حاجز إسمنت لحماية الإسكندرية من «تغوّل» البحر

367

19d1c3ba436a49d5abd553ab4d34d1b9الحكمة – متابعة: يرمي التغيّر المناخي بثقله على البحر الأبيض المتوسط فـ «يتغوّل» على الإسكندريّة مهدداً بإغراقها، وهي التي وُصِفَت طويلاً بـ «عروس المتوسط»!

ليست الكلمات السابقة مجرد إنشاء ورصف حروف، بل وصف لعلاقة صارت مضطربة بين الإسكندرية والبحر المتوسط، بسبب متغيّرات المناخ.

ومع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، تذوب مياه القطبين المتجمدين، وتسير كميات مذهلة من المياه إلى المسطّحات المائية في الكرة الأرضيّة، منها البحر المتوسط.

وإذ ترتفع مستويات المياه في البحار، يحمل الأمر تهديداً مباشراً للجزر والشواطئ. النتيجة؟ بعد أن عاشت حقباً طويلة مستظلّة البحر المتوسط والمناخ المعتدل والفصول المنتظمة التعاقب، صارت الإسكندرية تنظر إلى ذلك البحر بخوف.

يأتي شتاؤها، فيكون عاتيّاً ويغرقها بأمطار لا ينأى عنها الموت. ويأتي الصيف، فيكون قائظاً لا يعرف الاعتدال. أما الأسوأ، فتراه يوميّاً في الأمواج التي لا تكف عن ضرب «كورنيشها» الشهير، كأنما تنذر بما هو آت.

«هناك دليل قوي يدفعنا إلى القول إن انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة من نشاطات البشر، تؤثّر فعليّاً في مناخنا. وتشير النماذج المتطوّرة في المحاكاة الافتراضيّة للكومبيوتر، إلى أنّ الاحتباس الحراري العالمي سيؤدي إلى تغيرات مناخيّة خطيرة قبيل نهاية القرن الحادي والعشرين. وربما تولّدت منها تأثيرات واسعة النطاق في البيئة الطبيعيّة، والمجتمعات البشرية». جاءت الكلمات السابقة في كتاب «مقدمة قصيرة عن الاحتباس الحراري» الذي وضعه مارك ماسليت، رئيس قسم الجغرافيا ومدير «مركز البيئة» في جامعة «كوليدج أوف لندن». وتهدف الكلمات إلى إطلاق صافرة إنذار عن مستقبل قاتم للمناخ ومتغيّراته.

ووفق الكتاب، حملت سبعة نماذج محاكاة افتراضيّة للمناخ تحدّث عنها تقرير «الهيئة الحكوميّة المعنية بتغيّر المناخ» (أُسّست في 1988) نتائج غير مرضية عن متوسط التغيّر في درجة الحرارة العالمية في 2100.

وأوضحت تلك النماذج أن متوسّط الارتفاع المتوقّع في حرارة الأرض عند نهاية القرن، يتراوح بين 1.4 و5.8 درجة مئوية. وكذلك توقّع أحد تلك النماذج حدوث زيادة في مستوى البحار عالميّاً، يتراوح بين 20 و88 سنتيمتراً، مع حلول العام 2100. ويتوقّع أن يؤثّر تبدّل المناخ مستقبلاً في معظم العوامل المؤثرة في المجتمع البشري، خصوصاً الشواطئ. ويثير الأمر قلقاً في معظم المناطق الساحليّة عالميّاً، بل إنها شرعت في تحصين نفسها ضد العواصف والفيضانات وعدم استقرار الجروف وغيرها.

«دلتا النيل» في مهب… الغرق!

ويقدّم الخط الساحلي لـ «دلتا النيل» التي تعتبر من أقدم المناطق المزروعة قرب البحر، نموذجاً عن العلاقة المضطربة مع ارتفاع منسوب المياه في البحار. وتتميّز «دلتا النيل بكثافة سكانيّة تصل إلى 1600 شخص في كل كيلومتر مربع، وتمثّل 2.5 في المئة من مساحة مصر. وترتفع أرضها فوق مستوى سطح البحر بأقل من مترين، ويحميها من الغرق حزام رمل ساحلي يتراوح عرضه بين كيلومتر و10 كيلومترات. واستطراداً، يؤدّي تآكل الحزام الرملي بفعل ارتفاع مياه البحر إلى بروز تهديد خطير للـ «دلتا»، يفاقمه أنّ ثلث مصائد الأسماك المصريّة تتمركز في بحيرات قريبة من شواطئ تلك الدلتا.

ومع ارتفاع مستوى سطح البحر، تتغيّر المياه العذبة نوعيّاً، كما تتأثر الأسماك التي تعيش في بحيرات الماء العذب. وينطبق ذلك على الإسكندريّة، وفق ما ظهر في بحث للدكتور هاني فرحات عبد الحميد (من جامعة الزقازيق)، نشر أخيراً في الدورية العلميّة «مجلة الماء والتغيّر المناخي»

Journal of Water and Climate Change.

يقول عبد الحميد إن الغازات المتّصلة بظاهرة الاحتباس الحراري (تسمّى أيضاً «غازات الدفيئة») تبقى لفترات متفاوتة في الغلاف الجوي، خصوصاً عندما تجري دراستها في فترات تراوح بين 20 و100 سنة.

وأشار عبد الحميد إلى أنه قدّم حلاً لمواجهة أخطار تغيّر المناخ على شواطئ محافظة الإسكندرية تحديداً، يكلّف قرابة 10 في المئة من إجمالي الخسائر التي توقّعت دراسات سابقة حدوثها في حال عدم الوقاية منها، وتقدّر بـ 35 بليون دولار.

ويتمثّل الحل المقترح ببناء سور من جدران خرسانيّة صلدة تصل سماكتها إلى 30 سنتيمتراً، وترتفع فوق سطح البحر بقرابة مترين، فيما يكون عمقها قرابة 8 أمتار، وتنشر على امتداد 35 كيلومتراً قبالة الشاطئ.

ووفق عبد الحميد، لا يستلزم نشر ذلك السور الذي يكلف مليون دولار لكل كيلومتر، سوى شهور قليلة. ويعمل الباحث حاضراً على استكمال الدراسة ببحث آخر يرتبط بإمكان «دعم» الجدران الخرسانيّة بديكورات وأعمال فنيّة، كي لا يتسبّب السور في تشوه شواطئ المدينة التي تعدّ من أهم المصائف المصريةّ. وتبحث الدراسة ذاتها أيضاً في إمكان إنشاء أماكن للجلوس والصيد لا تعيقها الجدران الخرسانيّة، بالتعاون مع خبراء التخطيط العمراني.

وأوضح عبد الحميد أيضاً أنّه لم يناقش الحل الذي اقترحته دراسته مع جهات حكوميّة، إلا أنّه يفكر في تلك الخطوة بسبب تنامي التهديد المناخي لشواطئ «دلتا النيل»، مع توقّع أن يصبح التهديد ماثلاً بحلول عام 2050، وفق توقع الباحث الرئيس في الدراسة.

كذلك لفت عبد الحميد إلى أنّ ارتفاع الجدران الخرسانيّة قابل للزيادة، كما أن عمرها المتوقّع يمتد قرابة مئة سنة.

(الحياة)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*