الحكمة – متابعة: في كتابه “الهجرة: كيف تؤثّر في عالمنا؟”، الصادر مؤخّراً ضمن سلسلة “عالم المعرفة” (العدد 439) في الكويت، بترجمةٍ إلى العربية أنجزها مصطفى ناصر، ينطلق الباحث الاقتصادي البريطاني بول كوليير (1949) من تجارب مختلفة لهجرات فردية وجماعية، ليطرح أسئلةً حول السياسات التي ينبغي اتّخاذها حيال الهجرة، في محاولة لـ “تأسيس منظومة” للتعامل مع الهجرة وقضاياها.
يقرأ أستاذ “الاقتصاد والسياسات العامّة” في “جامعة أكسفورد” مجموعةً من التوجّهات والاختصاصات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفلسفية التي تناولت الهجرة، معتبراً أن التعامل مع الموضوع يتطلّب من الأكاديميين والمفكّرين والسياسيين جرأةً في الطرح، والابتعاد عن التشدّد والانغلاق، اللذين يشكّلان، حسبه، نتيجةً للتوجّس من المفاجآت المستقبلية التي تتخوّف منها البلدان المضيفة وسكّانها الأصليون، بسبب المهاجرين.
يخصّص الكتاب، الذي يتوزّع على خمسة أجزاء رئيسية يتضمّن كلّ منها عدداً من الفصول، لطرح تحديات الهجرة وسياقات التعامل معها، ومعاينة إشكالياتها ومدى تصاعد الظاهرة ونتائجها على مختلف الأصعدة، متطرّقاً إلى المواقف إزاءها في الدول المضيفة، بين الرفض والقبول.
يمهّد كوليير لعمله بخلفية تاريخية يعود فيها إلى نصف القرن الذي إلى الحرب العالمية الأولى، راصداً، في هذه الفترة، صعوبة الهجرة وعدم الترحيب بالمهاجرين بسبب لجوء البلدان إلى غلق حدودها بسبب الكساء الاقتصادي. وبالوصول إلى الستينيات، يسجّل اكتفاء المواطنين، في كثير من بلدان العالم، بالعيش في بلدانهم الأصلية بسبب الاستقرار الاقتصادي، لكن، وبعد “نصف قرن آخر من الخمول”، وبسبب “التغيّر الدراماتيكي” الذي شهده الاقتصاد العالمي، حدثت فجوة اقتصادية كبيرةٌ ترتّبت عنها أشكال متعدّدة للهجرة.
يعتبر كوليير أن النموّ الذي شهدته البلدان الغنية خلال السنوات الثلاثين الذهبية، في مقابل الركود الذي تعيشه البلدان الفقيرة، هو أحد المداخل الأساسية لفهم الهجرة ومسبّباتها في العصر الحديث.
ويضيف الباحث أنه ثمّة ثلاثة عناصر أساسية ينبغي أخذها بعين الاعتبار بالنسبة إلى الموضوع؛ هي: الهجرة ردّ فعل اقتصادي في طبيعته، ووجود ما لا يُحصى من العوائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية التي تعترضها، وأخيراً أن تكاليف الهجرة تصبح يسيرة مع وجود شتات من البلد الاصلي في البلد المضيف.
تكمن أهمّية العمل، إضافةً إلى كونه يُثير واحدةً من أكثر القضايا المعقّدة راهنيةً في المجتمع الدولي بسبب موجات اللجوء في السنوات الأخيرة، في استناده على رؤى وأفكار وتأمّلات للوصول إلى أحكام رصينة، بلغة بسيطة تتحاشى المصطلحات المعقّدة.