لماذا يرجم الأطفال قطارات الجزائر؟

328

349 (3)الحكمة – متابعة: ارتبط انضمام القطار إلى وسائل النقل في الجزائر، بالسنوات الأولى للاحتلال الفرنسي، إذ شُقت أوّل سكة حديد عام 1859 ربطت الجزائر العاصمة بمدينة البليدة (40 كيلومتراً جنوباً). بعدها، بات طول السكة 3400 كيلومتر عام 1906، واستخدمت في نقل الأفراد والبضائع والمعادن والثروات من الجهات الأربع للبلاد، تحت إشراف “الشركة الفرنسية للسكك الحديدية”. وخلفتها عام 1963 “الشركة الوطنية للسكك الحديدية الجزائرية”. ثم أعيدت هيكلتها عام 1976 تحت مسمى “الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية” بخطوط يصل طولها إلى 4573 كيلومتراً، وبمحطات بات بعضها تحفاً معمارية نادرة، أشهرها محطة العاصمة التي أنجزت عام 1862.

كانت الفترة الممتدة ما بين عامي 2005 و2015 من أفضل مراحل العناية بالقطار بعد الاستقلال الوطني، من خلال برنامج تضمّن تجديد السكك وترميمها، واقتناء قطارات كهربائية جديدة، احتكرت المسافات القصيرة، فيما بقيت القطارات القديمة على عملها في الخطوط الطويلة.

مع ذلك، لا يخلو قطار واحد من هذه القطارات، التي تتميز عن الطائرات والحافلات الجزائرية بكونها تحترم مواعيد الانطلاق أكثر، من كدمات وضربات وكسور وتشققات على مستوى النوافذ والأبواب والأسقف. كلّ هذا نتيجة الحجارة التي يقذفها الأطفال والمراهقون عليها، خصوصاً مع مرورها في مناطق تجمعات شعبية معزولة. يقتصر ضرر هذه المقذوفات في القطار الحديث على الهيكل الخارجي، بحكم مقاومة أبوابه وزجاجه للصدمات. لكنّ الضرر يتعدى ذلك في القطار القديم غير المكيّف، مما يمكن أن يتسبب في أذى لركابه، إذ قد يفقد أحدهم عينه أو أذنه أو أسنانه، بل قد يموت البعض. ويشير موقع الشركة إلى أنّ الحوادث الناجمة عن القذف بالحجارة، تتصدّر الحوادث التي يعرفها القطار الجزائري.

في مشهد من هذا النوع، كان القطار الرابط بين الجزائر العاصمة ومدينة الثنية (50 كيلومتراً شرقاً) يلتهم سكته ويرزح بعدد ركابه العائدين من العمل والتسوق والبحر، وإذ بوابل من الحجارة ينهال على عرباته في منطقة السمّار. بعض هذه الحجارة تسبّب في تشقق نوافذ الجهة التي رماها أطفال، بأعمار تتراوح بين الثامنة والخامسة عشرة، كانوا يعتلون مرتفعاً ترابياً، ويضحكون ويطلقون إشارات جنسية. يعلّق أحد الركاب: “ستستفيد الجزائر وفلسطين معاً لو يرسلونهم إلى الأراضي المحتلة، على الأقل ينفعونها بخبرتهم في رمي الحجارة”.

يجمع الركاب على استهجان الظاهرة التي يقولون إنها حوّلت نعمة القطار إلى نقمة. مع ذلك، يختلفون في قراءة أسبابها. يتساءل شاب: “كيف لم يستطع قرن ونصف القرن أن يجعل القطار أمراً طبيعياً في حياتنا؟ إنهم يقذفونه كأنه وحش أو طبق طائر غريب”. يقول شيخ كان يقبض على يد حفيدته خوفاً عليها: “كنا نفعل هذا في زمن الاحتلال، كنوع من حقدنا على الفرنسيين جنوداً ومسافرين عاديين”.

ولدى السؤال: “هل ترى أن ما يفعله أطفال اليوم امتداد طبيعي لذاك السياق؟”، يتولى رجل أمن مكلف بالقطار الإجابة: “الحقد هو المنطلق في الحالتين. في الأمس، كان الطفل الجزائري يقذف الحجارة حقداً على الفرنسيين، وهو اليوم يقذفها حقداً على مجتمعه الذي يهمله”. يعلّق أحد الكهول: “إنها أزمة تربية واستقالة أبٍ من واجب مرافقة أولاده”. يردّ رجل الأمن: “هل سيأتي الأطفال إلى حواف السكك الحديدية لو وجدوا مسبحاً أو مسرحاً أو سينما أو قاعة رياضية؟”. يشرح فكرته: “هذه التجمعات السكنية التي يشقها القطار خالية من هذه المرافق، وإن وجد بعضها فهو غير مؤهل ولا تتولى الكفاءات تسييره”. ويؤكد: “الطفل الذي لا يمسك كرة أو قلماً أو لعبة، يمسك الحجر أو ما شابه بالضرورة”.

في الطريق المقابلة أحد عشر طفلاً يحملون حجارة وينتظرون القطار التالي. يرتبكون مع توجيه الأسئلة إليهم: “لماذا تفعلون هذا؟ ألا تدرون أنكم قادرون على أن تتسبّبوا في قتل أحدهم أو إعاقته؟ تصوروا لو أنّ أحد معارفكم داخل القطار”.

يتضح أنّ سبعة من هؤلاء متسرّبون من المدرسة، وينحدرون من الحي القصديري المجاور للسكة، وأنّ ثلاثة آباءٍ فقط من آبائهم، يملكون وظيفة ثابتة، بينما يعيش البقية إما في بطالة تامة أو مقنّعة. يشيرون إلى أنّ حنقهم من الآخرين هو دافعهم إلى “لعبتهم الشيطانية”. يلخص الفتى ريان الأمر: “عمري 13 عاماً، منذ وعيت وأنا أرى القطار يعبر بالقرب مني حاملاً عمّالاً وطلاباً ومرفهين يملكون مساكن وملابس جيدة، بينما تفتقد أسرتي هذا كله”.

(Alaraby)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*