كيف وهبت دماء شهداء تفجير مسجد الإمام الصادق (ع) بالكويت الحياة لقرية هندية؟
الحكمة – متابعة: في حي الرميثية القريب من مدينة الكويت يحمل حسن هشام الفايلي (12 سنة) عصا جده التي كان يتوكأ عليها.
وكانت العصا بحوزة جده حين استشهد في تفجير مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) الذي يؤمه المسلمون الشيعة.
وفي خزانة زجاجية، تقبع نظارة الجد وحافظة نقوده وبعض متعلقاته التي كانت معه في ذلك اليوم المشؤوم، وذلك في محاولة للحفاظ على ذكرى الأب والجد المحبوب.
على الحائط، عُلّقت لوحة تحمل أسماء 26 شهيدا شيعيا هم ضحايا الهجوم الذي نفذه التنظيم المعروف باسم “داعش” في 26 يونيو/ حزيران 2015، الذي تزامن مع شهر رمضان.
وبين هؤلاء اسم سيد رضوان، والذي كان مواطنا يحمل الجنسية الهندية، ويعمل حارسا للمسجد.
استجابة فورية
هشام الفايلي كان ضمن الموجودين في المسجد حين وقع التفجير الذي أودى بحياة والده.
في نفس الوقت، فقد أحد أصدقائه المقربين، ويُدعى داوود الناصر، أربعة من أبناء عمومته في الهجوم.
وعقب الحادث المدمر، الذي من النادر وقوع مثله في المنطقة، وضعت أرملة رضوان تنجيم فاطمة مولودا في قريته الواقعة في حي سلطانبور بشمال الهند.
وجاء ميلاد الطفل في الأيام العشرة الأواخر من شهر رمضان.
وقرر هشام الفايلي وصديقه داوود الناصر، وهما موظفان حكوميان في الكويت، جمع أموال من الأقارب والأصدقاء لتقديمها هدية للمولود الجديد بمناسبة عيد الفطر.
وحين بعثا رسالة في الساعات الأولى من الصباح عبر تطبيق “واتساب” للدعوة إلى التبرع، جاءت الاستجابة فورية. وبحلول اليوم التالي، زادت الاستجابة بدرجة كبيرة.
ويتذكر الفايلي ما حدث، قائلا “لم نكن نتوقع هذا السخاء. تلقينا مكالمات ورسائل كثيرة لدرجة أنني اضطررت للوقوف بجوار سيارتي في الطريق من الظهيرة وحتى حلول الليل لمقابلة راغبي التبرع واستلام الأموال منهم، فيما توجّه داوود إلى منازل من لم يستطيعوا المجيء”.
الأجانب “يفتقرون إلى الدعم”
وحدث هذا أثناء ساعات الصيام في قيظ شهر يوليو/ تموز، حيث تصل درجات الحرارة خلال النهار عادة إلى 40 درجة مئوية.
وبعد فترة وجيزة، كان من الواضح أن الأموال التي جُمعت أكثر بكثير مما يمكن منحه كهدية للمولود. ومن ثمّ سعى الفايلي والناصر إلى منح الضحايا الأجانب وأسرهم حصة من التبرعات.
وقال الناصر لبي بي سي “الحكومة بذلت الكثير لأسر الشهداء وصرفت تعويضات لكل منهم، لكن الوضع كان مختلفا بالنسبة للأجانب”.
وأوضح أن رحيل هؤلاء الأجانب عن بلادهم لكسب الرزق يعني أنهم لا يحظون بنفس شبكة الدعم من الأسرة والأصدقاء التي يتمتع بها الكويتيون.
ومع استمرار تدفق التبرعات من أنحاء الكويت ومن الخارج، قام الفايلي والناصر بزيارة تنجيم فاطمة في قريتها واليبور في الهند في ديسمبر/ كانون الأول 2015 لدفع تكلفة بناء منزل على قطعة أرض كان يملكها رضوان ولشراء مساحة أخرى من الأرض للأرملة وابنها.
لكنهما اكتشفا أنهما لم يكونا مستعدين لرؤية ما شاهدوه في القرية الهندية الفقيرة.
وقال الناصر “كانت هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها هذا المستوى من الفقر، حيث لا توجد منشآت للصرف الصحي، كما أن الكثيرين لا يستطيعون الحصول على مياه نظيفة”.
مبادرة خيرية
ولدى عودتهما إلى الكويت، دشن الفايلي والناصر مبادرة لتمويل مشروعات في قرية واليبور وخمس قرى مجاورة لها في الهند. وتشمل المشروعات بناء مدارس، ومنشآت للصرف الصحي، ومضخات مياه، بالإضافة إلى مساعدات مالية للمحتاجين.
وبعد مرور عام على المبادرة، أوشكت أعمال بناء مدرسة على الانتهاء، فيما تمضي قدما أعمال بناء ثلاث مدارس أخرى، واكتمل حفر 15 بئرا على الأقل، بالإضافة إلى بناء 33 دورة مياه.
ورغم هذا، مازال الصديقان يؤكدان أن كل ما فكرا فيه في بداية الأمر هو جمع تبرعات لا تتجاوز 400 دينار كويتي (1300 دولار أمريكي) كهدية لمولود رضوان حارس المسجد الذي استشهد في الهجوم على المسجد.
أما الآن، وقد تمكنا من إحداث فارق، فهما يفكران في الاستمرار وربما بناء مستشفى في المنطقة في المستقبل.
وأعربت أرملة رضوان لبي بي سي عن سعادتها بأن هذه المشروعات تُبنى باسم زوجها.
وقالت “لا استطيع أن اتحدث لغتهم، لكني أريد أن أشكرهم على إحسانهم”.
المصدر: (بي بي سي)
س ف