دلائل تكشف عن سمات شخصيتك من قبل أن تتعلم الكلام

376

160920183329_clues_to_personality_before_talking_640x360_thinkstock_nocreditالحكمة – متابعة: قبل أن تتعلم كيف تعبر عن نفسك بالكلام، هناك علامات تكشف عن سمات شخصيتك التي ستظهر لديك عند الكِبر. الصحفي العلمي كريستيان جاريت يشرح لنا كيف تتكشف سمات المرء الشخصية منذ الصغر.

ساهمت عوامل كثيرة في تشكيل شخصيتك، إذ لعبت العوامل الوراثية، والأصدقاء، والمدارس التي التحقت بها، بالإضافة إلى الكثير من العوامل الأخرى، دورًا في تكوين الشخصية التي أنت عليها اليوم.

لكن متى تحديدًا بدأت تتبلور شخصيتك المميزة لك؟ فإذا كنت خجولًا الآن، على سبيل المثال، هل هذا يعني أنك كنت طفلًا خجولًا؟

على الأرجح نعم، وفي الواقع، تشير الأبحاث إلى وجود روابط بين نزعاتنا السلوكية عندما كنا أطفالًا، لم نتعد من العمر بضعة شهور، وشخصياتنا في المراحل العمرية اللاحقة. لكن هذا لا يعني أن شخصياتنا تترسخ منذ الصغر، ولا يمكن أن تتغير، بل هذا يعني أن الشخصية يمكن أن تعود جذورها إلى الشهور الأولى من العمر.

يشير علماء النفس الذين يدرسون سلوك الرُضّع عادةّ إلى “الطبع المزاجي” للطفل، وليس سماته الشخصية، ومن بين الاستقصاءات الأولى التي أُجريت في هذا المجال، الدراسة التي أُطلق عليها اسم “البحث الطولي في نيويورك”، الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي، وراقب من خلاله الفريق المكون من ستيلا تشيس وزوجها أليكسندر توماس 133 طفلًا منذ الولادة وحتى بلوغهم 30 سنة، كما حاورا والديهم.

واستنادًا إلى نتائج تلك الأبحاث، اقترح هؤلاء الباحثون وجود تسع سمات مزاجية للأطفال، بما فيها مستوى النشاط والمزاج العام والقابلية لتشتيت الانتباه.

كما لاحظوا أن الدرجات التي أحرزها الأطفال الذين خضعوا للدارسة لكل سمة مزاجية على حدة يمكن تجميعها معًا لتصنيف الأطفال في ثلاث مجموعات: إما أن يكون الطفل “سهل المراس”، أو “صعب المراس” أو “بطيئ التكيف مع التجارب الجديدة”، وإن كان هذا يدل على قلة اللباقة السياسية في هذا الوقت بتصنيف البعض على نحو ينطوي على إساءة.

فهل هذه المجموعات الثلاث تنبئ بملامح الشخصية في مراحل لاحقة من العمر؟ توصلت دراسة نيويورك إلى بعض الأدلة التي تشير إلى أن الأطفال الذين صنفوا في سن ثلاث سنوات كأطفال ذوي مراس سهل، أو ذوي مراس صعب، صنفوا أيضًا بالطريقة نفسها في بداية سن البلوغ، إلا أن البحث لم يتطرق إلى الروابط بين مزاج الطفل وشخصية البالغ.

وفي الواقع، لم يعمل علماء النفس الذين يدرسون مزاج الطفل جنبًا إلى جنب مع أولئك الذين يدرسون شخصية البالغين لفترة طويلة، إلا أن الأمر قد تغير على مدار العقد الماضي، أو نحو ذلك.

ومع أن مزاج الطفل لا ينبئ كليًا بما ستكون عليه ملامح الشخصية عند الكبر، هناك بالتأكيد علاقة وثيقة بين الاثنين.

وتجدر الإشارة إلى أن أنظمة تقييم الطفل بحسب الدرجات التي يحرزها في كل سمة من السمات المزاجية التسع قد تغيرت مع مرور الوقت.

واليوم أُدمجت الجوانب المزاجية التسعة في ثلاثة أبعاد رئيسية فقط، (ومع الأسف تختلف المصطلحات باختلاف معامل علم النفس).

فهناك أولا صفة “القدرة على ضبط النفس”، والتي تشير إلى بعض السمات مثل قدرة الطفل على التحكم في نفسه، والتركيز، (مثل، مقاومة الرغبة في الحصول على لعبة محببة إلى النفس).

وثانيا، هناك صفة “العاطفة السلبية”، التي تشير إلى مستويات المشاعر السلبية كالخوف والاحباط.

وثالثا، هناك صفة “الانبساط النفسي” أو “الابتهاج والانفتاح”، وهذه الصفات لها علاقة بمستويات النشاط والإثارة، وكون الشخص اجتماعيًا.

وقد أُجريت دراسة روسية نشرت على الإنترنت هذا العام عن الشخصية والفروق الفردية، شارك فيها 45 أب وأم صنفوا طباع أطفالهم المزاجية وفقًا لهذه الأبعاد عندما كانوا في الشهور الأولى من العمر (سبعة شهور في المتوسط).

ثم صنف هؤلاء الآباء شخصيات أبنائهم مرة أخرى بعد ثمان سنوات، في المتوسط، استنادًا إلى السمات الرئيسية لشخصية البالغين، مثل انبساط الشخصية، والعصابية (أي القابلية للإصابة بالاضطرابات النفسية).

وبالمقارنة بين النتائج التي أحرزها الأطفال عند المرحلتين من العمر، اكتشف الباحثون وجود تطابق في عدد من السمات الشخصية، فالأطفال الذين أحرزوا درجات أعلى في اختبار انبساط الشخصية أو الابتهاج والانفتاح (لأنهم كانوا أكثر بشاشة من غيرهم)، أحرزوا في الغالب درجات أقل في اختبار العصابية، وهي أحدى سمات شخصية البالغين (أي أظهروا قدرة على الثبات الانفعالي أكثر من غيرهم) عندما صاروا في الثامنة من العمر.

أما الأطفال الذين أحرزوا درجات أعلى في الصفة المقابلة لضبط النفس في هذه الدراسة، أحرزوا درجات أعلى في جوانب الحرص والتأني في العمل عندما صاروا في الثامنة من العمر.

فإذا كان طفلك قادرًا على الإنصات لفترة معقولة من دون أن يشتت انتباهه شيء، فلتستبشر خيرًا، لأن هذا ربما يعني أنه سيحافظ على نظافة غرفته عندما يكبر.

ولكن في المقابل، بعض النتائج لم تكن مطابقة في هذه الدراسة، فعلى سبيل المثال، لم يحرز الأطفال المبتسمون الذين كانوا ودودين ويستمتعون بصحبة الأخرين أكثر من غيرهم درجات أعلى في اختبار انبساط الشخصية عندما صاروا أكبر سنًا، وهذا يذكرنا بأن الطباع المزاجية لأطفالنا ليست حتمية، بل قد تتغير في بعض الأحيان.

إلا أن النتائج تؤكد ما وصفه الباحثون بأنه “تزايد الإجماع على أن السمات المزاجية التي تظهر في السنوات الأولى من العمر هي الأساس الذي تنبني عليه الشخصية في المراحل اللاحقة من العمر”.

والعجيب أن بعض الروابط قد تمتد لأربعة عقود.

وفي دراسة أخرى، نشرت سنة 2007، أخذ الباحثون نتائج اختبارات السمات المزاجية التي أجريت على أطفال بين سن 12 شهرًا و30 شهرًا، لمقارنتها بالنتائج التي أحرزها نفس الأطفال عندما أجريت لهم اختبارات السمات الشخصية في مراحل أكثر تقدمًا من العمر، بعد أربعين سنة، ووجدوا رابطًا، وإن كان محددًا بسمتين فقط من السمات الشخصية.

وهاتان السمتان هما عدم التحفظ لدى الأطفال (وهذا التقييم يشبه تقييم انبساط الشخصية المستخدم على نطاق واسع)، وانبساط الشخصية لدى البالغين. وهذا يعني أنه كلما كان المشاركون أكثر نشاطًا وثقة في مرحلة الطفولة، زادت احتمالات إحرازهم درجات أعلى في تقييم انبساط الشخصية عندما يصيروا بالغين، وفي تقييم الكفاءة الذاتية (أي إيماننا بما لدينا من قدرات).

وإذا كانت عبارة الشاعر الشهير ويليام ويردسويرث تقول إن “الطفل سيصبح والد الرجل” – وهو يعني أن شخصية الرجل تتكون في مرحلة الطفولة – فإن الباحثين يقولون إنهم يودون أن يضيفوا إلى تلك العبارة “فالطفل عندما يتعلم المشي، يكون لذلك علاقة وثيقة بتكوين الشخصية عند الكِبَر”.

والجدير بالذكر أن شخصياتنا، رغم أنها ثابته إلى حد ما طوال مراحل حياتنا، كما يتضح من نتائج هذه الدارسات، تتطور باستمرار، ولا يمكن أن يحدد الشخص اللحظة التي اتخذت فيها شخصيته في مرحلة الشباب الشكل الذي صارت عليه في مرحلة النضج (بالطبع، هذا يتوقف على الجانب الذي تقصده من الشخصية بعد النضوج).

على أية حال، كلما ينمو الطفل الصغير، تتبلور ملامح شخصيته تدريجيًا، ولتنتظر حتى يبلغ الطفل سن ثلاث سنوات، على سبيل المثال، وستجد أن سلوكه في هذه المرحلة ينبيء بشخصيته عند الكِبر أكثر من ذي قبل.

ولنأخذ مثالًا على ذلك من النتائج التي توصلت إليها الورقة البحثية التي نشرت سنة 2003، حيث قارن الباحثون في معهد الطب النفسي في لندن، الدرجات التي أحرزها ما يزيد عن ألف طفل في الثالثة من العمر في تقييم الجوانب السلوكية، من سنة 1975 إلى 1976.

وصنف الباحثون وفقا لهذه النتائج سمات الطفل، فهو إما “متزن نفسيًا”، أو “غير قادر على التحكم في انفعالاته” أو “واثق”، أو “مكبوت” أو “متحفظ”. وسُجلت نتائج تقييم الشخصية لنفس الأفراد عندما بلغوا “26” سنة.

ولكن هذه المرة كان التطابق عجيبًا في الكثير من السمات الشخصية طيلة مدة الدراسة التي استمرت لنحو ثلاثة عقود.

فعلى سبيل المثال، كان الأطفال “الواثقون من أنفسهم” هم الأكثر انبساطًا من غيرهم عند البلوغ، على عكس الأطفال “المكبوتين”، فقد أصبحت شخصيتهم أقل انبساطًا من غيرهم.

وكل من لديه أطفال صغار أو يقضي معهم الكثير من الوقت سيشعر برغبة ملحة في البحث عما تخفيه ضحكة الطفل، أو عبوس وجهه، من سمات لشخصيته عند الكِبر. وتشير الأبحاث التي أجريت مؤخرًا في مجال علم النفس إلى أن كل هذا التأمل والتفكير ربما لن يذهب سدى.

إلا أن هذا المجال ينطوي على جانب جاد، إذ أدرك الباحثون في الآونة الأخيرة أن جذور المشاكل النفسية عند البالغين ربما تكمن في الميول السلوكية التي تظهر في مرحلة الطفولة.

ومن خلال تعلم كيفية التعرف على بوادر المشكلات النفسية، من الممكن التدخل بحذر في السنوات الأولى من العمر للمساعدة في توجيه الأطفال نحو المسار القويم لمستقبل أفضل.

كريستيان جاريت
كاتب متخصص في علم النفس-بي بي سي

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*