أصحاب الحسين…أفضل الشهداء
الشيخ وضاح الظالمي
قال الإمام الحسين(ع): (ما علمت أصحاباً خيراً من أصحابي)
هذه الكلمة المدوية التي أطلقها أبو عبد الله الحسين(ع) تحمل في ثناياها معاني كبيرة ودلالات عظيمة ففيها أوسمة وسم بها أبو الأحرار(ع) تلك الثلة المؤمنة من أصحابه والتي لم ير لها التاريخ مثيلا في الصبر والشجاعة وارخاص الأنفس في سبيل العقيدة.
فإذا تأملت جيداً في قوله(ع) (ما علمت) تجد أنها تشير إلى أن هؤلاء الأصحاب هم أفضل ما خلق الله من الأصحاب وذلك لأن علم الإمام المعصوم لا يختص بزمانه ولا بمكانه وإنما يشمل جميع الأزمنة والأمكنة التي خلقها الله تعالى وقد ورد ذلك في كثير من روايات أهل البيت(ع) نذكر منها روايتين.
الرواية الأولى: في الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني عن احمد بن محمد ومحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر عن عبد الله بن حماد عن سيف التمار قال: كنا مع أبي عبد الله(ع) جماعة من الشيعة في الحجر فقال: علينا عين؟ فالتفتنا يمنه ويسره فلم نر أحداً فقلنا: ليس علينا عين فقال: ورب الكعبة ورب البينة ـ ثلاث مرات ـ لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر(ع) أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله(ص) وراثة.
الرواية الثانية: في الكافي عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن محمد بن سفان عن يونس بن يعقوب عن الحارث بن المغيرة وعدة من أصحابنا منهم عبد الأعلى وأبو عبيدة وعبد الله بن بشر الخثعمي سمعوا أبا عبد الله(ع) يقول: إني لأعلم ما في السموات والأرض وأعلم ما في الجنة واعلم ما في النار واعلم ما كان وما يكون. قال: ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه فقال: علمت ذلك من كتاب الله عز وجل، أن الله عز وجل يقول: (فيه تبيان كل شيء).
فمن هاتين الروايتين نعرف أن مقولة الحسين(ع) يقصد فيها أن أصحابه هم أفضل الأصحاب على وجه الأرض. والسؤال الذي نطرحه في هذه الأمسية المباركة هو حول السبب الذي جعل أصحاب الحسين(ع) بهذه المنزلة العظيمة ويمكن لنا ان نرجع هذه الأفضلية إلى خمسة أسباب رئيسية:ـ
السبب الأول: تعلمون أيها الأخوة أن واقعة الطف حدثت في مطلع السنة 61 للهجرة وهذا يعني أن أصحاب الحسين(ع) عاشوا في الفترة الخصبة من حياة الرسالة المحمدية ونعني بالفترة الخصبة هي الفترة المحصورة بين هجرة النبي الأكرم(ص) إلى المدينة وبين استشهاد أمير المؤمنين(ع) ليلة الحادي عشر من رمضان لسنة 40 للهجرة. وقد سميت بالخصبة لعدة أسباب من أهمها ومما يتعلق بمحل كلامنا هو إن الخط الالهي الذي رسمته السماء خط النبوة والإمامة تسلم مقاليد الحكم وأصبح هو الحاكم والقائد وذلك في السنوات العشر الأولى عندما كان رسول الله(ص) هو الحاكم للمسلمين وكذلك في السنوات الأربع الأخيرة عندما أصبح أمير المؤمنين حاكماً للمسلمين وهذه الحاكمية والقيادة للرسول(ص) ولأمير المؤمنين(ع) كان لها الأثر الكبير في نفوس القلوب الطاهرة التي دخلت الإسلام لا لغرض دنيوي بل لأنها رأت فيه روح الحب والسماحة والإنسانية.
فعلى هذه القيادة الحقة والموقف الصلب لرسول الله(ص) ومن بعده أمير المؤمنين(ع) تربت تلك النفوس المؤمنة فكانت كقيادتها نفوس كبيرة تأبى الضيم ولا تنام على الذل وإنها بقدر المسؤولية عند الاعتماد عليها فقد ترى المواقف العظيمة لهما عند تعرض الإسلام إلى المنعطفات التاريخية الخطيرة التي تعرض لها والتي كادت تؤدي بالرسالة المحمدية لولا تلك الحنكة في التدبير لدى المعصوم(ع) مما حافظ فيه على بيضة الإسلام من الضياع والانحراف عن جادة الحق. وكمثال على قوة البصيرة في التدبير ما حصل عندما صار أمير المؤمنين(ع) ؟؟؟ على المسلمين فأنه ومنذ اللحظات الأولى قرر أن يعزل معاوية عن ولاية الشام ولم يتهاون أو يتهاون معه في هذا الأمر وأعلن أنه من أولى الأوليات التي يقوم بها هو عزله عن الولاية والتي انتهت بتلك الحرب التي انتصر بها أمير المؤمنين(ع) وأراد معاوية فيها الفرار لولا الخديعة التي قام بها وأهمية النفاق عمرو بن العاص برفع المصاحف التي أدت إلى إحداث الانشقاق في صفوف جيش الإمام علي(ع).
وشاهدنا في ذلك هو أن المتتبع لهذه الإحداث لو وضع نفسه مكان أمير المؤمنين(ع) لقرين وتوقف في عزل معاوية إلى أن يشتد ملكه فيقوم بعزله ولكن ذلك لا يجري ولا يكون عند أمير المؤمنين(ع) لأنه يمثل الخط غير المهاون وغير المخادع وأن موقفه واحد هو أما الرضا بفعل معاوية وعدم عزله وإما عزله مباشرة من دون تريث ومهادنة. فعلى هذه الحال تربت نفوس أصحاب الحسين(ع) أي على عدم المهادنة وصلابة الموقف ووحدته وهو إعلان لعدم الرضا بالظلم والطغيان والوقوف إلى جانب الحق عند الشدة واصطكاك الأسنة ولن يقبلوا لذلك بديلاً مهما كان.
السبب الثاني: أن أصحاب الحسين(ع) على الرغم من تنوعهم من حيث المذهب ومن حيث الوجاهة عند الناس إلا أن يشتركون في صفة الصدق مع أنفسهم فكانوا واضحين وصادقين عندما يرجعون إلى أنفسهم.
فيعضهم كان قد حدد موقفه منذ سنوات عديدة بل انه يعلم أنه سيقتل في طف كربلاء قبل عشرات السنين أمثال حبيب بن مظاهر الاسدي فقد وطن نفسه على الاستشهاد مع الحسين(ع) إذ أن الرواية التي نقلها الشيخ ابوعمرو الكشي(رض) في رجاله تقول: مرَّ ميثم التمار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الاسدي عند مجلس بني أسد فتحدثا حتى اختلفت أعناق فرسيهما ثم قال حبيب: لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صُلب في حب أهل البيت(ع) تبقر بطنه على الخشبة. فقال ميثم: وإني لأعرف رجلاً أحمر له ظفيرتان يخرج لنصرة ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه بالكوفة ثم افترقا. فحبيب كان صادقا مع نفسه وحدد موقفه من أول الأمر. وبعضهم تأخر في تحديد موقفه مع الحسين(ع) إذ انه انضم إلى معسكر الحسين(ع) متأخراً فقد كان عثماني الهوى وقد جاء من الحج مع عائلته وأصحابه وكان يتحاشى أن ينزل في مكان قريب من الحسين(ع) ولكن القدر اجبره أن ينزل على مشارف الكوفة في المكان الذي نزل فيه ركب الحسين(ع) فبعث الحسين(ع) رسوله إلى زهير فجاءه وطلب منه ان يحل ضيفاً على الحسين(ع) فعندما أتم الرسول كلامه سكت القوم وكأن على رؤوسهم الطير ولم يتكلم أحد إلا امرأته وهي دلهم بنت عمرو فقالت له: اجب داعي بنت رسول الله(ص) وعندما جاء إلى الحسين(ع) لم يبذل الحسين(ع) جهداً كبيراً في إقناعه بالانضمام إليه سوى أنه ذكره بموقف كان قد نسيه زهير بن القين.
وهذا الموقف هو عند انتصار جيش المسلمين في معركة حدثت في مدينة بلنجر (وهي مدينة في بلاد الخزر عند باب الأبواب) فبعد أن فرحوا بالغنائم قال لهم سلمان المحمدي(رض) أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم فقلنا: نعم، فقال: إذا أدركتم سيد شباب آل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم.
ويتضيق وقت النصرة إلى أن يصل إلى دقائق معدودة نشبت الحرب وقتل من قتل من أصحاب الحسين وأصبح الموقف أكثر حراجة تحرك بعض من كان مع جيش الضلال إلى جيش الحسين(ع) من أمثال النصرانيان والحر بن يزيد الرياحي وهذا التحول ليس وليد ساعته من حيث الوعي والفكر ولكن ذلك الوعي كان محتاجاً إلى الموقف الحرج الذي ينطلق فيه فمن انتقل إلى جيش الحسين(ع) كان عازماً على عدم قتال الحسين(ع) من أول الأمر ومما يدل على ذلك بعض اللمحات من قصة الحر بن يزيد الرياحي حيث أنه صرح بذلك في مواقف ثلاثة:
الأول: على مشارف الكوفة عندما قال له الحسين(ع): ثكلتك أمك ما تريد؟ قال له الحر: إني لم أوثر بقتالك إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقاً لايدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة. وهذا الرأي يعتبر خيانة لعبيد الله بن زياد ولكنه قام به كي لا يصطدم مع الحسين.
الثاني: قول الحر للحسين(ع): فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك.
الثالث: عندما أقبل أربعة من أهل الكوفة لنصرة الحسين(ع) على مرأى ومسمع من الحر وجيشه دار الكلام في شأن قبولهم بين الحر والحسين(ع) ولكن عندما قال الحسين(ع): هم أصحابي فأن بقيت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك فعند ذلك قبل الحر بانضمامهم إلى معسكر الحسين(ع) خوفاً من مناجزته.
أفكان الحر(رض) صادقاً مع نفسه من أول الأمر ولكنه أظهر ذلك عندما وقعت المعركة فترك قيادة تميم وهمدان واصطف مع معسكر الحسين(ع).
السبب الثالث: قوة العزيمة لدى أصحاب الحسين(ع) نتيجة قوة الخطاب الحسيني والتأثير الكبير له في نفوسهم، فقد كانت خطابات الحسين(ع) الكثيرة والمركزة تزيد من إصرارهم وعزيمتهم وكانت بقوة وبلاغة عاليتين جداً حتى أنه قال عنها أحد الأدباء (وصلت خطابات الحسين(ع) المتعلقة بالواقعة حداً فاقت فيه كلام سيد البلغاء أمير المؤمنين(ع)). ولا عجب في ذلك فأن صوت الحسين(ع) بقي مدوياً إلى هذا اليوم يتلذذ بسماعه أحرار العالم فكأنه اليوم قد قاله وكأنه اليوم اسمعه يقول: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه. كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان ؟؟؟ بين ؟؟؟ وكربلا فيملأن مني أكراشاً ؟؟؟ واجربه ؟؟؟ لا محيص عن يوم خط بالقلم وصفا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا اجود الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حضيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده من كان باذلاً فينا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فاني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى).
ففي هذه الخطبة نعى الحسين(ع) نفسه ثم أعلن فيها الثورة.
ثم بين(ص) الدليل الشرعي لثورته حتى لا يترك مجالاً للشك في مشروعيتها فقال(ع): (أن رسول الله(ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله(ص) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله إلا وأن هؤلاء قد لزموا إطاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وإني أحق بهذا الأمر ـ أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ لقرابتي من رسول الله(ص))
فهذه الكلمات العظيمة بعثت روح العزيمة في أصحاب الحسين(ع) مما جعلتهم يتسابقون على الموت دونه.
السبب الرابع: هو أن أصحاب الأنبياء وأصحاب الأوصياء قد خاضوا المعارك وهم يأملون أن يفوزوا بإحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة فكان احتمال النصر والحفاظ على النفس كبيراً بل يتحقق النصر في كثير من الأحيان.
وقد أشاء القرآن الكريم إلى أن أصحاب الأنبياء وضعوا أمامهم احتمال النصر في عدة مواضع.
الأول: قوله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ ِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اهِ ك وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاهَُك يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (آل عمران 146، 147).
الثاني: ما ذكره من قصة داود(ع) فقال تعالى: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اهِا كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اهِ د وَاهُ) مَعَ الصَّابِرِينَ {249} وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) الآيتين 249، 250 من سورة البقرة.
الثالث: قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اهَِأ أَلا إِنَّ نَصْرَ اهِ م قَرِيبٌ) البقرة 214.
ولا يختلف الحال بالنسبة إلى أصحاب الإمام الحجة بن الحسن ـ أرواحنا لتراب مقدمة الفداء ـ فهم موعودون بالنصر على أعدائهم بل أنه حتمي لهم وذلك لأن الله وعدهم بالنصر في عدة مواطن والله لا يخلف الميعاد.
الأول: قال تعالى: (وَعَدَ اهُم الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) النور الآية 55.
فقد روى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين(ع) أنه قرأ الآية وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل ذلك بهم على يدي رجل منا وهو مهدي هذه الأمة. وهو الذي قال رسول الله(ص) لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي أسمه أسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وروي ذلك عن ابي جعفر وأبي عبد الله(ع). وقال العلامة الطباطبائي في هذه الآية: (فالحق أن الآية إن أعطيت معناها لم تنطبق إلا على المجتمع الموعود الذي سينعقد بظهور المهدي(ع)).
الثاني: قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الانبياء:105. ففي تفسير القمي قال: القائم واصحابه.
الثالث: قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) القصص:5.
ففي معاني الأخبار عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إن رسول الله(ص) نظر الى علي والحسن والحسين(ع) فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي. قال المفضل فقلت له: ما معنى ذلك؟ قال: معناه إنكم الأئمة بعدي إن الله عز وجل يقول: (ونريد… ) فهذه الآية جارية فينا الى يوم القيامة. وغير هذا الكثير من الآيات التي اعرضنا عنها اختصاراً والتي تشير إلى أن نصرة أصحاب الإمام الحجة على أعدائهم هو من القدر المحتوم الذي لا يتبدل ولا يتغير.
ولكننا إذا رجعنا إلى أصحاب الحسين(ع) نجد أن الحسين(ع) لم يعدهم بالنصر مطلقاً. فأننا لو تابعنا مسيرة الحسين(ع) نجد أنه يكرر في كل مناسبة أنهم يتجهون صوب المنية ولا بديل عن المنية، فهم متيقنون أنهم سيقتلون جميعاً ولا أحد ينجو من تلك المعركة ولم يضعوا في حساباتهم احتمال النصر ونجاة الأنفس من الموت. ويتضح ذلك أكثر عندما نعرف أن الحسين(ع) خرج من مكة ومعه أكثر من 3000 مقاتل ولكن صراحة الحسين(ع) مع جيشه في أنهم سيقتلون جميعاً لم يبق معهم سوى هذه الثلة القليلة. ولا نجد صراحة أكثر من قوله(ع) عند خروجه من مكة: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة) وقوله(ع): (إن الله قد أذن في قتلكم وقتلي).
وفرق كبير بين من يدخل إلى ساحة المعركة وهو متيقن بالموت وبين من يدخل وهو واضع احتمال النصر أمامه.
السبب الخامس: صعوبة الاختبارات التي مرّ بها أصحاب الحسين(ع).
فان أصحاب الرسل والأنبياء قاتلوا مع أنبيائهم ضد الكفر والباطل في حال كان فيه الباطل واضحاً فقد كان الخصم معلناً ومتجاهراً بضلاله وكفره أي أن الباطل كان متميزاً وواضحاً فلم يتردد أحد مثلاً أن فرعون أو جالوت أو قريش كانوا على الكفر. وحتى في أصحاب أمير المؤمنين(ع) فبالرغم من أن معاوية كان يدعي الإسلام والحق إلا أن أمير المؤمنين(ع) كان وقتذاك هو الخليفة والحاكم لبلاد المسلمين فكانت الصورة هي أن أمير المؤمنين(ع) هو الخليفة وأن معاوية هو الباغي والخارج على إمام زمانه وهو الذي مرق عن الدين.
وأما في أصحاب الحسين(ع) فقد كانت الصورة ضبابية وغامضة عند أغلب المسلمين فأن الدولة الأموية في جميع بلدان الإسلام كان تثقف على أن خليفة رسول الله(ص) هو يزيد بن معاوية وأن الحسين(ع) خرج ليشق عصا المسلمين فكانوا يصورون أن يزيد هو إمام زمانه وأن الحسين(ع) قد خرج على إمام زمانه.
وقد أثير لغط شديد حتى في أوساط الموالين لعلي(ع) حول مشروعية قيام الحسين(ع) بالثورة على يزيد وامتنع البعض عن النصرة بحجة أن القضية شخصية تختص بالحسين(ع) فقط فهو لا يريد أن يبايع يزيد فهاجروا إلى بلدان اليمن ومصر والبصرة لكي لا يأخذ يزيد عليهم البيعة. فكانت العقبة كبيرة جداً وكان التردد في نصرة الحسين وارد جداً وقد صدر من بعض أصحاب أمير المؤمنين(ع) مما يكون سبباً في تثبيط العزيمة لمن يريد أن ينصر الحسين(ع) ولكنهم تجاوزوا هذه العقبة الكؤود وأصروا على الجهاد بين يدي الحسين ومما زاد في إصرارهم خطبة الحسين(ع) على مشارف الكوفة التي بين فيها مشروعية الثورة وأن الحسين(ع) ليس هو الوحيد الذي شرع في حقه الجهاد فأن الرواية التي نقلها عن رسول الله(ص) كانت شاملة بقوله(ص): (من رأى سلطاناً) فكان تكليف كل من كان في ذلك الزمان هو الجهاد تحت راية الحسين.
وفعلاً أرخصت تلك الجماعة المؤمنة دمائها في سبيل الحسين(ع) ونالت شرف الشهادة بين يدي سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله(ص) ولم يقبلوا إلا أن يستشهدوا قبل أهل بيته فكان حقاً على التاريخ أن يخلدهم وكأنهم كانوا أمام الشاعر الذي قال:
قوم إذا نودوا لكشف ملمة والقوم بين مدعس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا يتسابقون على ذهاب الانفس
فسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته.
المصدر: مجلة ينابيع – العدد 28
س ف