تاريخ ووصف البقيع
البقيع في اللغة
يطلق على مقبرة البقيع كذلك أسم بقيع الغرقد.
فالبقيع هو المكان الّذي فيه أُرُوم (1) الشجر من ضروب شتى ، والغرقد قيل كبار العوسج (2)، وهو جمع عوسجة وهو شجيرات من فصيلة الباذنجانيات أغصانه شائكة وأزهاره مختلفة الألوان(3) .وقيل عن الغرقد: شجر من شجر الغضا وهي بالقصر شجر ذو شوك وخشبة من أصلب الخشب وفي فحمه صلابة (4) في «عمدة الأخبار في مدينة المختار» (5)
إن البقيع: في اللغة المكان، وقالوا: لا يكون بقيعاً إلاّ وفيه شجر، وبقيع الغرقد كان ذا شجر، وذهب الشجر وبقي الاسم، وهو مقبرة بالمدينة الشريفة من شرقها، ويقال لها كفته بفتح أوله وإسكان ثانيه بعدها تاء معجمه باثنين من فوقها: اسم لبقيع الغرقد وهي مقبرة.
وهذا الاسم مشتق من قوله عزّ وجلّ (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا) سميت بذلك لأنها تكفت الموتى أي تحفظهم وتحرزهم.
وذكرها الحموي في (معجم البلدان) (6) فقال: أصل البقيع في اللغة الموضع الّذي فيه أروم الشجر من ضروب شتى و به سمي * بقيع الغرقد ـ والغرقد ـ كبار العوسج . . قال الراجز: * أَلِفْنَ ضالاً ناعماً وغرقداً * . . وقال الخطيم العكلي: أواعس في برث من الأرض طيب وأودية ينبتن سدراً وغرقداً
وقد أطلق لفظ البقيع على عدة أماكن في المدينة وغيرها..منها بقيع الزبير: «بالمدينة فيه دور ومنازل»(7).وبقيع الخيل: بالمدينة أيضاً عند دار زيد بن ثابت (8) وهو “سوق قرب البقيع عرفت ببقيع الخيل، كان بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والغنم والسمن وكان أكثر ما يباع في هذا السوق الحيوانات”(9).. وقال عنه البكري (10): “بقيع الخبجبة، بخاء معجمة وجيم وبائين، كل واحدة منهما معجمة بنقطة واحدة: بالمدينة أيضاً، بناحية بئر أبي أيوب، والخبجبة شجرة كانت تنبت هناك” وسماه البعض (الخبخبة) بخائين.وورد في دائرة المعارف الإسلامية (المعرّبة) عن البقيع تعريف لم أجده في المصادر الأخري: “هو مقبرة المدينة. وهذا الاسم يدل على أرض كانت في الأصل مغطاة بنوع من شجر التوت مرتفع” (11) وقيل عن البقيع أيضاً: انه “قاع ينبت الذّرق” (12)
تاريخ البقيع
كان أهل المدينة المنورة يدفنون موتاهم منذ زمان النبي (صلى الله عليه وآله) في البقيع وأحياناً كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يعلم على قبر المدفون بعلامة. وما أن تم دفن أئمة الهدى (عليهم السلام) فيها حتى بنيت على قبورهم القباب كما كان البناء على قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان في مكة والمدينة وغيرها من البلدان الإسلامية.
قال ابن سيده: وبقيع الغرقد مقابر بالمدينة وربما قيل له الغرقد، قال زهير:
لمن الديار غشيتها بالغرقد كالوحي في حجر المسيل المخلد(13)
وقيل: كان البقيع مقبرة قبل الإسلام، وورد ذكره في مرثية عمرو بن النعمان البياضي لقومه
أين الذين عهدتهم فـي غبـطـة بين العقيق إلى بقيع الغــرقــد
إلا أنه بعد الإسلام خُصِّص لدفن موتى المسلمين فقط، وكان اليهود يدفنون موتاهم في مكان آخر يعرف بـ (حش كوكب) وهو بستان يقع جنوب شرقي البقيع.
أول من دفن في البقيع
في بعض المصادر التاريخية: إن البقيع كان بستانا يحوي أشجارا من العوسج، وأول من دفن فيه من المسلمين هو أسعد بن زرارة الأنصاري وكان من الأنصار.
ثم دفن بعده الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، وهو أول من دفن فيه من المسلمين المهاجرين، وقد شارك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفسه في دفنه.
ثم دفن إلى جانبه إبراهيم بن الرسول (صلى الله عليه وآله) ولذلك رغب المسلمون فيها وقطعوا الأشجار ليستخدموا المكان للدفن.
جاء في كتاب البقيع الغرقد:
ابتدأ الدفن في جنة البقيع منذ زمان النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)، وأحياناً كان الرسول (صلى الله عليه وآله) بنفسه يعلّم على قبر المدفون بعلامة.
ثم بنيت قباب وأضرحة على جملة من القبور من قبل المؤمنين وبأمر من العلماء.
كما كان البناء على قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان، فكانت عشرات منها في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحولهما.
وكان هذا الأمر قد تلقى بكل حفاوة وترحاب من جميع المسلمين هذه الظاهرة الشرعية لا في المدينتين وأطرافها فحسب، بل في سائر بلاد الإسلام .
إلى أن هدم الوهابيون أكثرها في الحجاز منذ مأتي سنة، ثم استرجعها سائر المسلمين، وبعد زهاء ثمانين سنة استولى الوهابيون على البلدين المقدسين مرة ثانية وهدموا القباب وأحرقوا المكتبات! وكانت فيها كتب ثمينة جداً، ولم يقتصر الأمر على هذا فقط بل أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) لكن تظاهر المسلمون في الهند ومصر ولعل غيرهما أيضاً، أوقفهم عن ذلك في قصة معروفة، وهم يحنّون إلى ذلك إلى الآن، حتى أن عالمهم (بن باز) (14) لا يزور مسجد الرسول(صلى الله عليه وآله) قائلاً: ما دام هذا الصنم (أي قبة الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ هناك لا أزوره، لكن الزمان مرّ عليه ولا يأبه بكلامه أحد(15).
الهوامش
———-
1 -. الأروم جمعها أُرُوم وهو أصل الشيء.. وتعني أصل الشجرة وما يبقى منها في الأرض بعد قطعها ـ المنجد في اللغة والإعلام ـ ص 9.
2 -. مرآة الحرمين ـ الجزء الأول ـ ص 425.
3 -. المنجد في اللغة والإعلام ـ ص 505.
4 -. تحفة الحرمين وسعادة الدارين ـ ص 226.
5 -. عمدة الأخبار في مدينة المختار ـ ص 48.
6 -. معجم البلدان ـ المجلد الثاني ـ ص 253.
7 -. المصدر السابق ـ ص 254.
8 -. المصدر ـ ص 254، أخبار المدينة المنورة ـ إبن شبة ـ ص 306.
9 -. مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول، أحمد إبراهيم الشريف، دار الفكر العربي، مصر ـ الطبعة الثانية ـ ص 366.
10 -. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع ـ الجزء الأول ـ ص 265.
11 – . دائرة المعارف الإسلامية ـ ص 350.
12 – . معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع ـ ص 265.
13 – لسان العرب: ج3 ص325 مادة غرقد.
14 – الشيخ عبد العزيز بن باز (1330- 1420هـ) مفتي السعودية.
15 – البقيع الغرقد، للشيرازي: ص25-26.
(الكفيل)
س ف