السيد عباس شبّر شذرات من حياته وسيرته

1٬018

665433222السيد عباس شبّر شذرات من حياته وسيرته

أ.م.د. عادل عباس النصراوي

مركز دراسات الكوفة – جامعة الكوفة

              عُرف عن السيد عباس شبر(1) أنّه شاعرٌ، وقد تعاطى الشعر منذ أيام شبابه، غير أنّه لم يُظهر موهبته الشعرية آنذاك، لأنه كان يدرس الفقه والأصول في النجف،وكان أغلب طلبة العلوم الدينية منصرفين عن قول الشعر أو أنّهم يُحجمون عن نشر نتاجهم الأدبي بين الناس، لكن السيد عباس شبر(رحمه الله تعالى) لم ينتهج هذا النهج لأنه وجد في الشعر ضالته التي توصله بالناس، مع كونه فقيهاً ومرشداً ووكيلاً لعلماء عصره في البصرة، إذ درس على ثلّة من العلماء الأعلام في النجف، وحاز على إعجاب أساتذته لذكائه وفطنته حتى حصل على إجازة في الاجتهاد من كبار العلماء، من نحو السيد أبي الحسن الموسوي، والميرزا محمد حسين النائيني، والشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، وهو لم يبلغ الأربعين من عمره (2).

السيد عباس هو ابن السيد محمد بن السيد جعفر بن عبد الله شُبر الحسيني، وُلد في البصرة (سنة 1321هـ)، ونشأ بها على والده العالم الفاضل المتوفى (سنة 1341هـ)، وتعلّم القراءة والكتابة ومبادئ العلوم، ثم هاجر إلى النجف الأشرف وأكمل دراسته الأدبية والعلمية على مجموعة من الأساتذة العلماء، ثم عاد إلى البصرة بعد وفاة والده، وأسندت إليه مهام إمامة الجماعة والوعظ والإرشاد وفي جامع أسرتهم المعروف في البصرة (جامع آل شبر)، وجعل من داره المتواضعة ندوة علمية أدبية(3)، يتعاطى فيها الشعر ومختلف المسائل العلمية والشرعية، وأخذ بعد ذلك يُراسل مجلة (الراعي) التي أصدرها جعفر الخليلي في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، ويذكر الخليلي أنه تلقّى قصيدة موقَّعة بتوقيع (عباس شبر) وقد كانت من أجود الشعر وأروعه، وأنّ الخليلي كان يجهل شاعرها، برغم الشهرة التي تتمتع بها أسرته العلوية (آل شبر)، وكان الأستاذ إبراهيم الوائلي الأستاذ في جامعة بغداد يومها يعمل في مجلة الراعي، قد عرّفه به (4)، ومن ذلك الحين بدأت مراسلاته إلى المجلة في نشر نتاجه الأدبي فيها، وكذلك في مجلة الاعتدال النجفية التي يصدرها الأستاذ محمد علي البلاغي، وقد نشر له قصائد عدّة، منها قصيدة (الحياة وأحلام الطفولة) التي منها قوله (5):

وردت فلـم أهنــأ بعـلٍ ولا نهـل

وكم وارد بعدي وكم صادر قبلي

وناهيك مطروقاً مدى الدهر آجنا

يفـور ويغـلي في فـم المرء كالمهـل

عليـه جمــوع الـواردين تناحـرت

فـشعـشع محمرّ الغرين دم القتـل

عـذريك مـن ورد يروّيــه أهــله

نجيعاً وما روّي حشـاشة مغـتـلّ

دفعــت إليــه ذاهــلاً متـدلــهاً

فلم أشك إلّا بعد أن ثاب لي عقلي

ونُشر له أيضاً في المجلة ذاتها بعضاً من المزدوجات الشعرية التي منها (6):

حبّ التفوّق في النفوس غريزة

جبـلـت لمـصلحة (بحبّ الـذات)

تهوى الطبيعة أن تراك مسابقـاً

نـحـو الكمـال بدافـعِ الـلـــذات

قالوا الطبيعة لم تكن في حكمها

ضد الضعيف على الضعيف تحيف

فالضعف ذنبٌ والفناء جـزاؤه

إذ ليـس يصلح للبـقاء ضعــيــف

لا تحقرنّ إذا اختـبرت صغيرة

تخفيَ ويـبديـها الحجى والـوقّاد

فالصفر ليس لذاتـه من قيمـةٍ

لكـن بــه تــتـضاعــف الأعــداد

طُبعت هذه الثنائيات وكذلك رباعياته في ديوانه (جواهر وصور) .

  وقد مدحه الأستاذ عبد القادر البراك بقوله: (صاحب الرباعيات النفّاذة والمثنيات الأخّاذة والتواشيح والقصائد الرائعة والآثار القيمة الأخرى التي تسلكه في عداد الأفذاذ الذين جمعوا العلم والفقه والتبحّر في اللغة والشريعة والفلسفة) (7) .

وكان السيد عباس شبر زاهداً في دنياه، عاش في بيتٍ صغير قديم في بنائه، ولو أراد الدنيا لجاءت إليه، لكنه تنسّك واتبع طريق العلماء الروحانيين الذين زهدوا الدنيا وما فيها، وقد قال في ذلك شعراً، منه قوله (8):

عرفــت قــيـمـة الحـياة رجــال

اتـخـذتـها جـسـراً لــدار الخلود

فاسـتـراحت أفــكارها لرجــاء

يعصـم النفس من قنوطِ الجحـودِ

فوّضـت أمـرها إلى بـارئ الأمـر

خــضـوعاً وآمـنــت بوعـــــودِ

ما سـوى الديـن في الحيـاة دليـل

إن تحيّــرت في حـــدودِ الوُجـودِ

فضلاً عن ذلك كان في سيرته كثيرٌ من السماحة والرقة والدماثة، وإن ساوره غضب فهو ابن ساعته ولم يتجاوز حدود وقعته، وربما يحكى غضبه في بيت من الشعر أو كلمة يرسلها في مجلس أو احتجاج برئ، ومن ذلك أنّ الشاعر الكبير نزار قباني ألقى قصيدة في مؤتمر الأدباء ببغداد في ربيع 1969، جاء فيها :

وجراحُ الحسينِ بعضُ جراحي

وبصدري من الأسى كربلاءُ

غضب السيد عباس شبر أن يجد القباني مستهيناً بجراح الإمام الحسين (ع) ، فأنشد ثلاثة أبيات وأعطاها إلى الأستاذ جعفر الخليلي وهو يهمّ بالسفر إلى بيروت وأن يعطيها إلى نزار قباني، أو تنشر في صحيفة ، قال فيها (9):

تعـارض بالجـراح سليـل طـه

وشتــان المـقاصد والدماءُ

جراحك (يا نزار) على الغواني

محبّـسة وتلعــنها الســـماءُ

ولـلإصلاح والـدين المـفدّى

جراحات الحسين وكربلاءُ

وممّا عُرِف عن السيد عباس شبر أنّه كان شديد الإيمان بالله صبوراً على المكاره، وقد فُجع في حياته بأخيه السيد عبد الصاحب ثم بابنه السيد نعيم الدين وهو في عمر ثلاثة وثلاثين عاماً، فما شكا وما جزع وما نقم على القضاء والقدر، بل كان يبكي بحزن مكبوت وحرقة مخفية، وكتب بذلك قصيدة رائعة قد وصفها في رسالة للأستاذ جعفر الخليلي، يقول فيها: (وقد دفعتني سورة المصيبة لرثائه بقصيدة من البحر الطويل بلغت ستين بيتاً لعلها ترتفع بمستواها على رائعة أبي ذؤيب الهذلي، ورائعة ابن الرومي وأبي الحسن التهامي، وستُعدُّ  من محاسن شعري أو أحسنه على الإطلاق) (10). انتدب السيد عباس شبر في حياته إلى القضاء بعدما أحسّت وزارة العدلية بضعف القضاء الشرعي في الحكم، وكان على رأس الوزارة  آنذاك الحاج محمد حسن كبة، وقد دعاه إلى ذلك، لكنّه رفض عرض الوزارة بشيء كبير من الإباء وكلف في إقناعه بذلك الشيخ علي الشرقي، وكان قاضياً في البصرة، لكنه لم يفلح بذلك، غير أن الوزارة التجأت إلى الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء لكي يلزم السيد عباس شبر بالقبول من الوجهة الشرعية وكون الأمر ممّا يستدعيه الشرع والفروض الشرعية.

وقد ضمن بذلك الوزير محمد حسن كبّة ذلك في وجوب القبول، ثم صدر تأييدٌ لذلك من قبل السيد أبي الحسن الموسوي بضرورة وجود قاضٍ متبحّر في الفقه بين القضاة، فقبل السيد عباس شبر ذلك مرغماً. فعمل بالقضاء الشرعي في مدينة البصرة والعمارة والكاظمية وبغداد، وبقي بهذا الموقع حتى مجيء السيد كامل المفتي وزيراً للعدلية حين زار المحكمة الشرعية ببغداد ذات يوم فلم يجد السيد عباس شبر حاضراً بسبب التحضير لسفر ابنه السيد  نعيم الدين إلى لندن لغرض إجراء عملية جراحية له، فأمر بإعفائه من القضاء وإحالته على التقاعد، فاستراح من عنائه الذي أرّقه طوال عمله فيه.

  للسيد عباس شبر عدة مؤلفات، أكثرها دواوين شعر هي :

  • الموشور (ديوان مطبوع).

  • جواهر وصور (ديوان مطبوع).

  • خوالج النفس (ديوان مخطوط).

  • الأنفاس المحترقة (ديوان مخطوط).

  • الملحمة السماوية (شعر مخطوط).

  • الرد على المسيحيين (مخطوط).

توفي في البصرة في عيد الغدير 18 ذي الحجة سنة 1391هـ الموافق ليوم 26/3/1971م، ونقل إلى النجف الأشرف حيث مثواه الأخير، وانطوت بذلك آخر ورقة من سجل حياته المفعمة بالعلم والأدب والصلاح.

الهوامش:

  • مصادر ترجمة السيد عباس شبر هي :أدب الطف للسيد جواد شبر ، و مشهد الإمام للأستاذ محمد علي جعفر التميمي ، ومعجم الشعراء العراقيين المعاصرين للأستاذ جعفر صادق حمودي ، وعصور الأدب العربي للسيد محمد كاظم الكفائي ، والمنتخب من أعلام رجال الفكر والأدب للمرحوم الأستاذ كاظم عبود الفتلاوي ، والتحف من تراجم أعلام وعلماء الكوفة والنجف للمرحوم الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك ، ومجلة البلاغ ، العدد 8 السنة الثالثة .

  • ظ : هكذا عرفتهم / جعفر الخليلي : 4 / 33 .

  • ظ : المنتخب من أعلام الفكر والأدب ، كاظم الفتلاوي : 198 .

  • ظ : هكذا عرفتهم / جعفر الخليلي : 4 / 31 .

  • ظ : مجلة الاعتدال / العدد الأول / لسنة 1938 : 35 .

  • م . ن العدد الأول لسنة 1938 : 24 .

  • ظ : المنتخب من أعلام الفكر والأدب ، كاظم الفتلاوي : 198

  • ظ : هكذا عرفتهم / جعفر الخليلي : 4 /40 .

  • ظ : هكذا عرفتهم / جعفر الخليلي : 4 /60 .

  • ظ : م ن : 4 /45 .

المصدر: مجلة ينابيع – العدد 63

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*