الحكمة – متابعة: أول من بكى على مصرع الحسين في كربلاء كان رسول الله، صلى الله عليه وآله. ليس الشيعة وحدهم من يقول ذلك، بل فقهاء ورواة المذاهب الأخرى الذين تحدثوا عن إخبار إلهي لما سوف يجري على الحسين في كربلاء.
وتشير كتبهم إلى أن النبي بعد أن انفرد به الوحي -كعادته- عاد إليهم باكياً يحدثهم عن ولده الذبيح على أرض الطف. هذا كان مضمون ما قالته عائشة، أبرز زوجات النبي التي يعتمد أتباع المذاهب الأخرى مروياتها بما لا يحتمل الشك.
في تفصيل أكثر، يقول أحد أكبر فقهاء الشافعية، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي في كتابه “اعلام النبوة” والمتاح بنسخ ورقية وإلكترونية.. يقول الماوردي وهو يسند خبره إلى كل من عروة وعائشة التي تقول: “دخل الحسين بن علي، عليه السلام، على رسول الله، صلى الله عليه وآله، و هو يوحى اليه، فبرك عل ظهره و هو منكب و لعب على ظهره. -وهنا كانت تشير إلى الحسين في طفولته-.
فقال جبرئيل: يا محمد، إن أمتك ستفتن بعدك و تقتل ابنك هذا من بعدك، و مدَّ يده فأتاه بتربة بيضاء، و قال: في هذه الأرض يقتل ابنك ـ اسمها الطف ـ.
والطف هي الأرض المعروفة حالياً بكربلاء والتي يقصدها الملايين من المسلمين غالبيتهم من الشيعة لزيارة قبر الحسين وأخيه العباس واستذكار تلك الحادثة الأليمة.
تتابع عائشة، نقل ما جرى وتقول: فلما ذهب جبرئيل خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الى أصحابه و التربة في يده، و فيهم أبو بكر و عمر و علي و حذيفة و عمار و أبو ذر وهو يبكي. فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، و جاءني بهذه التربة، فأخبرني أن فيها مضجعه.
ما “ابن سعد” صاحب كتاب “الطبقات الكبرى” والذي تتلمذ على يد “الواقدي” أحد أقدم وأهم المؤرخين السُنّة في الإسلام.. ابن سعد هذا ينقل رواية أخرى ينتهي سندها إلى عائشة أيضا، تقول فيها: “بينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحيته عنه ثم قمت لبعض أمري فدنا منه فاستيقظ يبكي فقلت: ما يبكيك؟ قال: إن جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه، وبسد يده فإذا فيها قبضة من بطحاء فقال: يا عائشة والذي نفسي بيده إنه ليحزنني، فمن هذا من أمتي يقتل حسيناً بعدي؟.
أما الشيعة، فبعيداً عن ذوبانهم في الوجد على تلك الأحداث التي جرت على أرض كربلاء عام 61 للهجرة، فهم يرون أن في بكائهم على الحسين، عليه السلام، أسوة واقتداءً ببكاء النبي والأئمة من بعده على السبط الشهيد.
ومن النبي إلى الأئمة ينتقل حث البكاء على هذه الفاجعة، فينقل الشيخ الصدوق (918- 992 هـ) في كتابه “الأمالي” رواية عن الإمام الرضا عليه السلام يقول فيها: “يا بن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش “.