فوائد الخجل التي قد لا نعرفها

448

161006195703_why_we_should_celebrate_shyness_640x360_thinkstock_nocreditالحكمة – متابعة: ساهمت شخصيات شهيرة كانت تتسم بالخجل في تغيير العالم إلى الأفضل، مثل أغاثا كريستي وتشارلز داروين. فما هي الفوائد التي يمكن أن تعود علينا من تلك السمة؟

إذا طغت عليك ذات مرة مشاعر الشك في قدراتك الشخصية، فقط تذكر الكاتبة البريطانية الشهيرة أغاثا كريستى.

ففي أبريل/ نيسان من عام 1958، أصبحت مسرحيتها “مصيدة الفئران” أطول إنتاج يعرض في تاريخ المسرح البريطاني حينذاك، بعد أن بلغ عدد عروضها 2239 عرضا حتى ذلك التاريخ. ولذا، نظم مخرج المسرحية حينها حفلا في فندق “سافوي” الفخم للاحتفاء بذلك النجاح.

ولحضور ذلك الحفل، مرت كريستى عبر بهو الفندق وصولاً إلى قاعة الاحتفال، لكنها فوجئت بأن حارس باب القاعة لا يعرفها، ويرفض السماح لها بالدخول.

وبدلاً من أن تهتف في وجهه قائلة: “ألا تعرف من أكون؟”، استدارت الكاتبة ذات السبعة وستين عاماً للخلف بخجل واتجهت نحو بهو الفندق لتجلس وحيدة. وعلى الرغم من أن مبيعات كتبها فاقت كل الكتاب الآخرين في وقتها، قالت إنها ما زالت أسيرة “خجل بائس ورهيب لا يمكن الفكاك منه”.

وقد كتبت لاحقاً تقول: “مازال لدي ذلك الشعور بأنني أتظاهر بأنني كاتبة”.

كيف يمكن لشخص في غاية النجاح أن تنقصه الثقة بالنفس؟ هذا هو التناقض الذي يتناوله جوهر كتاب جديد بعنوان “البنفسج المنكمش” للمؤرخ الثقافي جو موران، والذي يحلل الخجل في مجالات السياسة والأدب وعلم النفس.

قد يبدو الخجل أمراً تافهاً لأولئك الذين لا يعيشونه، لكن كما يشير موران، يمكن لهذه المشاعر أن تصبح مسألة حياة أو موت.

فالطبيب الأمريكي هنري هيمليتش (الذي أطلق اسمه على مناورة هيمليتش العسكرية لاحقا) قال ذات مرة: “أحياناً، من يصاب بالغصة أثناء الأكل يصبح محرجاً بسبب مأزقه، وينجح في النهوض ومغادرة مكان تناول الطعام دون أن يشعر به أحد. وفي غرفة قريبة، يسقط مغشياً عليه، وإذا لم ينتبه له أحد، فسوف يموت أو يشكو من ضرر دماغي مستديم”.

ومع الرغبة لمعرفة المزيد، دعوت موران لمناقشة ذلك الإلهام الكامن في كتابه، والنتائج التي توصل إليها من بحثه الموسع.

ويقول موران إنه شعر بالخجل طوال الوقت الذي يستطيع تذكره، وتمكن بسهولة من التعرف على المأزق الذي تعرضت له كريستي في المسرح ذلك اليوم، ويقول: “إنه ذلك النوع من السلوك الذي سأفعله على الأرجح”.

هذه المشاعر ربما تكون قد شكلت مستقبله قبل فترة طويلة من اتخاذه قراراً بدراسة الموضوع أكاديمياً. فقد ألقت كتبه السابقة الضوء على تفاصيل الحياة اليومية.

فكتاب “انتظار المبتدئين” على سبيل المثال، يدرس تاريخ الأشياء، والعادات اليومية للبريطانيين، وظاهرة الوقوف في الطابور في المتاجر، بينما يختبر كتابه “أمة الكراسي المريحة” عادات مشاهدة التلفزيون لدى البريطانيين.

ويقول في هذا الصدد: “أعتقد أن الخجل يحولك عل الأرجح إلى عالم ناضج في مجال السلوك الإنساني. وفي الغالب، قد تُصبح أكثر قدرة على ملاحظة السلوك البشري”.

ويرى موران كتابه “البنفسج المنكمش” استمراراً لنفس النهج، محولاً بؤرة اهتمامه إلى داخل الإنسان، ومختبراً الأفكار والمشاعر التي يشعر كثير من الناس بالحرج من مناقشتها.

إن حقيقة أننا عادة ما نشعر بالخجل من خجلنا تمثل طبيعة غريبة ومتناقضة، وقد أثار ذلك اهتمامه كموضوع للدراسة يتميز بالثراء على نحو خاص. ويقول معلقاً على هذا الوضع: “كثيراً ما يصعب علينا فهم ذلك من ناحية عقلية”.

ربما يتوقع الكثير من الناس أن الخجل يتخلل كل المواقف والحالات، على سبيل المثال، لكن موران يلاحظ أنه يتأرجح صعوداً وهبوطاً حسب السياق.

ربما يشعر موران بارتياح عند إلقائه محاضرة أمام عدة مئات من الطلبة أكثر من تلقيه أسئلة فيما بعد، على سبيل المثال.

ويلاحظ أيضا أنه يشعر بارتياح أكبر في مواقف تكون فيها قواعد السلوك محددة بوضوح، لكن ثقته بنفسه تهتز عندما يكون في موقف يكتنفه الغموض، فوسط مجموعة كبيرة في المقهى، على سبيل المثال، يجد نفسه في موقع بين محادثتين، لكنه ليس متأكداً كيف ينضم لإحداهما.

ويقول عن ذلك: “يبدو دائماً أن هناك نقطة بداية رئيسية سبقوك في الحديث عنها”.

وفي مكان العمل، يمكن أن تكون مقابلة الناس في تلك الفراغات بين المكاتب، مثل غرفة التصوير، أو الممرات، بمثابة حقل ألغام بالنسبة للشخص الخجول. “لا تعرف ما إذا كان يتعين عليك التوقف، وكم من الوقت ستقف”.

ويصف موران أحد الأرستقراطيين من القرن التاسع عشر، وهو دوق بورتلاند، الذي بنى تحت بيته الفخم متاهة من الأنفاق طولها 15 ميلاً ليسير فيها تجنباً لمواجهة موظفيه. لكن ليس كل الخجولين انطوائيين.

وكما تشير باستمرار سوزان كين، مؤلفة كتاب “الهدوء”، فإن الخجل يختلف تماماً عن الانطوائية.

فبينما يحتاج الانطوائيون قضاء وقت وحدهم، دون أن يكترثوا لرأي الناس فيهم، (وتستخدم هنا بيل غيتس كمثال)، ربما يسعى الشخص الخجول إلى مخالطة الناس، لكنه يشعر بالتوتر والقلق من الطريقة التي ينظر بها الآخرون له.

بهذه الطريقة، من المحتمل تماماً أن تكون خجولاً ودوداً واجتماعياً، أي أن تخشى اهتمام الناس، وتسعى إليه في الوقت ذاته.

ويستعرض كتاب موران آفاق الخجل بالكامل. خذ على سبيل المثال ديرك بوغارد، الذي تعلم كيف يخفي مشاعره تجاه المضايقات التي كان يتعرض لها في المدرسة، مشبهاً نفسه بهيرمت كراب الذي اختبأ في قوقعة تائهة.

وقد كتب يقول: “كنت في مأمن من الحيوانات المفترسة، وبالحيوانات المفترسة أعني كل شخص قابلته”. وكان يأمل أن يتغلب على خجله عندما يكبر، لكنه وجد خجله علة تشعره بالشلل عندما يدخل غرفة مزدحمة بالناس، أو يذهب إلى مسرح، أو مطعم، أو مقهى.

وبينما يقوم بالتمثيل في حي المسارح في لندن، يكاد يتقيأ قبل كل عرض مسرحي، ويقول عن ذلك: “لا يمكنك أن تشعر بالخوف الذي أشعر به الآن وتظل على قيد الحياة”.

ويضيف: “ويقترب هذا الشعور من الشعور باقتراب الأجل، أو قرب الإعدام، وكل شيء آخر مررت به”. وكما يشير موران، لم يكن بوغارد يأخذ هذه الكلمات باستخفاف، فقد شارك في معارك بارزة بالحرب العالمية الثانية.

هناك أمثلة أخرى تشمل تشارلز داروين، (الذي كان يعتقد أنه لم يكن لديه ‘عُقد اجتماعية’، وأنه ‘متحدث سيء أمام الجمهور’، وكيرا نايتلي، (التي اكتشفت أن لسانها ينعقد في الحفلات)، والكاتب وطبيب الأعصاب أوليفر ساكس، والرئيس الفرنسي شارل ديغول، وحتى رمز الستينات الباريسي فرانسوا هاردي.

بعض هذه الشخصيات العامة ربما استفادت من شعورها بالحرية جراء التخفي وراء قناع. هذا الشعور بعدم الواقعية يساعد موران نفسه في التحدث أمام الجمهور، مع أن الخجل والقلق يعود بمجرد أن تشعر بأن شخصيتك الحقيقية تصبح مكشوفة. فبعض ‘البنفسج المنكمش’ ربما يزدهر فقط عندما يكون تحت بقعة الضوء.

من الواضح أن الخجل لا يمنع النجاح، ولكن هل له أي فوائد ملموسة؟ بعض علماء الأحياء ربما قالوا إن هذه المشاعر تأتي من سلوكيات سادت في فترة ما قبل التاريخ، وساعدت على استمرار الحياة البشرية.

وقد رسمت أبحاث حديثة عن شخصية الحيوان طبيعة اتصافه بـ”الجريء-الخجول”، وهي صفة في العديد من الحيوانات، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه من المناسب لبعض الأفراد أن يكونوا قلقين وخجولين.

فبينما تجد الحيوانات الأكثر جرأة هي من الإناث، ومن الحيوانات التي تأكل طعاماً أكثر، فإن الحيوانات الخجولة التي تنزوي إلى الجوانب، ربما تتجنب الهجوم، وكلا النوعين يجسد استراتيجية تطورية ناجحة بمقاييس علم التطور والارتقاء.

إذا كان الأمر كذلك، فإن نوعاً من الخجل البدائي يعد سمة أساسية وأولية جداً. ويشك موران في أن تكون القصة على هذا النحو، ويقول: “لا أعتقد أنك تستطيع الحديث عن الخجل بدون الكلام عما أطلق عليه داروين ‘الانتباه الذاتي'”.

بإمكاننا التفكير في أنفسنا، ونحن على وعي بأنه يمكن أن يكون هناك بشر آخرون يفكرون فينا. وطالما كنا نعيش مع مجموعات كبيرة، فعلينا أن نبدأ بالاهتمام بما يحمله الآخرون من أفكار عنا، حتى لو تسبب ذلك في مشاعر عدم الارتياح، مثل الشعور بالحرج، واحمرار الوجه خجلاً.

ويعتقد موران أن الخجل الذي يشعر به البشر مصاحب لمشاكل تتعلق باللغة، وهي أداة التواصل الآخذة في التوسع بلا نهاية، وغير الدقيقة أحيانا. ويضيف: “عندما تتكلم، فإن ذلك تعبير تقريبي عما تشعر به”.

ويصفنا موران بكيانات معزولة من الوعي لا نستطيع أن نفهم تماماً عقول الآخرين. ويضيف: “أعتقد أن ذلك صحيحا بالنسبة للجميع، لكن ربما يكون الناس الخجولون أكثر وعياً بذلك النقص”.

النتيجة يمكن أن تكون ما يطلق عليه (مرح الدرج، أو مرح السلم)، وهو الميل إلى مراجعة ما كان يجب أن نقوله في الغرفة قبل مغادرتها. إنه شعور محبط بطريقة مؤلمة لكن ربما يأتي مع ما يعوضه.

يقول موران: “الكثير من الكتابة والفن الذي أذكره في كتابي، كله ناتج عن مشهد أن الكلمة المنطوقة أو الاتصال وجهاً لوجه لم يكن على أفضل حال، أو أنه كان فاشلاً”.

وبدلاً من ذلك، يحاول الفنانون التعبير عما كان يمكن قوله في تلك اللحظة. ويضيف: “لا اقول أن ذلك هو الدافع الوحيد للفن والكتابة، لكنك تستطيع أن ترى كيف يمكن لهذا الأمر أن يكون مصدر إيحاء للكتاب والفنانين”.

وقد درس موران أيضاً الطرق المختلفة التي يعبر بها عن الخجل في الثقافات الأخرى. ويعد بحث ستانفورد حول الخجل استطلاعا للرأي يساعد علماء النفس على رؤية الفروق الفردية في الخجل. ويقول البحث إن بعض البلدان، بما فيها اليابان، وبريطانيا، والدنمارك، والسويد، والنرويج، وفنلندا، تتبوأ مركزاً أعلى من بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة، فيما يتعلق بصفة الخجل.

ومن الصعب القول ما إذا كان ذلك يعكس فروقاً حقيقية في المشاعر، طالما أن الكلمات المقابلة لكلمة الخجل في هذه اللغات ربما تحتوي على مضامين إيجابية (وربما أيضاً استحضار فكرة حياء التواضع على سبيل المثال)، والتي تعني أن الناس يكونون أكثر سعادة عندما يصفون أنفسهم بالخجل.

لكن بعض الثقافات تبدو بالتأكيد أكثر تسامحاً مع السلوك الخجول. الكثير من الحكماء الفنلنديين على سبيل المثال، يقدرون قيمة التفكر والتدبر، بعبارات من قبيل: “كلمة واحدة تكفي لخلق الكثير من المشاكل”، أو “الإيجاز فيه البلاغة”، أو “الكلب النابح لا يصطاد أرنباً”.

ويقول موران: “إذا ذهبت إلى فنلندا، فهناك قواعد سلوك مختلفة. هناك تقدير أكبر للصمت أثناء المحادثة”.

في بعض البلدان (خاصة الولايات المتحدة) يمكن تشخيص الخجل الآن كاضطراب نفسي، وهي خطوة أثارت قلق بعض علماء النفس الذين يعتقدون أن الخجل هو عبارة عن سلوك للتعامل مع، أو لتصحيح، أي شيء يقع خارج المعتاد.

ويتضمن كتاب “دي أس أم – أي في”، المعروف بأنه الكتاب المقدس لدى الأطباء النفسيين، أبوابا متعددة مثل الصمت الانتقائي (عدم القدرة على الكلام في حضور أحد الأشخاص).

ويشمل العلاج علاجاً نفسياً للمساعدة على الكلام، ودروسا في المهارات الاجتماعية، وصولا إلى أدوية ضد التوتر.

يقول موران: “لا أشعر بالارتياح تجاه ذلك، لأنني لا أضفي مسحة رومانسية على ما أشعر به من خجل. يمكن أن يكون ذلك أمراً منهكاً نوعاً ما، ويمكن أن يكون عبئاً ومصدراً للألم”.

ويتابع: “وهناك بالتأكيد أمثلة متطرفة للخجل الذي لا يستطيع معها أصحابه أن يعيشوا حياتهم. حيث يشكون من القلق الاجتماعي الشديد. لكنني أعتقد أن هناك اتجاهاً للتعامل طبياً مع الحالات التي تقع ضمن نطاق التجربة الإنسانية”.

بعد فراغه الآن من تأليف هذا الكتاب، أدرك موران أن الخجل ربما يكون أكثر شيوعاً مما كان يعرف في الماضي.

كثير من الناس الذين كانوا آخر من توقعهم، اعترفوا بشعورهم بالحرج الاجتماعي، أو الشعور بالضيق والارتباك بشكل منتظم.

ويقول موران: “إحدى الأخطاء التي يمكن أن ترتكبها عندما تكون خجولاً أن تعتقد أنك خارج عن المألوف في طريقة تفاعلك وتعاملك مع الناس، لكن بعض هذه المشاكل شائعة جداً”.

ربما وُلدت للتو حركة اجتماعية جديدة تحت اسم “الاعتزاز بالخجل” مع وجود موران كزعيم لها يتصف بالإحجام ودماثة الخلق.

(بي بي سي)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*