتتشكل هذه المجاري حينما تسقط كميات الملح تحت الأرض، والتي يخلفها البحر بعد انحساره، في تشققات ضخمة أو تذوب عندما يتسرب الماء العذب إلى تحت الأرض ويؤدي لتشقق الأرض أعلاه.
بعض هذه الحفر تكون ضخمة، ربما اتساعها 100 متر وعمقها 50 مترا، وتبدو في بعض الأماكن كما لو أن المنطقة ضربها زلزال قوي يحدث على مدى عقود عديدة.
وأظهر لي مزارعون أردنيون الموقع المدمر لمصنع ملح قديم سقط في إحدى الحفر.
وفي جزء من الشاطئ يقع ضمن الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، جرى إغلاق منتجع لأن جزءا منه ابتلعته حفرة أخرى.
وبصورة إجمالية هناك الآن أكثر من 5500 من هذه الثقوب حول الشاطئ، والتي لم تكن موجودة مطلقا قبل 40 عاما.
هذا هو في المكان الذي يشهد نشاطا جيولوجيا يحدث في الوقت الحقيقي، إذ أنه حينما تنحسر مياه البحر، تتصدع القشرة الملحية أسفل قدميك وتتفتت بشدة وكأنك تمشي على ألواح من الزجاج المتصدع.
ليس من الصعب تشخيص المشاكل التي يعانيها البحر الميت، إذ أنه في كل الأحول ظل يتقلص لمدة 100 سنة على الأقل، منذ أن ترك هؤلاء المهندسون البريطانيون بصمتهم على الصخرة.
لكن اتخاذ قرار بشأن إذا كان من الضروري القيام بأي شيء بشأن منسوب المياه وما هو طبيعة هذا الإجراء يمثل قضية علمية وسياسية كبيرة أكثر تعقيدا. يشير علماء الجيولوجيا إلى أن منسوب المياه في الماضي على الأرجح كان أعلى وأقل مما هو عليه الآن.
والسؤال هو ماهي التكاليف والفوائد المترتبة على أي محاولة “لإنقاذ” البحر الميت، سواء أكان ذلك إبطاء معدل الانخفاض أو فعل شيء أكثر طموحا بكثير والبدء في رفع مستوى المياه مرة أخرى.
إذا جرى استعادة تدفق المياه من نهر الأردن، بطبيعة الحال، فإنه سيكون من المستحيل أن نتوقع أن المجتمعات الزراعية الفلسطينية والأردنية التي لديها حاجة ماسة للمياه على كلا الضفتين سيقفون مكتوفي الأيدي ببساطة ويسمحون بتدفق المياه بالقرب منهم في مصلحة العلم.
ولكن هذا، بطبيعة الحال، مبرر لفعل شيء ما.
يقول سالم عبد الرحمن، وهو ناشط أردني يعمل لدى منظمة “ايكو بيس الشرق الأوسط” لحماية البيئة :”إننا لا نتحدث عن إنقاذ البحر الميت لأنه جميل أو غير جميل. نحن نعتقد أن البحر الميت هو عرض من أعراض المرض في إدارة الموارد المائية. إنقاذ البحر الميت سيكون مؤشرا جيدا على أننا ابتعدنا عن المرض باتجاه بيئة صحية”.
إذا لم يصبح ممكنا استعادة مياه نهر الأردن، فإن الخطة الأكثر ترجيحا لتنشيط البحر الميت تشمل بناء خط أنابيب ضخم من شأنه أن ينقل المياه عبر الصحراء من البحر الأحمر، في أقصى الجنوب.
أثيرت أفكار مماثلة منذ فترة طويلة، وفكر مهندسون بريطانيون في السابق في بناء قنوات لربط البحر الأبيض المتوسط ب البحر الأحمر عبر البحر الميت.
وكان ذلك من الممكن أن يوفر بديلا لقناة السويس تحت السيطرة البريطانية، ولكن ثبت أن ذلك غير عملي بسبب عمق البحر الميت تحت مستوى سطح البحر.
حتى بالمعايير الهندسية الحديثة، فإن مشروع الربط بين البحر الأحمر والميت ينطوي على بعض التحديات التقنية الهائلة.
تتمثل هذه التحديات في أنه سيكون من الضروري تحلية المياه أولا عند البحر الأحمر (المياه المالحة ستلوث التركيبة الكيميائية الفريدة للبحر الميت)، وبعد ذلك سيكون ضروريا ضخ المياه على ارتفاع كبير وإدخالها في أنابيب ضخمة لنقل المياه عبر الصحراء إلى وجهتها.
ستعود المياه العذبة الإضافية بالنفع، ولذا فإن البنك الدولي مهتم بهذا المشروع ومن المرجح أن توفر الولايات المتحدة على الأقل بعضا من رأس المال المطلوب لإنشائه.
لكن الصعوبات الفنية والمالية والسياسية تحول دون ذلك، ومن غير المرجح بناء خط الأنابيب في وقت قريب، أو إذا كان سيشيد من الأساس.
من الممكن بكل تأكيد أن تجد دول الشرق الأوسط مثل هذا التعاون أمرا مستحيلا، إذ أن الاتفاقات متعددة الأطراف في هذا الجزء من العالم نادرة.
وفي هذه الحالة، سيستمر البحر الميت في الانكماش بنفس المعدل الحالي لسنوات قادمة، لكنه لن يموت.
وفقا لعلم الملوحة والتشبع، فإن البحر الميت سيصل في النهاية إلى نقطة التوازن حيث سيتوقف عن الانكماش. بعبارات بسيطة، فإن كمية المياه في المزيج المالح من البحر وكمية الرطوبة المتبخرة في الهواء أعلاه ستصل إلى نوع من التوازن.
والبحر الميت لديه حيلة أخرى في جعبته أيضا، إذ أنه معرض لمستوى معين من التبخر على سبيل المثال لكنه تبخر استرطابي، مما يعني أن البحر قادر على امتصاص المياه من الجو من حوله. يبدو الأمر تقريبا كما لو أن هذا الكنز الطبيعي المهدد بالاندثار لديه نوع من صمام الأمان الداخلي.
رواد الشواطئ الباحثون عن الاستمتاع بالشمس في الأردن وإسرائيل على حد سواء ربما يجب أن يشعروا بالهدوء إلى حد كبير قبل أن نصل إلى هذه النقطة، ولكن البحر سيصل إلى الحد الأدنى يوما ما.
لذلك فإن هذه ليست في نهاية المطاف قصة تروي كيف سيفنى البحر الميت، لكنها قصة مشجعة حول كيف يمكن للطبيعة في منطقة لم يعتن الإنسان بها دائما بمواردها الطبيعية أن تجد في بعض الأحيان وسيلة لحماية نفسها بنفسها.