“ما وراء الصورة”.. عندما تخرج اللقطة على الكادر وتخلِّدُ المنسي والآيل للتلاشي
المشاركون في المعرض أشادوا بدور جمعية التصوير في إثراء الثقافة البصرية وإبراز الهوية المحلية
عبّر المصورون المشاركون في معرض “ما وراء الصورة”، المقام حالياً في مقر جمعية الإمارات للتصوير الضوئي بمنطقة الرماقية في الشارقة، ضمن فعاليات مهرجان صيف الفنون بالتعاون مع إدارة الفنون بثقافية الشارقة، عن ابتهاجهم وتفاعلهم الإبداعي مع المساحة الفنية والمعرفية الخصبة التي تمنحها الجمعية لأعضائها الهواة والمحترفين على السواء، الذين انضموا إليها واستفادوا كثيراً من النقاشات والحوارات والخبرات التي يملكها المصورون المخضرمون ذوو الخبرة والمراس في هذا المجال.
وأشاد المشاركون أيضاً بالمرافق الحديثة في المقر الجديد للجمعية مثل؛ الأستوديو المجهز تقنياً، والمكتبة البصرية والأرشيفية والتعليمية، وبالدورات والورش والمحاضرات التي تقيمها الجمعية وتعززها بالمعارض ذات الصبغة والهوية الخاصتين والناطقة بالمردود الإيجابي لهذه الدورات.
وفي تصريح لـ”لاتحاد”تحدث عدد من هؤلاء المشاركين عن طبيعة أعمالهم المقدمة في معرض “ما وراء الصورة”، وعن التقنيات والأساليب الفنية المستقلة التي اتبعوها لتقديم أعمال تنسجم مع عنوان المعرض، وتخترق وتتجاوز الشكل الانطباعي، للوصول إلى تكوينات بصرية باذخة تتضامن مع التأثير الجمالي المتبادل بين المصور وبين المتلقي.
توثيق الهوية المحلية
وفي هذا السياق، يقول الفنان مروان عبدالرحمن آل علي، إن أعماله التي التقطها في الدورة الأخيرة من مهرجان أيام الشارقة التراثية، ترتكز على توثيق وإبراز الهوية المحلية، من خلال تسليط الضوء على المهن الشعبية القديمة الآيلة للانقراض والتلاشي، بسبب التحولات الاجتماعية الهائلة التي طرأت على المكان، التي جعلت هذه المهن حبيسة ومرتهنة لإطارها الفلكلوري والسياحي. ومن هنا – كما أشار – قام بالتقاط صور متنوعة لكبار السن وهم يمارسون أعمالهم القديمة، وعززها باستخدام المواد والخامات الأصلية المستخدمة في هذه المهن مثل أوراق الخوص، وأسلاك «القراقير» وغرسها أو إلصاقها على الإطار الخارجي للصورة، لبعث نوع من الحياة والحيوية والتواصل الحسي مع المكونات الثابتة في الصورة.
وأوضح “آل علي” أنه لجأ في أعمال أخرى له إلى وضع مؤثرات سمعية وبصرية وإلى ضخ الروائح والعطور والدخون والمخمرية، من أجل خلق مجال واقعي وحقيقي، يتجاوز التعاطي الافتراضي مع الصورة، ويؤكد أن الصورة الجامدة يمكن لها أن تنبض بالحياة، وأن تستعيد ذاكرة المتلقي وتنقله من منطقة التخيل إلى حيز الملامسة والاندماج والتواصل الحسي مع مكونات وأبعاد اللوحة الفوتوغرافية.
نظرة الطائر
أما الفنان شعيب هشام، فتحدث عن أعماله التي التقطها بزوايا علوية مبتكرة أو ما يمكن تسميته بنظرة الطائر، مشيراً إلى أنها أعمال تطلبت منه جهداً فنياً وجسدياً شاقاً، واستهلكت منه شهرين كاملين كمدة زمنية؛ لأنه حاول من خلالها تقديم سرد بصري لحكاية البحارة والصيادين في سواحل المنطقة الشرقية بالإمارات، وبالتحديد في إمارة الفجيرة، حيث تنشط هناك حركة وطقوس الصيادين الذين يعتمدون أسلوب الضغوة، أو صيد الأسماك الصغيرة مثل؛ «العومة» و«البرّية» القريبة من الساحل من خلال نوعية خاصة من شباك الصيد المجهزة لهذا الغرض.
ونوّه شعيب بأنه ثبت كاميراته على طائرة إلكترونية صغيرة يتم التحكم بها عن بعد من أجل التقاط صور علوية بزاوية واسعة تحتوي كل التفاصيل التي لا يمكن للمستوى الأفقي للنظر أن يلتقطها، وقال أنه فوجئ بالتكوينات الجمالية المدهشة التي ترجمتها حركة الصيادين واللون الفوسفوري للأسماك وحركة الطيور وتموجات البحر والتي شكلت في النهاية قصة بصرية لا يمكن للكلمات وحدها أن تعبر عنها.
وقال إنه حاول في أعماله السابقة أن يكسر الجانب التقليدي في مهنة التصوير الفوتوغرافي، وظل يختبر أدواته الفنية، إلى أن اعتمد أسلوب اللقطات العلوية التي يستثمر فيها زوايا التصوير المغايرة للسائد، التي تكشف جانباً مغيباً ونادراً من الكادرات البصرية الأقرب للبانوراما العمودية المتخطية لحدود وأطر المنظر الطبيعي أو العادي عند المتلقي.
إيحاءات غامضة
وتحدثت الفنانة أمل العساف عن أعمالها في معرض (ما وراء الصورة) مشيرة إلى أنها اعتمدت أسلوب «الحياة الصامتة» أو الـ «ستايل لايف» المرتبطة بالأدوات التراثية القديمة كي تمنح صورها جاذبية بصرية خاصة تشيع حالة تأملية وداخلية لدى المتفرج، وتجعل الصورة أقرب إلى بورتريه للعناصر المحيطة بنا، التي لا نلتفت لها في كثير من الأحيان، ولكنها تتضمن ــ كما قالت ــ الكثير من الإيحاءات الوجدانية الغامضة وغير المفسرة.
وحول التقنيات التي ساعدتها على منح أعمالها هذا البعد الجمالي المكتنز بالتأويلات والانطباعات العميقة، أشارت العساف إلى أنها لجأت لتقنية العدسة الضيقة واللقطات المقربة لالتقاط التفاصيل المكثفة، كما لجأت لبرامج الفوتوشوب واستخدمت الإضاءة المكثفة في الأستوديو وخلق الانسجام بين الألوان، وتحكمت في العناصر المكونة للصورة وفي ترتيبها وتناسقها الهندسي لدرجة تصل إلى الاعتناء المفرط، حتى لا تفلت هذه العناصر من إطار الفكرة الفنية لمعنى ومفهوم (التكوين) داخل الصورة. وأضافت بأن اللعبة المتبادلة بين الضوء والظل في مثل هذه الأعمال هي التي تمنح الصورة جانبها التعبيري المتدفق، رغم خديعة النظرة الأولى التي تشي بالحيادية والثبات المطلق.
المشاركون في المعرض أشادوا بدور جمعية التصوير في إثراء الثقافة البصرية وإبراز الهوية المحلية.
اصطياد حركة الجسد
وأخيراً، تحدث الفنان محمد الهاشمي الذي قدم عملين للمعرض، فاز أحدهما بجائزة المركز الثاني في مسابقة «ناشونال جيوغرافيك»، وتتعلق بالتوثيق الجمالي لمهنة الصيد بطريقة “السالية”، وباستخدام قارب «الشاشة» التقليدي والمنتشر قديما في المنطقة الشرقية بالإمارات، مشيراً إلى أن أعماله تقوم على فكرة اصطياد «حركة الجسد»، وهو في ذروة صراعه مع الطبيعة، وقال إنه ركز على مهنة الصيد من خلال شباك “السالية”؛ لأنها تبرز الجانب الجمالي الخفي في إصرار الصياد على إيصال شبكته إلى أقصى مدى ممكن قبل أن يسحبها سريعا إلى قاربه.
وأوضح الهاشمي أنه التقط صور الصياد وقت الشروق في منطقة مربح التابعة لإمارة الفجيرة، مستخدما تكنيك «السيلويت» وبعدسة ذات زاوية واسعة، كي تقتنص الصورة المستويات المشهدية الساحرة والحالمة في وقت الفجر مع إضافة عنصر بشري ومحوري يمنح هذه الصورة ما تستحقه من فضاء روحي وجاذبية بصرية توائم وتعمل على المزج بين حركة الصياد وحركة البحر في الوقت ذاته.
إبراهيم الملا / الاتحاد الإماراتية