الحكمة – متابعة: إذا شاهدت عن قرب مومياء “أوتزي” التي عثر عليها متجمدة في جبال الألب ويعود عمرها لأكثر من 5 آلاف عام، ستلاحظ حتما أن على الجلد بقعا وقطعا صغيرة باللون الأزرق.
يبدو في البداية أن هذه التكاوين البلورية الغريبة التي تتخذ اللون الأزرق هي جزء لا يتجزأ من جلد المومياء جراء التجمد حتى الموت أو بسبب كدمة أو صدمة، ولكنها في الواقع عبارة عن معدن يسمى الـ”vivianite” (الفيفيانيت أو حجر الحديد الأزرق)، ويحدث هذا التشكيل في كثير من الأحيان للجثث التي تُترك في بيئات غنية بالحديد.
ووفقاً لكريس درادج من موقع “أطلس أوبسكورا”، دفن رجل يدعى جون وايت في تابوت من الحديد الزهر (يسمى أيضا الحديد الصَّب) في عام 1861، وفي تلك الفترة كانت غالبية التوابيت تحتوي على نافذة ليرى من خلالها أفراد الأسرة فقيدهم. وبعد مضي فترة على دفنه انكسرت تلك النافذة مما سمح للمياه الجوفية بالدخول إلى التابوت الحديدي والتفاعل مع الجثة.
وبعد عقد من الزمن تم إخراج جثة وايت بسبب بعض التغييرات في الأرض التي كان مدفونا فيها ، ليكون هذا الأمر بمثابة الصدمة للجميع حيث وجدت جثته مغطاة تماما باللون الأزرق الذي تكوّنه بلورات كبيرة من “الفيفيانيت” الأزرق تشكلت في كامل أجزاء جسم وايت وداخل التابوت.
كما عثر على “الفيفيانيت” إياه في رفات الجنود الأمريكيين الذين لقوا حتفهم في حادث تحطم طائرة في فيتنام، حيث يرجح أن التربة التي دفن فيها الجنود كانت رطبة وكانوا بمحاذاة بقايا الطائرة ما سمح بتشكل هذا المعدن الأزرق.
وهذه ليست سوى أمثلة قليلة مما شهده علماء الآثار عن هذا المعدن الغريب الذي ينمو على الجثث. ولتنامي ” الفيفيانيت” على جثث الموتى علاقة بكيفية تفاعل الفوسفات مع الحديد والماء فيما تتكون أجسامنا من العديد من الجزيئات المختلفة، والأكثر أهمية بالنسبة لـ “الفيفيانيت” هو الفوسفات الذي يتواجد في كامل الجسم.
فيعد الفوسفات أحد المكونات الرئيسية للهيكل العظمي، وهو يوفر القوة المعدنية للعظام، كما أنه جزء لا يتجزأ من الأحماض النووية، فهو بمثابة مُنظِّم في العظام والدم والبول. لذلك عندما تبدأ جثة شخص ما بالتحلل فإن هذا الفوسفات يبدأ بالتسرب إلى خارج الجسم ليتصل بالبيئة التي حوله، وإذا كانت تلك البيئة رطبة ومليئة بالحديد فسيتفاعل الفوسفات مع الجزيئات الأخرى ليتشكل معدن “الفيفيانيت”.
في المرحلة الأولى ستكون البلورات بلا لون ولكن عندما تتفاعل فيما بعد مع الأوكسيجين الموجود في الهواء فإنها سرعان ما تتحول إلى اللون الأزرق بمختلف تدرجاته، ما يخلق مشهدا غريبا لذاك الذي يعثر على جثة مغطاة بهذا المعدن.
ويمكن أن يكون ” الفيفيانيت” شيئا جيدا او سيئا على حد سواء للباحثين الذين يجهدون لمعرفة المزيد عن الجثث التي يتواجد فيها، وقد تؤدي هذه التشكيلات إلى فهم أفضل لكيفية دفن الجثة ونوعية العناصر المحيطة بها وسط التربة، كما يمكنها أيضا حماية ما تبقى من الجسم من الإضمحلال.