“داعش” يخدر الأطفال لينفذوا عمليات إرهابية

328

24-8-2016-S-01

      الحكمة – متابعات: انفجر الفتى بالبكاء وانهمرت دموعه عندما اعتقله رجال الشرطة في مدينة كركوك بعد أن انتبهوا الى حركاته المريبة وهو يذرع الشارع ذهاباً واياباً. وعندما نزعوا عنه قميصه الذي يحمل شعار فريق برشلونة لكرة القدم ظهر تحته الحزام الناسف. يقول المسؤولون ان عمر الفتى لم يتجاوز 15 عاماً، وتظهر صور الفيديو التي بثت يوم الاثنين الماضي على محطات التلفزيون الكردية تلك اللحظات المؤثرة عندما كانت قوات الامن تنزع عنه بحذر شديد حزامه المشحون بالمتفجرات. مساء الاحد الماضي امكن تجنب مأساة مفجعة، ولكن الكثير من الفتيان الانتحاريين غير هذا مضوا في تنفيذ هجماتهم على مدى الاشهر الاخيرة مع تحول “داعش” الى تجنيد الاطفال لتنفيذ مهام انتحارية.

في المساء نفسه الذي احبطت الشرطة فيه هجوم كركوك افادت قوات الامن بأن انتحارياً من عمر مقارب تمكن من توجيه ضربة خارج مسجد شيعي في المدينة فقتل ستة اشخاص. كذلك يعتقد أن منفذ التفجير المدمر الذي استهدف حفل زفاف في الجنوب الشرقي من تركيا واسفر عن قتل 50 شخصاً على الاقل في وقت متأخر من يوم السبت كان طفلاً هو الاخر.

في شهر آذار وجه انتحاري لم يتجاوز عمره كما يبدو 15 أو 16 عاماً ضربته الى مباراة لكرة القدم في قرية العصرية جنوب العراق فتسبب باستشهاد 43 شخصاً، كثير منهم اطفال. ومع أن “داعش” لا تكشف اعمار منفذي عملياتها عند اعترافها بعمليات التفجير فإن وجوه كثير من هؤلاء تبدو بعيدة عن سن البلوغ. يقول المحللون: إن هذه هي احدى نتائج حملة الغرس العقائدي التي كانت تنفذها “داعش”.

تقدر الولايات المتحدة أن طائراتها وطائرات حلفائها قد قضت على نحو 45 ألفا من متشددي “داعش” منذ بدء الحملة الجوية قبل عامين، لذا يستخدم الان “أشبال الخلافة”، كما تسميهم “داعش”، لسد الفجوة الحاصلة. يقول حسان حسان المشارك في تأليف كتاب “داعش” داخل جيش الرعب” والزميل في معهد تحرير لسياسة الشرق الاوسط: “هذا هو نتاج استغلال داعش للاطفال، ها هو جيل داعش الثاني قد ظهر للوجود، ومتى ما احتاجوا اليه استدعوه”.

في ايامها الاولى كانت “داعش”، وهي تفرع من تنظيم القاعدة في العراق، تقيم في سوريا احتفالات عائلية تمارس فيها الالعاب والمسابقات، وعندما كسبت مساحات من الارض اخذت تفتح معسكرات للتدريب ومدارس. كتب المناهج التي عثر عليها في المناطق التي كانت واقعة تحت سيطرة “داعش” تعطينا نظرة سريعة واضحة عن صورة افكار الارهابيين التي تدرس هناك. وقد اجبر الصبية الايزيديون، الذين اختطفت اعداد كبيرة منهم مع امهاتهم واخواتهم حين احتل متشددو “داعش” بلدة سنجار العراقية قبل سنتين، على الخضوع للتدريب العسكري، كما يروي اولئك الذين تمكنوا من الافلات منهم. يقول حسان: “حين يقدم الناس الى “داعش” تفضل هذه أن يأتوا معهم بأطفالهم، فأدمغة الاطفال لوح ابيض لك أن تكتب عليه ما تشاء”.

اساليب “داعش” تكرار لما كانت تفعله القاعدة في العراق، فهذه كانت تستخدم الاطفال ايضاً في تنفيذ تفجيراتها الانتحارية وتسميهم “طيور الجنة”. كذلك استخدمت طالبان الانتحاريين الاطفال في افغانستان وباكستان للتمكن من الوصول الى اهداف حساسة دون اثارة الشكوك. في العراق يمارس التضييق على حرية الحركة بالنسبة للشبان الذين بسن يسمح لهم بالقتال، لاسيما اولئك الآتين من المناطق المضطربة القريبة من مناطق نفوذ “داعش”.

يقول العميد سرهاد قادر رئيس شرطة كركوك: ان الاطفال يستطيعون التسلل بسهولة اكبر، ويضيف أن الفتى الذي اعتقل في كركوك ربما كان واقعاً تحت تأثير المخدرات. يقول سرهاد: انه كان مذعوراً ويبكي ولم تكن تصرفاته طبيعية وبدا ذاهلاً. ويمضي مضيفاً أن الفتى يخضع للاستجواب، ويدعي انه جاء الى كركوك من مدينة الموصل التي تسيطر عليها “داعش”. رغم هذا فإن الفتى ليس سليماً مئة بالمئة من الناحية العقلية، كما يقول العميد سرهاد.

اما في تركيا فقد قال الرئيس رجب طيب اردوغان في البداية: ان الانتحاري الذي فجر نفسه في حفل زفاف بمدينة غازي عنتاب يوم السبت كان يبلغ من العمر ما بين 12 و 14 سنة. بيد أن وكالة اسوشيتد بريس نسبت الى رئيس الوزراء “بينالي ييلدرم Binali Yildirim “ يوم الاثنين قوله: ان السلطات المعنية لا تزال تحاول التعرف على هوية الانتحاري وانها لا تعلم بعد إن كان طفلاً أم بالغاً. لذا يبدو أن التصريحات الاولية كانت قائمة على الحدس وشهادات الشهود.

على اي حال يبدو أن “داعش” مستمرة بشكل متصاعد في استخدام مجنديها من صغار السن لتنفيذ ابشع مهامها واكثرها وحشية. ففي وقت سابق من هذه السنة ابلغت امرأة السلطات العراقية في محافظة ديالى أن “داعش” قد تمكنت من تجنيد ولديها البالغين من العمر 21 عاماً و 14 عاماً وانهم يخططون لاستخدامهما في هجمات انتحارية. بناء على ذلك عممت الشرطة صور الشابين على نقاط السيطرة في المنطقة، ولكن الاخ الاصغر تمكن رغم هذا من تفجير نفسه خارج احد المقاهي.

يقول نجم الدين كريم محافظ كركوك: “من يمكن أن يرتاب بطفل؟ إنه أمر محزن .. فهؤلاء قد غسلت ادمغتهم.” لقد خسرت “داعش” تقريباً نصف المساحة التي كانت تحتلها ذات يوم في العراق ونحو 20 بالمئة مما كانت تحتله في سوريا، وفق التقديرات الاميركية. بيد أن ستراتيجيات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تعرضت للانتقاد اذ يقول البعض انها تتبنى منظوراً ضيقاً وأن دحر هذه الجماعة عسكرياً فقط غير كاف.يقول حسان ان هناك الوفاً من الاطفال الذين ينشؤون بلا تعليم وسط العنف، وهذا يجعلهم هدفاً سهلاً للتجنيد من قبل “داعش” ما لم يكن هناك تصدّ للقضايا الاجتماعية والاقتصادية ايضاً. ويضيف حسان أن هذه الامور يجب القيام بها كي لا يكون هناك تكرار لـ “داعش” ولا عودة، أما اهمالها فسوف يكون غلطة بالغة الجسامة.

عن صحيفة واشنطن بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*