الإمام الثالث سبط رسول الله وريحانته سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام

376

5624b3e48097f

أمه
أمه فاطمة بنت رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله.
مولده الشريف
ولد بالمدينة في الثالث من شعبان و قيل لخمس خلون منه سنة ثلاث أو أربع من الهجرة و روى الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن إسحاق الثقفي بسنده عن قتادة أن ولادته لست سنين و خمسة أشهر و نصف من التاريخ (اه) و قيل ولد في أواخر ربيع الأول و قيل لثلاث أو خمس خلون من جمادى الأولى و المشهور المعروف أنه ولد في شعبان و كانت مدة حمله ستة أشهر.
و لما ولد جي‏ء به إلى رسول الله صلى ‏الله ‏عليه ‏وآله فاستبشر به و أذن في أذنه اليمنى و أقام في اليسرى فلما كان اليوم السابع سماه حسينا و عق عنه بكبش و أمر أن تحلق رأسه و تتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن فامتثلت ما أمرها به و عن الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش أن رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله سمى حسنا و حسينا يوم سابعهما و اشتق اسم حسين من اسم حسن. (اه)
و روى الحاكم في المستدرك و صححه بسنده عن أبي رافع رأيت رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة (و بسنده) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي عليه ‏السلام و صححه أن رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله أمر فاطمة فقال زني شعر الحسين و تصدقي بوزنه فضة و أعطي القابلة رجل العقيقة. (و بسنده) أن رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله عق عن الحسن و الحسين يوم السابع و سماهما و أمر أن يماط عن رءوسهما الأذى.و بسنده عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال عق رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله عن الحسين بشاة و قال يا فاطمة احلقي رأسه و تصدقي بزنة شعره فوزناه و كان وزنه درهما و بسنده أن النبي صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله عق عن الحسن و الحسين عن كل واحد منهما كبشين اثنين مثليين متكافيين.

شهادته و مدة عمره
قتل عليه‏ السلام شهيدا في كربلاء من أرض العراق عاشر المحرم سنة 61 من الهجرة بعد الظهر مظلوما ظمآن صابرا محتسبا. قال المفيد يوم السبت و الذي صححه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين أنه استشهد يوم الجمعة قال و كان أول المحرم الأربعاء استخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات تنضاف إليه الرواية.أما ما تعارفه العوام من أنه قتل يوم الإثنين فلا أصل له و لا وردت به رواية (اه) و كان عمره عليه‏ السلام يوم قتل «56 سنة و خمسة أشهر و سبعة أيام أو خمسة أيام أو تسعة أشهر و عشرة أيام أو ثمانية أشهر و سبعة أيام أو خمسة أيام« أو «57 سنة« بنوع من التسامح بعد السنة الناقصة سنة كاملة أو «58 سنة« أو «55 سنة و ستة أشهر« على اختلاف الروايات و الأقوال المتقدمة في مولده و غيرها.
و من الغريب قول المفيد إن عمره الشريف «58 سنة« مع ذكره أن مولده لخمس خلون من شعبان سنة أربع و شهادته كما مر فإن عمره على هذا يكون «56 سنة و خمسة أشهر و خمسة أيام« .عاش منها مع جده رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله ست سنين أو سبع سنين و شهورا و قال المفيد سبع سنين و مع أبيه أمير المؤمنين 37 سنة قاله المفيد و مع أبيه بعد وفاة جده صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله 30 سنة إلا أشهرا و مع أخيه الحسن 47 سنة قاله المفيد و مع أخيه بعد وفاة أبيه نحو عشر سنين و قال المفيد إحدى عشرة سنة و قيل خمس سنين و أشهرا للاختلاف في وفاة الحسن عليه‏ السلام و هي مدة خلافته و إمامته.

كنيته و لقبه و نقش خاتمه و شاعره و ملوك عصره
كنيته: أبو عبد الله لقبه: الرشيد و الوفي و الطيب و السيد الزكي و المبارك و التابع لمرضاة الله و الدليل على ذات الله و السبط و أعلاها رتبة ما لقبه به جده صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله في قوله عنه و عن أخيه الحسن أنهما سيدا شباب أهل الجنة و كذلك السبط لقوله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله حسين سبط من الأسباط.
نقش خاتمه: في الفصول المهمة : »لكل أجل كتاب« و في الوافي و غيره عن الصادق عليه‏ السلام »حسبي الله« و عن الرضا عليه‏ السلام »أن الله بالغ أمره« و لعله كان له عدة خواتيم هذه نقوشها.
شاعره: يحيى بن الحكم و جماعة.
ملوك عصره: معاوية و ابنه يزيد .

أولاده
له من الأولاد ستة ذكور و ثلاث بنات. علي الأكبر شهيد كربلاء أمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية. علي الأوسط. علي الأصغر زين العابدين أمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس و معنى شاه زنان بالعربية ملكة النساء. و قال المفيد: الأكبر زين العابدين و الأصغر شهيد كربلاء و المشهور الأول.و محمد .و جعفر مات في حياة أبيه و لم يعقب أمه قضاعية.و عبد الله الرضيع جاءه سهم و هو في حجر أبيه فذبحه.و سكينة أمها و أم عبد الله الرضيع الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم ، كلبية معدية.و فاطمة أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله تيمية.و زينب . و الذكر المخلد و الثناء المؤبد لعلي زين العابدين عليه‏ السلام و منه عقبه.

مناقبه عليه ‏السلام
مر الكلام على جملة مما يشترك فيه مع أخيه الحسن عليه‏ السلام في سيرة الحسن فأغنى عن إعادته.

كرمه و سخاؤه عليه ‏السلام
دخل الحسين عليه‏ السلام على أسامة بن زيد و هو مريض و هو يقول وا غماه فقال و ما غمك قال ديني و هو ستون ألف درهم فقال هو علي قال إني أخشى أن أموت قبل أن يقضى قال لن تموت حتى أقضيها عنك فقضاها قبل موته.و لما أخرج مروان الفرزدق من المدينة أتى الفرزدق الحسين عليه‏ السلام فأعطاه الحسين أربعمائة دينار فقيل له إنه شاعر فاسق فقال إن خير مالك ما وقيت به عرضك و قد أثاب رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله كعب بن زهير و قال في العباس ابن مرداس اقطعوا لسانه عني.و روى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن سائلا خرج يتخطى أزقة المدينة حتى أتى باب الحسين فقرع الباب و أنشا يقول:
لم يخب اليوم من رجاك و من حرك من خلف بابك الحلقه
‏فأنت ذو الجود أنت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقة
و كان الحسين واقفا يصلي فخفف من صلاته و خرج إلى الأعرابي فرأى عليه أثر ضر و فاقة فرجع و نادى بقنبر فأجابه لبيك يا ابن رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله قال ما تبقى معك من نفقتنا؟قال مائتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك فقال هاتها فقد أتى من هو أحق بها منهم فأخذها و خرج يدفعها إلى الأعرابي و أنشا يقول:
خذها فإني إليك معتذر و اعلم بأني عليك ذو شفقه
‏لو كان في سيرنا الغداة عصا كانت سمانا عليك مندفقه‏
لكن ريب الزمان ذو نكد و الكف منا قليلة النفقه
فأخذها الأعرابي و ولى و هو يقول:
مطهرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور
من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في جميع الناس مفتخر
و في تحف العقول : جاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة فقال يا أخا الأنصار صن وجهك عن بذلة المسألة و ارفع حاجتك في رقعة فإني آت فيها ما هو سارك إن شاء الله فكتب يا أبا عبد الله إن لفلان علي خمسمائة دينار و قد ألح بي فكلمه أن ينظرني إلى ميسرة فلما قرأ الحسين عليه‏ السلام الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة فيها ألف دينار و قال له: أما خمسمائة فاقض بها دينك و أما خمسمائة فاستعن بها على دهرك، و لا ترفع حاجتك إلا إلى ثلاثة إلى ذي دين أو مروءة أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه، و أما ذو المروءة فإنه يستحيي لمروءته، و أما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك.

رأفته بالفقراء و المساكين و إحسانه إليهم
وجد على ظهره عليه‏ السلام يوم الطف أثر فسئل زين العابدين عليه‏ السلام عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل و اليتامى و المساكين.

تواضعه
مر عليه‏ السلام بمساكين و هم يأكلون كسرا على كساء فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم و قال لو {لا} أنه صدقة لأكلت معكم ثم قال قوموا إلى منزلي فأطعمهم و كساهم و أمر لهم بدراهم.
و روى ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه عليه‏ السلام مر بمساكين يأكلون في الصفة فقالوا الغداء فنزل و قال إن الله لا يحب المتكبرين فتغدى ثم قال لهم قد أجبتكم فأجيبوني قالوا نعم فمضى بهم إلى منزله و قال للرباب خادمته اخرجي ما كنت تدخرين (اه) .

حلمه
جنى غلام له جناية توجب العقاب فأمر بضربه فقال يا مولاي و الكاظمين الغيظ قال خلوا عنه، فقال يا مولاي و العافين عن الناس قال قد عفوت عنك، قال يا مولاي و الله يحب المحسنين قال أنت حر لوجه الله و لك ضعف ما كنت أعطيك.

فصاحته و بلاغته عليه ‏السلام
ربي الحسين عليه‏ السلام بين رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله أفصح من نطق بالضاد و أمير المؤمنين عليه‏ السلام الذي كان كلامه بعد كلام النبي صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق و فاطمة الزهراء التي تفرغ عن لسان أبيها صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله فلا غرو إن كان أفصح الفصحاء و أبلغ البلغاء و هو الذي كان يخطب يوم عاشوراء و قد اشتد الخطب و عظم البلاء و ضاق الأمر و ترادفت الأهوال فلم يزعزعه ذلك و لا اضطرب و لا تغير و خطب في جموع أهل الكوفة بجنان قوي و قلب ثابت و لسان طلق ينحدر منه الكلام كالسيل فلم يسمع متكلم قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه و هو الذي قال فيه عدوه و خصمه في ذلك اليوم: ويلكم كلموه فإنه ابن أبيه و الله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع و لما حصر.

إباؤه للضيم
أما إباؤه للضيم و مقاومته للظلم و استهانته القتل في سبيل الحق و العز فقد ضربت به الأمثال و سارت به الركبان و ملئت به المؤلفات و خطبت به الخطباء و نظمته الشعراء و كان قدوة لكل أبي و مثالا يحتذيه كل ذي نفس عالية و همة سامية و منوالا ينسج عليه أهل الإباء في كل عصر و زمان و طريقا يسلكه كل من أبت نفسه الرضا بالدنية و تحمل الذل و الخنوع للظلم، و قد أتى الحسين عليه‏ السلام في ذلك بما حير العقول و أذهل الألباب و أدهش النفوس و ملأ القلوب و أعيا الأمم عن أن يشاركه مشارك فيه و أعجز العالم أن يشابهه أحد في ذلك أو يضاهيه و أعجب به أهل كل عصر و بقي ذكره خالدا ما بقي الدهر، أبى أن يبايع يزيد بن معاوية السكير الخمير صاحب الطنابير و القيان و اللاعب بالقرود و المجاهر بالكفر و الإلحاد و الاستهانة بالدين.
قائلا لمروان و على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، و لأخيه محمد بن الحنفية : و الله لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، في حين أنه لو بايعه لنال من الدنيا الحظ الأوفر و النصيب الأوفى و لكان معظما محترما عنده مرعي الجانب محفوظ المقام لا يرد له طلب و لا تخالف له إرادة لما كان يعلمه يزيد من مكانته بين المسلمين و ما كان يتخوفه من مخالفته له و ما سبق من تحذير أبيه معاوية له من الحسين فكان يبذل في إرضائه كل رخيص و غال، و لكنه أبى الانقياد له قائلا: إنا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة بنا فتح الله و بنا ختم و يزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة و مثلي لا يبايع مثله، فخرج من المدينة بأهل بيته و عياله و أولاده، ملازما للطريق الأعظم لا يحيد عنه، فقال له أهل بيته: لو تنكبته كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب، فأبت نفسه أن يظهر خوفا أو عجزا و قال: و الله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، و لما قال له الحر : أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، أجابه الحسين عليه‏ السلام مظهرا له استهانة الموت في سبيل الحق و نيل العز، فقال له: أ فبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، و سأقول كما قال أخو الأوس و هو يريد نصرة رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله فخوفه ابن عمه و قال: أين تذهب فإنك مقتول: فقال:
سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما
أقدم نفسي لا أريد بقاءها لتلقي خميسا في الوغى و عرمرما
فإن عشت لم أندم و إن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش فترغما
يقول الحسين عليه ‏السلام : ليس شأني شأن من يخاف الموت ما أهون الموت علي في سبيل نيل العز و إحياء الحق ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة، و ليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه، أ فبالموت تخوفني هيهات طاش سهمك و خاب ظنك لست أخاف الموت إن نفسي لأكبر من ذلك و همتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت و هل تقدرون على أكثر من قتلي مرحبا بالقتل في سبيل الله و لكنكم لا تقدرون على هدم مجدي و محو عزي و شرفي فإذا لا أبالي بالقتل.و هو القائل: موت في عز خير من حياة ذل، و كان يحمل يوم الطف و هو يقول:
الموت خير من ركوب العار و العار أولى من دخول النار
و لما أحيط به بكربلاء و قيل له: أنزل على حكم بني عمك، قال: لا و الله!لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أقر إقرار العبيد، فاختار المنية على الدنية و ميتة العز على عيش الذل، و قال: إلا أن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و جدود طابت و حجور طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.أقدم الحسين عليه‏ السلام على الموت مقدما نفسه و أولاده و أطفاله و أهل بيته للقتل قربانا وفاء لدين جده صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله بكل سخاء و طيبة نفس و عدم تردد و توقف قائلا بلسان حاله:
إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني

شجاعته
أما شجاعته فقد أنست شجاعة الشجعان و بطولة الأبطال و فروسية الفرسان من مضى و من سيأتي إلى يوم القيامة، فهو الذي دعا الناس إلى المبارزة فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة، و هو الذي قال فيه بعض الرواة: و الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جاشا و لا أمضى جنانا و لا أجرأ مقدما منه و الله ما رأيت قبله و لا بعده مثله و إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه و عن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب، و لقد كان يحمل فيهم فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، و هو الذي حين سقط عن فرسه إلى الأرض و قد أثخن بالجراح، قاتل راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية و يفترص العورة.و يشد على الشجعان و هو يقول: أ علي تجتمعون، و هو الذي جبن الشجعان و أخافهم و هو بين الموت و الحياة حين بدر خولي ليحتز رأسه فضعف و أرعد.و في ذلك يقول السيد حيدر الحلي :
عفيرا متى عاينته الكماة يختطف الرعب ألوانها
فما أجلت الحرب عن مثله قتيلا يجبن شجعانها
و هو الذي صبر على طعن الرماح و ضرب السيوف و رمي السهام حتى صارت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ و حتى وجد في ثيابه مائة و عشرون رمية بسهم و في جسده ثلاث و ثلاثون طعنة برمح و أربع و ثلاثون ضربة بسيف.

أهل بيته
أما أهل بيته من أبنائه و أخواته و بني أخيه و بني عمه فكانوا خيرة أهل الأرض وفاء و إباء و شجاعة و إقداما و علو همم و شرف نفوس و كرم طباع، أبوا أن يفارقوه و قد أذن لهم و فدوه بنفوسهم بذلوا دونه مهجهم و قالوا له لما أذن لهم بالانصراف: و لم نفعل ذلك لبقي {لنبقى} بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا، و لما قال لبني عقيل : حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم ، اذهبوا فقد أذنت لكم، قالوا: سبحان الله!فما يقول الناس لنا، و ما نقول لهم إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الأعمام و لم نرم معهم بسهم و لم نطعن معهم برمح و لم نضرب معهم بسيف و لا ندري ما صنعوا، لا و الله ما نفعل، و لكنا نفديك بأنفسنا و أحوالنا {أموالنا} و أهلينا و نقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك، فقتلوا جميعا بين يديه مقبلين غير مدبرين، و هو الذي كان يقول لهم، و قد حمي الوطيس و احمر البأس مبتهجا بأعمالهم: صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي فو الله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا.فلله درهم من عصبة رفعوا منا الفخر و لبسوا ثياب العز غير مشاركين فيها و تجلببوا جلباب الوفاء، و ضمخوا أعوام الدهر بعاطر ثنائهم و نشروا راية المجد و الشرف تخفق فوق رءوسهم، و جلوا جيد الزمان بأفعالهم الجميلة، و أمسى ذكرهم حيا مدى الأحقاب و الدهور مالئا المشارق و المغارب و نقشوا على صفحات الأيام سطور مدح لا تمحى و إن طال العهد و عاد سنا أنوارهم يمحو دجى الظلمات و يعلو نور الشمس و الكواكب.

أصحابه
و أما أصحابه فكانوا خير أصحاب فارقوا الأهل و الأحباب و جاهدوا دونه جهاد الأبطال و تقدموا مسرعين إلى ميدان القتال قائلين له أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا و وجوهنا يضاحك بعضهم بعضا قلة مبالاة بالموت و سرورا بما يصيرون إليه من النعيم، و لما أذن لهم في الانصراف أبوا و أقسموا بالله لا يخلونه أبدا و لا ينصرفون عنه قائلين أ نحن نخلي عنك و قد أحاط بك هذا العدو و بم نعتذر إلى الله في أداء حقك، و بعضهم يقول لا و الله لا يراني الله أبدا و أنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي و أضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و لم أفارقك أو أموت معك و بعضهم يقول و الله لو علمت إني أقتل فيك ثم أحيا ثم أحرق حيا يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك و بعضهم يقول و الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة و أن الله يدفع بذلك القتل عنك و عن أهل بيتك و بعضهم يقول أكلتني السباع حيا إن فارقتك و لم يدعو أن يصل إليه أذى و هم في الأحياء و منهم من جعل نفسه كالترس له ما زال يرمي بالسهام حتى سقط و أبدوا يوم عاشوراء من الشجاعة و البسالة ما لم ير مثله فأخذت خيلهم تحمل و إنما هي اثنان و ثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من خيل الأعداء إلا كشفته.

إقامة الذكرى لقتل الحسين عليه ‏السلام و البكاء عليه كل عام
قد قضى العقل و الدين باحترام عظماء الرجال أحياء و أمواتا و تجديد الذكرى لوفاتهم و شهادتهم و إظهار الحزن عليهم لا سيما من بذل نفسه و جاهد حتى قتل لمقصد سام و غاية نبيلة و قد جرت على ذلك الأمم في كل عصر و زمان و جعلته من أفضل أعمالها و أسنى مفاخرها فحقيق المسلمين {بالمسلمين} بل جميع الأمم أن يقيموا الذكرى في كل عام للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فإنه من عظماء الرجال و أعاظمهم في نفسه و من الطراز الأول جمع أكرم الصفات و أحسن الأخلاق و أعظم الأفعال و أجل الفضائل و المناقب علما و فضلا و زهادة و عبادة و شجاعة و سخاء و سماحة و فصاحة و مكارم أخلاق و إباء للضيم و مقاومة للظلم.
و قد جمع إلى كرم الحسب شرف العنصر و النسب فهو أشرف الناس أبا و أما و جدا و جدة و عما و عمة و خالا و خالة جده رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله سيد النبيين و أبوه علي أمير المؤمنين و سيد الوصيين و أمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين و أخوه الحسن المجتبى و عمه جعفر الطيار و عم أبيه حمزة سيد الشهداء و جدته خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما و عمته أم هانئ و خاله إبراهيم ابن رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله و خالته زينب بنت رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله .و قد جاهد لنيل أسمى المقاصد و أنبل الغايات و قام بما لم يقم بمثله أحد قبله و لا بعده فبذل نفسه و ماله و آله في سبيل إحياء الدين و إظهار فضائح المنافقين و اختار المنية على الدنية و ميتة العز على حياة الذل و مصارع الكرام على طاعة اللئام و أظهر من إباء الضيم و عزة النفس و الشجاعة و البسالة و الصبر و الثبات ما بهر العقول و حير الألباب و اقتدى به في ذلك كل من جاء بعده حتى قال القائل:
و إن الأولى بالطف من آل هاشم تأسوا فسنوا للكرام التأسيا
و حتى قال آخر كان أبيات أبي تمام ما قيلت إلا في الحسين عليه‏ السلام و هي قوله:
و قد كان فوت الموت سهلا فرده إليه الحفاظ المر و الخلق الوعر
»الأبيات المتقدمة«و حقيق بمن كان كذلك أن تقام له الذكرى في كل عام و تبكي له العيون دما بدل الدموع.
الحسين عليه‏ السلام معظم حتى عند الخوارج أعداء أبيه و أخيه و ليس أعجب ممن يتخذ يوم عاشوراء يوم فرح و سرور و اكتحال و توسعة على العيال لأخبار وضعت في زمن الملك العضوض اعترف بوضعها النقاد و سنها الحجاج بن يوسف عدو الله و عدو رسوله و أي مسلم تطاوعه نفسه أو يساعده قلبه على الفرح في يوم قتل ابن بنت نبيه و ريحانته و ابن وصيه و بما ذا يواجه رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله و بما ذا يتعذر إليه و هو مع ذلك يدعي محبة رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله و آله و من شروط المحبة و الفرح لفرح المحبوب و الحزن لحزنه.و لو أنصف باقي المسلمين ما عدوا طريقة الشيعة في إقامة الذكرى للحسين عليه ‏السلام كل عام و إقامة مراسم الحزن يوم عاشوراء، فهل كان الحسين عليه ‏السلام دون جاندارك التي يقيم لها الإفرنسيون الذكرى في كل عام و هل عملت لأمتها ما عمله الحسين لأمته أو دونه.
الحسين عليه ‏السلام سن للناس درسا نافعا، و نهج لهم سبيلا مهيعا في تعلم الآباء و الشمم و طلب الحرية و الاستقلال، و مقاومة الظلم، و معاندة الجور، و طلب العز و نبذ الذل، و عدم المبالاة بالموت في سبيل نيل الغايات السامية، و المقاصد العالية، و أبان فضائح المنافقين، و نبه الأفكار إلى التحلي بمحاسن الصفات، و سلوك طريق الإباة و الاقتداء بهم و عدم الخنوع للظلم و الجور و الاستعباد.
و بكى زين العابدين على مصيبة أبيه عليه ‏السلام أربعين سنة و كان الصادق عليه‏ السلام يبكي لتذكر مصيبة الحسين عليه ‏السلام و يستنشد الشعر في رثائه و يبكي و كان الكاظم عليه‏ السلام إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا و كانت الكابة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام منه، فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه، و قال الرضا عليه ‏السلام إن يوم الحسين أقرح جفوننا و أسال دموعنا و أورثنا الكرب و البلاء إلى يوم الانقضاء، و قد حثوا شيعتهم و أتباعهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كل عام، و هم نعم القدوة و خير من أتبع و أفضل من اقتفى أثره و أخذت منه سنة رسول الله .

الاعتذار عمن خذله
قال السيد علي جلال الحسيني في كتاب الحسين: الصحابة الموجودون في عصر الحسين كانوا يعلمون فسق يزيد و ظلمه فمنهم من رأى الخروج عليه كابن الزبير و منهم من امتنع عن مبايعته كعبد الله بن عمر {عمرو} بن العاص حتى دعا نائب أمير مصر بالنار ليحرق عليه بابه، و منهم من أبى الخروج عليه و قعدوا عن نصرة الحسين ، و هؤلاء كان عدم خروجهم اجتهادا منهم، و هم إن قعدوا عما رآه الحسين حقا فلم ينصروا الباطل و لا لوم عليهم فيما فعلوا.
(أقول) : بل اللوم عليهم حاصل و الاجتهاد في مقابل النص باطل، و من خذل الحق فهو كمن نصر الباطل و كلاهما عن الصواب مائل لا يعذره عاقل، أما ابن الزبير فما كان خروجه إلا طلبا للملك و لو كان لنصر الحق لنصر الحسين و قد كان الحسين أثقل الناس عليه بمكة .

بكاء علي بن الحسين زين العابدين على أبيه عليهماالسلام.
روى ابن شهرآشوب في المناقب عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال : بكى علي بن الحسين عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف أن تكون من الهالكين، قال عليه‏ السلام: إنما أشكو بثي و حزني إلى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة (و رواه) ابن قولويه في الكامل بسنده عن الصادق عليه‏ السلام مثله إلا أنه زاد بعد عشرين سنة أو أربعين سنة.
(قال) ابن شهرآشوب : و في رواية : أما آن لحزنك أن ينقضي فقال له ويحك إن يعقوب النبي عليه‏ السلام كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه و أحدودب ظهره من الغم و كان ابنه حيا في دار الدنيا، و أنا نظرت إلى أبي و أخي و عمي و سبعة عشر رجلا من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني. (قال) و قد ذكر في الحلية نحوه و قيل إنه بكى حتى خيف على عينيه.و قيل له إنك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا فقال نفسي قتلتها و عليها أبكي (اه) .

بكاء أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق على مصيبة جده الحسين عليهما السلام
روى ابن قولويه في الكامل بسنده عن ابن خارجة قال : كنا عند أبي عبد الله جعفر الصادق عليه‏ السلام فذكرنا الحسين بن علي عليهما السلام فبكى أبو عبد الله و بكينا ثم رفع رأسه فقال: قال الحسين بن علي أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى (و روى) في الكتاب المذكور بسنده عن مسمع كردين قال : قال لي أبو عبد الله يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين قلت لا أنا رجل مشهور من أهل البصرة و عندنا من يتبع هوى هذا الخليفة و أعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النصاب و غيرهم و لست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيميلوا علي قال أ فما تذكر ما صنع به قلت بلى قال فتجزع قلت و الله و استعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك علي فامتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي قال رحم الله دمعتك أما إنك من الذين يعدون في أهل الجزع لنا و الذين يفرحون لفرحنا و يحزنون لحزننا و يخافون لخوفنا و يأمنون إذا أمنا (إلى أن قال) ثم استعبر و استعبرت معه فقال الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة و خصنا أهل البيت بالرحمة يا مسمع إن الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا و ما بكى أحد رحمة لنا و ما لقينا إلا رحمه‏الله.
و روى الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد عن عبد الله بن سنان قال دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام في يوم عاشوراء فلقيته كاسف اللون ظاهر الحزن و دموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط فقلت يا ابن رسول الله مم بكاؤك لا أبكى الله عينيك فقال لي أو في غفلة أنت أما علمت أن الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم فقلت يا سيدي فما قولك في صومه فقال لي صمه من غير تبييت و أفطره من غير تشميت و لا تجعله يوم صوم كامل و ليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنه في مثل ذلك الوقت من اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله و انكشفت الملحمة عنهم و في الأرض منهم ثلاثون رجلا صريعا في مواليهم يعز على رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله مصرعهم و لو كان في الدنيا يومئذ حيا لكان صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله هو المعزي بهم قال و بكى أبو عبد الله عليه‏ السلام حتى أخضلت لحيته بدموعه.

بكاء الرضا على الحسين عليهما السلام
روى الصدوق في الأمالي بسنده عن الرضا عليه‏ السلام أنه قال إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم و القتال فاستحلت فيه دماؤنا و هتكت فيه حرمتنا و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا و أضرمت النار في مضاربنا و أنهب ما فيه من ثقلنا و لم ترع لرسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله حرمة في أمرنا أن يوم الحسين أقرح جفوننا و أسبل دموعنا و أذل عزيزنا بأرض كرب و بلاء و أورثنا الكرب و البلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون.
روى الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال دخل دعبل بن علي الخزاعي رحمه‏الله علي أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‏ السلام بمرو فقال له يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة و آليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال عليه‏ السلام هاتها فأنشده:
مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات
فلما بلغ إلى قوله:
أرى فيئهم في غيرهم متقسما و أيديهم من فيئهم صفرات
بكى أبو الحسن الرضا عليه‏ السلام و قال له صدقت يا خزاعي. حداد بني هاشم و نسائهم على الحسين عليه‏ السلام حتى قتل ابن زياد
عن الصادق عليه‏ السلام أنه قال ما اكتحلت هاشمية و لا اختضبت و لا رئي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد الله بن زياد .
و عن فاطمة بنت علي أمير المؤمنين عليه‏ السلام أنها قالت ما تحنات امرأة منا و لا أجالت في عينها مرودا و لا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد .و روى ابن قولويه في كامل الزيارة بسنده عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه‏ السلام أنه قال : ما اختضب منا امرأة و لا أدهنت و لا اكتحلت و لا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد و ما زلنا في عبرة بعده و كان جدي »يعني علي بن الحسين عليهماالسلام« إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته و حتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه.

الحزن يوم عاشوراء سنة و جعله عيدا أقبح البدع
من السنة يوم عاشوراء إظهار الحزن و الجزع و البكاء و الجلوس لذلك، (أولا) لأن فيه مواساة لرسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله الذي لا شك في أنه حزين في ذلك اليوم جزعا على ولده و فلذة كبده و من كان في حياته يحبه أشد الحب و يعزه و يكرمه و يلاعبه و يداعبه و يحمله على كتفه و الذي كان بكاؤه يؤذيه و لم يرض من أم الفضل أن تناله بشي‏ء يبكيه و أي مسلم يرغب عن مواساة نبيه في حزنه على حبيبه و ولده و فلذة كبده أم أي طاعة أعظم و أجل و أفضل عند الله تعالى و أحب إليه و أشد تقريبا لديه من مواساة أفضل رسله في حزنه على ولده الذي بذل نفسه لإحياء دينه.
ثانيا أنه ثبت عن أئمة اهل البيت النبوي أنهم أقاموا المآتم في مثل هذا اليوم بل في كل وقت و حزنوا و بكوا لهذه الفاجعة و حثوا أتباعهم على ذلك فقد ثبت عن الإمام الرضا عليه‏ السلام أنه قال كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا و كانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام منه فإذا كان العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و قد مر بكاء الصادق عليه‏ السلام لما أنشده السيد الحميري حتى بكى حرمه من خلف الستر و مر بكاء زين العابدين بعد قتل أبيه عليه‏ السلام طول حياته و احتجاجه لما ليم في ذلك بأن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبيا ابن نبي و قد بكى على فراق ولده يوسف حتى ذهب بصره و احدودب ظهره و ابنه حي في دار الدنيا قال و أنا رأيت أبي و أخي و سبعة عشر رجلا من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني و يقل بكائي و تقدم بكاء سائر أئمة اهل البيت عليهم‏ السلام لذلك و هم نعم القدوة و لنا بهم أحسن الأسوة.
أما اتخاذ يوم عاشوراء يوم عيد و فرح و سرور و إجراء مراسيم الأعياد فيه من طبخ الحبوب و شراء الألبان و الاكتحال و الزينة و التوسعة على العيال فهي سنة أموية حجاجية و هي من أقبح البدع و أشنعها و إن كان قد اختلق فيها علماء السوء و أعوان الظلمة شيئا من الأحاديث فإنما ذاك في عهد الملك العضوض عداوة لرسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله و أهل بيته عليهم‏ السلام و مراغمة لشيعتهم و محبيهم و تبعهم من تبعهم غفلة عن حقيقة الحال و كيف يرضى المسلم لنفسه أن يفرح في يوم قتل ابن بنت نبيه و في يوم يحزن فيه رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله و أهل بيته كما مر في مطاوي ما تقدم و لم يكن جعل يوم عاشوراء عيدا معروفا في الديار المصرية و أول من أدخله إليها صلاح الدين الأيوبي كما حكاه المقريزي في خططه و الظاهر ان الباعث عليه كان أمرا سياسيا و هو مراغمة الفاطميين الذين سلبهم صلاح الدين ملكهم فقصد إلى محو كل أثر لهم.و من السنة في يوم عاشوراء ترك السعي في الحوائج و ترك ادخار شي‏ء فيه.

خروجه من المدينة
قال المفيد : روى الكلبي و المدائني و غيرهما من أصحاب السيرة قالوا لما مات الحسن عليه‏ السلام تحركت الشيعة بالعراق و كتبوا إلى الحسين عليه‏ السلام في خلع معاوية و البيعة له فامتنع عليهم و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإذا مات معاوية نظر في ذلك.فلما مات معاوية منتصف رجب سنة ستين من الهجرة و تخلف بعده ولده يزيد و كان الوالي في ذلك الوقت على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و على مكة عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق من بني أمية و على الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري و على البصرة عبيد الله بن زياد .كتب يزيد إلى ابن عمه الوليد بن عتبة والي المدينة مع مولى لمعاوية يقال له ابن أبي زريق يأمره بأخذ البيعة على أهلها و خاصة على الحسين عليه‏ السلام و لا يرخص له في التأخر عن ذلك و يقول إن أبى عليك فاضرب عنقه و ابعث إلي برأسه.
و كان معاوية قبل وفاته قد حذر يزيد من أربعة: الحسين بن علي و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر و لا سيما من الحسين و ابن الزبير أما ابن الزبير فهرب الى مكة على طريق الفرع هو و أخوه جعفر ليس معهما ثالث و أرسل الوليد خلفه أحد و ثمانين راكبا فلم يدركوه و كان ابن عمر بمكة .و أما الحسين عليه‏ السلام فأحضر الوليد مروان بن الحكم و استشاره في أمره.فقال إنه لا يقبل و لو كنت مكانك لضربت عنقه، فقال الوليد : ليتني لم أك شيئا مذكورا، ثم بعث إلى الحسين عليه‏ السلام في الليل فاستدعاه فعرف الحسين عليه‏ السلام الذي أراد فدعا بجماعة من أهل بيته و مواليه و كانوا ثلاثين رجلا و أمرهم بحمل السلاح و قال لهم إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت و لست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه و هو غير مأمون فكونوا معي فإذا دخلت فأجلسوا على الباب فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني، فصار الحسين عليه‏ السلام الى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين عليه‏ السلام ثم قرأ عليه كتاب يزيد و ما أمره فيه من أخذ البيعة منه ليزيد ، فلم يرد الحسين عليه‏ السلام أن يصارحه بالامتناع من البيعة و أراد التخلص منه بوجه سلمي، فورى عن مراده و قال: إني أراك لا تقنع ببيعتي سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد أجل، فقال الحسين عليه‏ السلام تصبح و ترى رأيك في ذلك، فقال له الوليد انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان و الله لئن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم و بينه و لكن احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه، فلما سمع الحسين عليه‏ السلام هذه المجابهة القاسية من مروان الوزغ ابن الوزغ صارحهما حينئذ بالامتناع من البيعة و أنه لا يمكن أن يبايع ليزيد أبدا، فوثب الحسين عليه‏ السلام عند ذلك و قال لمروان : ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي، كذبت و الله و لؤمت ، ثم أقبل على الوليد فقال: أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة بنا فتح الله و بنا ختم، و يزيد فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله، و لكن نصبح و تصبحون و ننظر و تنظرون أينا أحق بالخلافة و البيعة، ثم خرج يتهادى بين مواليه و هو يتمثل بقول يزيد بن المفرع :
لا ذعرت السوام في غسق الصبح مغيرا و لا دعيت يزيدا
يوم أعطي مخافة الموت ضيما و المنايا يرصدنني أن أحيدا
حتى أتى منزله.
و قيل إنه أنشدهما لما خرج من المسجد الحرام متوجها إلى العراق ، و قيل غير ذلك، فقال مروان للوليد : عصيتني لا و الله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا، فقال له الوليد : ويحك إنك أشرت علي بذهاب ديني و دنياي و الله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها و إني قتلت حسينا ، سبحان الله أقتل حسينا لما أن قال لا أبايع، و الله ما أظن أحدا يلقى الله بدم الحسين إلا و هو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه يوم القيامة و لا يزكيه و له عذاب أليم.فقال مروان فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت، يقول هذا و هو غير حامد له على رأيه، قال المؤرخون: و كان الوليد يحب العافية.و الحقيقة أنه كان متورعا عن أن ينال الحسين عليه‏ السلام منه سوء لمعرفته بمكانته لا مجرد حب العافية.و لما بلغ يزيد ما صنع الوليد عزله عن المدينة و ولاها عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق فقدمها في رمضان .
و أقام الحسين عليه‏ السلام في منزله تلك الليلة و هي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين فلما أصبح خرج من منزله يستمع الأخبار، فلقيه مروان فقال له يا أبا عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد، فقال الحسين عليه‏ السلام و ما ذاك قل حتى أسمع، فقال مروان : إني آمرك ببيعة يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك و دنياك، فقال الحسين عليه‏ السلام : إنا لله و إنا إليه راجعون و على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد .
و طال الحديث بينه و بين مروان حتى انصرف و هو غضبان فلما كان آخر نهار السبت بعث الوليد الرجال الى الحسين عليه‏ السلام ليحضر فيبايع فقال لهم الحسين عليه‏ السلام أصبحوا ثم ترون و نرى فكفوا تلك الليلة عنه و لم يلحوا عليه فخرج في تلك الليلة و قيل في غداتها و هي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة .و لما علم ابن الحنفية عزمه على الخروج من المدينة لم يدر أين يتوجه، فقال له يا أخي أنت أحب الناس إلي و أعزهم علي و لست و الله ادخر النصيحة لأحد من الخلق و ليس أحد من الخلق أحق بها منك لأنك مزاج مائي {ص} و نفسي و روحي و بصري و كبير أهل بيتي و من وجبت طاعته في عنقي لأن الله قد شرفك علي و جعلك من سادات أهل الجنة تنح ببيعتك عن يزيد و عن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن تابعك الناس و بايعوا لك حمدت الله على ذلك و إن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك و لا عقلك و لا تذهب به مروءتك و لا فضلك و إني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك و أخرى عليك فيقتتلون فتكون لأول الأسنة غرضا فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا و أبا و أما أضعيها دما و أذلها أهلا، فقال له الحسين عليه ‏السلام فأين أذهب يا أخي؟قال تخرج إلى مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فذاك و إن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فإنهم أنصار جدك و أبيك و هم أرأف الناس و أرقهم قلوبا و أوسع الناس بلادا فإن اطمأنت بك الدار و إلا لحقت بالرمال و شعف الجبال و جزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يئول إليه أمر الناس و يحكم الله بيننا و بين القوم الفاسقين فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا.
فقال الحسين عليه ‏السلام يا أخي و الله لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقطع محمد بن الحنفية عليه الكلام و بكى، فبكى الحسين عليه ‏السلام معه ساعة، ثم قال: يا أخي جزاك الله خيرا فقد نصحت و أشفقت و أرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا و أنا عازم على الخروج إلى مكة و قد تهيأت لذلك أنا و إخوتي و بنو أخي و شيعتي أمرهم أمري و رأيهم رأيي و أما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عني شيئا من أمورهم.
و أقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة لما بلغهن أن الحسين عليه‏ السلام يريد الشخوص من المدينة ، حتى مشى فيهن الحسين عليه‏ السلام فقال: أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر، معصية لله و لرسوله، قالت له نساء بني عبد المطلب : فلن نستبقي النياحة و البكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله و علي و فاطمة و الحسن و رقية و زينب و أم كلثوم جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور.
و لما عزم الحسين عليه‏ السلام على الخروج من المدينة مضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودعها ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن عليه‏ السلام ففعل كذلك و خرج معه بنو أخيه و إخوته و جل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية و عبد الله بن جعفر .
و خرج عليه ‏السلام من المدينة في جوف الليل و هو يقرأ (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) و لزم الطريق الأعظم فقال له أهل بيته لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب فقال لا و الله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، فلقيه عبد الله ابن مطيع فقال له جعلت فداك أين تريد؟قال أما الآن فمكة و أما بعد فإني استخير الله قال خار الله لك و جعلنا فداك فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشئومة بها قتل أبوك و خذل أخوك و اغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ألزم الحرم فأنت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا و يتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي و خالي، فو الله لئن هلكت لنسترقن بعدك.و كان دخوله عليه ‏السلام إلى مكة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسة أيام لأنه خرج من المدينة لليلتين بقيتا من رجب كما مر.
و دخلها و هو يقرأ (و لما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) فأقام بمكة باقي شعبان و شهر رمضان و شوالا و ذا القعدة و ثماني ليال من ذي الحجة .و أقبل أهل مكة و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق يختلفون إليه و ابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة فهو قائم يصلي عندها عامة النهار و يطوف و يأتي الحسين عليه ‏السلام فيمن يأتيه اليومين المتواليين و بين كل يوم مرة و لا يزال يشير عليه بالرأي و هو أثقل خلق الله على ابن الزبير لأنه قد علم أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين عليه‏ السلام باقيا في البلد و أن الحسين عليه‏ السلام أطوع في الناس منه و أجل.

دعوة أهل الكوفة
و لما بلغ أهل الكوفة موت معاوية و امتناع الحسين عليه‏ السلام من البيعة ارجفوا بيزيد و عقد اجتماع في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فلما تكاملوا قام سليمان فيهم خطيبا و قال في آخر خطبته: إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك و صار إلى ربه و قدم على عمله و قد قعد في موضعه ابنه يزيد و هذا الحسين بن علي قد خالفه و صار إلى مكة هاربا من طواغيت آل سفيان و أنتم شيعته و شيعة أبيه من قبله و قد احتاج إلى نصرتكم اليوم فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدو عدوه فاكتبوا إليه و إن خفتم الوهن و الفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قالوا بل نقاتل عدوه و نقتل أنفسنا دونه فأرسلوا وفدا من قبلهم و عليهم أبو عبد الله الجدلي و كتبوا إليه معهم :
(بسم الله الرحمن الرحيم) للحسين بن علي من سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة و رفاعة بن شداد البجلي و حبيب بن مظاهر و عبد الله بن وال و شيعته من المؤمنين و المسلمين سلام عليك أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك و عدو أبيك من قبل الجبار العنيد الغشوم الظلوم الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فيئها و تأمر عليها بغير رضا منها ثم قتل خيارها و استبقى شرارها و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و عتاتها فبعدا له كما بعدت ثمود و أنه ليس علينا إمام غيرك فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق و النعمان بن بشير في قصر الإمارة و لسنا نجتمع معه في جمعة و لا نخرج معه إلى عيد و لو قد بلغنا أنك أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام إن شاء الله تعالى و السلام عليك و رحمة الله يا ابن رسول الله و على أبيك من قبلك و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
و قيل إنهم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمذاني و عبد الله بن وال و أمروهما بالنجاء فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين عليه‏ السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان ثم لبثوا يومين و أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الرحمن بن عبد الله بن شداد الأرحبي و عمارة بن عبد الله السلولي إلى الحسين عليه‏ السلام و معهم نحو مائة و خمسين صحيفة من الرجل و الاثنين و الأربعة و هو مع ذلك يتأنى و لا يجيبهم فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب و تواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب ثم لبثوا يومين آخرين و سرحوا إليه هاني بن هاني السبيعي و سعيد بن عبد الله الحنفي و كانا آخر الرسل و كتبوا إليه:
(بسم الله الرحمن الرحيم) للحسين بن علي من شيعته من المؤمنين و المسلمين أما بعد فحيهلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل و السلام.ثم كتب معهما أيضا شبث بن ربعي التميمي و حجار بن أبجر العجلي و يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم الشيباني و عزرة بن قيس الأحمسي و عمرو بن الحجاج الزبيدي و محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب ابن زرارة التميمي (أما بعد) فقد أخضر الجناب و أينعت الثمار فإذا شئت فأقبل على جند لك مجند و السلام عليك و رحمة الله و بركاته و على أبيك من قبلك.
و دعا الحسين عليه‏ السلام ابن عمه مسلم بن عقيل و قيل إنه كتب معه جواب كتبهم فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي و رجلين آخرين و أمره بالتقوى و كتمان أمره و اللطف فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل اليه بذلك فأقبل مسلم رحمه‏الله حتى أتى المدينة و استأجر دليلين من قيس فأقبلا به يتنكبان الطريق و أصابهما عطش شديد فعجزا عن السير فأومأ له إلى سنن الطريق و مات الدليلان عطشا فكتب مسلم إلى الحسين عليه‏ السلام من الموضع المعروف بالمضيق و هو ماء لبني كلب مع قيس بن مسهر أما بعد فإني أقبلت من المدينة مع دليليين فجارا عن الطريق فضلا و اشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا و أقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا و ذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت و قد تطيرت من توجهي هذا فإن رأيت أعفيتني منه و بعثت غيري و السلام فكتب إليه الحسين عليه‏ السلام : قد خشيت أن لا يكون حملك لى الاستعفاء إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك فيه فقال مسلم أما هذا فلست أ تخوفه على نفسي فأقبل حتى مر بماء لطي‏ء فنزل ثم ارتحل عنه فإذا برجل يرمي الصيد فنظر إليه و قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه فقال مسلم نقتل عدونا إن شاء الله ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل دار المختار و أقبلت الناس تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه‏ السلام و هم يبكون و بايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا.
فكتب الى الحسين عليه‏ السلام أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله و إن جميع أهل الكوفة معك و قد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا فعجل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا و السلام و جعل الناس يختلفون إليه حتى علم بمكانه فبلغ النعمان بن بشير ذلك (و كان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها و كان صحابيا حضر مع معاوية حرب صفين و كان من أتباعه و قتله أهل حمص في فتنة ابن الزبير و كان واليا عليها) فصعد المنبر و خطب الناس و حذرهم الفتنة قام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني أمية فقال له إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم إن هذا الذي أنت عليه رأي المستضعفين فقال له النعمان أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله ثم نزل فكتب عبد الله بن مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم بن عقيل الكوفة و مبايعة الناس له و يقول إن كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف و كتب إليه عمارة بن الوليد بن عقبة و عمر بن سعد بنحو ذلك فدعا يزيد سرجون الرومي مولى معاوية (و كان سرجون مستوليا على معاوية في حياته) و استشاره فيمن يولي على الكوفة و كان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد و هو يومئذ وال على البصرة و كان معاوية قد كتب لابن زياد عهدا بولاية الكوفة و مات قبل إنفاذه فقال سرجون ليزيد لو نشر لك معاوية ما كنت آخذا برأيه قال بلى قال هذا عهده لعبيد الله على الكوفة فضم يزيد البصرة و الكوفة إلى عبيد الله و كتب إليه بعهده و سيره مع مسلم بن عمرو الباهلي و كتب إلى عبيد الله معه: أما بعد فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه و السلام فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته و التهيؤ و المسير إلى الكوفة من الغد.
(و لما) بقي الحسين عليه‏ السلام في ثلاثة أو أربعة من أصحابه و في رواية رهط من أهله قال أبغوني ثوبا لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي لئلا أجرد منه بعد قتلي فإني مقتول مسلوب فأتي بتبان قال لا ذاك لباس من ضربت عليه الذلة و لا ينبغي لي أن ألبسه (و في رواية) أنه قال هذا لباس أهل الذمة فأخذ ثوبا خلقا فخرقه و جعله تحت ثيابه.
(و في رواية) أنه أتى بشي‏ء أوسع منه دون السراويل و فوق التبان فلبسه فلما قتل جردوه منه (ثم) استدعى بسراويل من حبرة يمانية يلمع فيها البصر ففزرها و لبسها و إنما فزرها لئلا يلبسها بعد قتله فلما قتل سلبها منه أبجر بن كعب و تركه مجردا و أقبل الحسين عليه‏ السلام على القوم يدفعهم عن نفسه و الثلاثة الذين معه يحمونه حتى قتل الثلاثة و بقي وحده و قد أثخن بالجراح في رأسه و بدنه فجعل يضاربهم بسيفه و حمل الناس عليه عن يمينه و شماله فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا (قال) بعض الرواة فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جأشا و لا أمضى جنانا و لا أجرأ مقدما منه و الله ما رأيت قبله و لا بعده مثله و إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه و عن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب و لقد كان يحمل فيهم و قد تكلموا {تكملوا} ثلاثين ألفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزه و هو يقول لا حول و لا قوة إلا بالله.
(فلما) رأى شمر ذلك استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة و أمر الرماة أن يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ فأحجم عنهم فوقفوا بإزائه و جاء شمر في جماعة من أصحابه فحالوا بينه و بين رحله الذي فيه ثقله و عياله فصاح الحسين عليه‏ السلام ويلكم يا شيعة آل سفيان إن لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه و ارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون فناداه شمر ما تقول يا ابن فاطمة فقال أقول إني أقاتلكم و تقاتلونني و النساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم و جهالكم و طغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا فقال شمر لك ذلك يا ابن فاطمة ثم صاح إليكم عن حرم الرجل و اقصدوه بنفسه فلعمري هو كفؤ كريم فقصدوه بالحرب و جعل شمر يحرضهم على الحسين عليه‏ السلام و الحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه و هو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد و كلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى أجلوه عنه.
(و لما) أثخن بالجراح و بقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط عن فرسه على الأرض على خده الأيمن ثم قام و خرجت أخته زينب إلى باب الفسطاط و هي تنادي وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه (و قد) دنا عمر بن سعد فقالت يا عمر : أ يقتل أبو عبد الله و أنت تنظر إليه فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه و لحيته و صرف وجهه عنها و لم يجبها بشي‏ء فنادت ويلكم أما فيكم مسلم، فلم يجبها أحد بشي‏ء و قاتل عليه‏ السلام راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية و يفترص العورة و يشد على الخيل و هو يقول: أ على قتلي تجتمعون أما و الله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله، الله أسخط عليكم لقتله مني و ايم الله أني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون أما و الله لو قتلتموني لألقى الله بأسكم بينكم و سفك دماءكم ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم.
(و لم) يزل يقاتل حتى أصابه اثنان و سبعون جراحة فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال باسم الله و بالله و على ملة رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله ثم رفع رأسه إلى السماء و قال إلهي تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنه ميزاب فضعف و وقف و تحاماه الناس فمكث طويلا من النهار و كلما جاءه أحد انصرف عنه كراهية أن يلقى الله بدمه (و صاح) شمر بالفرسان و الرجالة ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم فحملوا عليه من كل جانب فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى و ضرب الحسين عليه‏ السلام زرعة فصرعه و ضربه آخر على عاتقه المقدس ضربة كبا بها لوجهه و كان قد أعيا و جعل يقوم و يكبو و طعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره و رماه بسهم فوقع في نحره فسقط و جلس قاعدا فنزع السهم من نحره و قرن كفيه جميعا فكلما امتلأنا من دمائه خضب بها رأسه و لحيته و هو يقول: هكذا ألقى الله مخضبا بدمي مغصوبا علي حقي.

مقتله
قال هلال بن نافع إني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ أبشر أيها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين فخرجت بين الصفين فوقفت عليه و أنه ليجود بنفسه فو الله ما رأيت قتيلا مخضبا بدمه أحسن منه و لا أنور وجها و لقد شغلني نور وجهه و جمال هيئته عن الفكرة في قتله فاستسقى في تلك الحال فسمعت رجلا يقول و الله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فسمعته يقول أنا أرد الحامية فاشرب من حميمها لا و الله بل أرد على جدي رسول الله صلى‏ الله ‏عليه ‏و آله فاسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر و اشرب من ماء غير آسن و أشكو إليه ما ارتكبتم مني و فعلتم بي فغضبوا بأجمعهم حتى كان الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئا.
(و قال) عمر بن سعد لرجل عن يمينه انزل ويحك إلى الحسين فأرحه (و قيل) بل قال سنان لخولي بن يزيد احتز رأسه فبدر خولي ليحتز رأسه فضعف و ارعد فقال له سنان و قيل شمر فت الله في عضدك ما لك ترعد و نزل سنان و قيل شمر إليه فذبحه ثم احتز رأسه الشريف و هو يقول إني لاحتز رأسك و أعلم أنك السيد المقدم و ابن رسول الله و خير الناس أبا و أما ثم دفع الرأس الشريف إلى خولي فقال احمله إلى الأمير عمر بن سعد ، و في ذلك يقول الشاعر:
فأي رزية عدلت حسينا غداة تبيره كفا سنان
و جاءت جارية من ناحية خيم الحسين عليه‏ السلام فقال رجل يا أمة الله إن سيدك قتل قالت الجارية فأسرعت إلى سيداتي و أنا أصيح فقمن في وجهي و صحن.
أسماء من اتصلت بنا أسماؤهم من أنصار الحسين عليه‏ السلام الذين قتلوا معه من بني هاشم
(أولاد أمير المؤمنين عليه‏ السلام)
1 أبو بكر بن علي شك في قتله 2 عمر بن علي 3 محمد الأصغر بن علي 4 عبد الله بن علي 5 العباس بن علي 6 محمد بن العباس بن علي 7 عبد الله بن العباس بن علي 8 عبد الله الأصغر 9 جعفر بن علي 10 عثمان بن علي و في بعضهم خلاف.
(أولاد الحسن عليه‏ السلام)
11 القاسم بن الحسن 12 أبو بكر بن الحسن 13 عبد الله بن الحسن 14 بشر بن الحسن.
(أولاد الحسين عليه‏ السلام)
15 علي بن الحسين الأكبر 16 عبد الله الرضيع 17 إبراهيم بن الحسين ذكره ابن شهرآشوب و ذكر زيادة عن ذلك.

الأمور المتأخرة عن قتله
و أقبل القوم على سلب الحسين عليه‏ السلام فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي و وجد في قميصه عليه‏ السلام مائة و بضع عشرة ما بين رمية و طعنة و ضربة و قيل وجد في ثيابه مائة و عشرون رمية بسهم و في جسده الشريف ثلاث و ثلاثون طعنة برمح و أربع و ثلاثون ضربة بسيف (و عن) الصادق عليه‏ السلام أنه وجد بالحسين عليه‏ السلام ثلاث و ثلاثون طعنة و أربع و ثلاثون ضربة.
و عن الباقر عليه‏ السلام أنه وجد به ثلاثمائة و بضع و عشرون جراحة (و في) رواية ثلاثمائة و ستون جراحة و أخذ سراويله أبجر بن كعب التميمي (و أخذ) ثوبه أخ لإسحاق بن حوية (و أخذ) قطيفة له كانت من خز قيس بن الأشعث بن قيس (و أخذ) عمامته الأخنس بن مرثد و قيل جابر بن يزيد (و أخذ) برنسه مالك بن النسر (و أخذ نعليه) الأسود بن خالد (و أخذ) درعه البتراء عمر بن سعد فلما قتل عمر أعطاها المختار لقاتله (و أخذ) سيفه الفلافس النهشلي من بني دارم و قيل جميع بن الخلق الأودي و قيل الأسود بن حنظلة التميمي (و أخذ) القوس الرجيل بن خيثمة الجعفي (و أخذ) خاتمه بجدل بن سليم الكلبي و قطع إصبعه مع الخاتم (و مال) الناس على الفرش و الورس و الحلل و الإبل فانتهبوها و انتهبوا رحله و ثقله و سلبوا نساءه.
(قال) حميد بن مسلم : رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه‏ السلام في فسطاطهن و هم يسلبونهن أخذت سيفا و أقبلت نحو الفسطاط و قالت يا آل بكر بن وائل أ تسلب بنات رسول الله لا حكم إلا لله يا لثارات رسول الله فأخذها زوجها و ردها إلى رحله.
»و انتهوا«إلى علي بن الحسين زين العابدين عليه‏ السلام و هو منبسط على فراش و هو شديد المرض و كان مريضا بالذرب و قد أشرف على الموت و مع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له ألا نقتل هذا العليل فأراد شمر قتله فقال له حميد بن مسلم : سبحان الله أ تقتل الصبيان إنما هو صبي و أنه لما به فلم يزل يدفعهم عنه حتى جاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه و بكين فقال لأصحابه لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء و لا تتعرضوا لهذا الغلام المريض و من أخذ من متاعهن شيئا فليردده فلم يرد أحد شيئا ثم إنهم أشعلوا النار في الفسطاط فخرجت منه النساء باكيات مسلبات»و نادى« عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره و صدره، فانتدب منهم عشرة و هم: إسحاق بن حوية الذي سلب قميص الحسين عليه‏ السلام .
و الأخنس بن مرثد الذي سلب عمامة الحسين عليه‏ السلام .و حكيم بن الطفيل الذي اشترك في قتل العباس عليه‏ السلام .و عمرو بن صبيح الصيداوي الذي رمى عبد الله بن مسلم بسهم فسمر يده في جبهته.و رجاء بن منقذ العبدي .و سالم بن خيثمة الجعفي .و صالح بن وهب الجعفي .الذي طعن الحسين على خاصرته فسقط عن فرسه.و واخط بن غانم و هاني بن ثبيت الحضرمي الذي قتل جماعة من الطالبيين .و أسيد بن مالك فداسوا الحسين عليه‏ السلام بحوافر خيلهم حتى رضوا ظهره و صدره»و جاء«هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحدهم:
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسر

مدفن رأس الحسين عليه‏ السلام
اختلف فيه على أقوال ذكرناها في لواعج الأشجان :
(الأول) أنه عند أبيه أمير المؤمنين عليه‏ السلام بالنجف معه إلى جهة رأسه الشريف ذهب إليه بعض علماء الشيعة استنادا إلى أخبار وردت بذلك في الكافي و التهذيب و غيرهما من طرق الشيعة عن الأئمة عليهم‏ السلام، و في بعضها أن الصادق عليه‏ السلام قال لولده إسماعيل أنه لما حمل إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه‏ السلام و يؤيده ورود زيارة للحسين من عند رأس أمير المؤمنين عليه‏ السلام عن أئمة أهل البيت.
(الثاني) أنه مدفون مع جسده الشريف، و في البحار أنه المشهور بين علمائنا الإمامية رده علي بن الحسين عليهما السلام ، و في الملهوف أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف و كان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه (اه) .و اعتمده هو أيضا في كتاب الإقبال ، و قال ابن نما الذي عليه المعول من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد و دفن معه (اه) .
و عن المرتضى في بعض مسائله أنه رد إلى بدنه بكربلاء من الشام ، و قال الشيخ الطوسي و منه زيارة الأربعين. و قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص أشهر الأقوال أن يزيد رده إلى المدينة مع السبايا ثم رد إلى الجسد بكربلاء فدفن معه قاله هشام و غيره (اه) .
(الثالث) أنه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين عليه‏ السلام رواه في الكافي بسنده عن الصادق عليه‏ السلام.
(الرابع) أنه دفن بالمدينة المنورة عند قبر أمه فاطمة عليها السلام و أن يزيد أرسله إلى عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن عند أمه الزهراء عليها السلام و أن مروان بن الحكم كان يومئذ بالمدينة فأخذه و تركه بين يديه و قال:
يا حبذا بردك في اليدين و لونك الأحمر في الخدين
و الله لكأني أنظر إلى أيام عثمان .حكاه سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص عن ابن سعد في الطبقات . و في كتاب جواهر المطالب لأبي البركات شمس الدين محمد الباغندي الشافعي كما في نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية عند ذكر أحوال الحسين عليه‏ السلام : و أما رأسه فالمشهور بين أهل التاريخ و السير أنه بعثه ابن زياد الفاسق إلى يزيد بن معاوية و بعث به يزيد إلى عمرو بن سعيد الأشدق لطيم الشيطان و هو إذ ذاك بالمدينة فنصبه و دفن عند أمه بالبقيع.
(الخامس) أنه بدمشق قال سبط ابن الجوزي حكى ابن أبي الدنيا قال وجد رأس الحسين عليه‏ السلام في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه و دفنوه بباب الفراديس و كذا ذكر البلاذري في تاريخه قال هو بدمشق في دار الإمارة و كذا ذكر الواقدي أيضا (اه) و في جواهر المطالب ذكر ابن أبي الدنيا أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد حتى هلك فأخذ ثم غسل و كفن و دفن داخل باب الفراديس بمدينة دمشق (اه) (و يروى) أن سليمان بن عبد الملك قال وجدت رأس الحسين عليه‏ السلام في خزانة يزيد بن معاوية فكسوته خمسة أثواب من الديباج و صليت عليه في جماعة من أصحابي و قبرته (و في رواية) أنه مكث في خزائن بني أمية حتى ولي سليمان بن عبد الملك فطلب فجي‏ء به و هو عظم أبيض في سفط و طيبه و جعل عليه ثوبا و دفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلى عليه فلما ولي عمر بن عبد العزيز سأل عن موضعه فنبشه و أخذه و الله أعلم ما صنع به (و قال) بعضهم: الظاهر من دينه أنه بعث به إلى كربلاء فدفنه مع الجسد الشريف.
و في جواهر المطالب عن الحافظ بن عساكر أن يزيد بعد ما نصبه بدمشق ثلاثة أيام وضعه بخزانة السلاح حتى كان زمن سليمان بن عبد الملك فجي‏ء به و قد بقي عظما أبيض فكفنه و طيبه و صلى عليه و دفنه في مقابر المسلمين (و روى) ابن نما عن منصور بن جهور أنه دخل خزانة يزيد لما فتحت فوجد بها جونة حمراء فقال لغلامه سليم احتفظ بهذه الجونة فإنها كنز من كنوز بني أمية فلما فتحها إذا فيها رأس الحسين عليه‏ السلام و هو مخضوب بالسواد فلفه في ثوب و دفنه عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق »انتهى« (أقول) : و كأنه هو الموضع المعروف الآن بمسجد أو مقام أو مشهد مشيد معظم.
(السادس) أنه بمسجد الرقة على الفرات بالمدينة المشهورة، حكى سبط ابن الجوزي عن عبد الله بن عمر الوراق أن يزيد لعنه الله قال لأبعثنه إلى آل أبي معيط عن رأس عثمان و كانوا بالرقة فبعثه إليهم فدفنوه في بعض دورهم ثم أدخلت تلك الدار في المسجد الجامع ، قال و هو إلى جنب سدرة هناك و عليه شبه النيل أو لا يذهب شتاء و لا صيفا.
(السابع) أنه بمصر نقله الخلفاء الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان ثم نقلوه إلى القاهرة و له فيها مشهد عظيم يزار نقله سبط ابن الجوزي (أقول) : حكى غير واحد من المؤرخين أن الخليفة الفاطمي بمصر أرسل إلى عسقلان و هي بين مصر و الشام فاستخرج رأسا قال إنه رأس الحسين عليه‏ السلام و جي‏ء به إلى مصر فدفن فيها في المشهد المعروف الآن و هو مشهد معظم يزار و إلى جانبه مسجد عظيم رأيته في سنة1321 و المصريون يتوافدون إلى زيارته أفواجا رجالا و نساء و يدعون و يتضرعون عنده و أخذ الفاطميين لذلك الرأس من عسقلان و دفنه بمصر لا ريب فيه لكن الشأن في كونه رأس الحسين عليه‏ السلام.
(و هذه) الوجوه الأربعة الأخيرة كلها من روايات أهل السنة و أقوالهم خاصة و الله أعلم.

مشهد رءوس العباس و علي الأكبر و حبيب بن مظاهر بدمشق
رأيت بعد سنة1321 في المقبرة المعروفة بمقبرة باب الصغير بدمشق مشهدا وضع فوق بابه صخرة كتب عليها ما صورته: (هذا مدفن رأس العباس بن علي و رأس علي بن الحسين الأكبر و رأس حبيب بن مظاهر) ثم إنه بعد ذلك بسنين هدم هذا المشهد و أعيد بناؤه و أزيلت هذه الصخرة و بني ضريح داخل المشهد و نقش عليه أسماء كثيرة لشهداء كربلاء ، و لكن الحقيقة أنه منسوب إلى الرءوس الشريفة الثلاثة المقدم ذكرها بحسب ما كان موضوعا على بابه كما مر.
و هذا المشهد: الظن قوي بصحة نسبته لأن الرءوس الشريفة بعد حملها إلى دمشق و الطواف بها و انتهاء غرض يزيد من إظهار الغلبة و التنكيل بأهلها و التشفي لا بد أن تدفن في إحدى المقابر فدفنت هذه الرءوس الثلاثة في مقبرة باب الصغير و حفظ محل دفنها و الله أعلم.

البناء على قبر الحسين عليه‏ السلام
أول من بنى القبر الشريف بنو أسد الذين دفنوا الحسين عليه‏ السلام و أصحابه يظهر ذلك من الخبر المروي في (كامل الزيارة) عن زائدة عن زين العابدين عليه‏ السلام حيث قال فيه : قد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض هم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة و هذه الجسوم المضرجة فيوارونها و ينصبون بهذا الطف علما لقبر سيد الشهداء لا يدرس أثره و لا يعفو رسمه على كرور الليالي و الأيام (اه) .
و من قول ابن طاوس في الإقبال إنهم أقاموا رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق. و يدل خبر مجي‏ء التوابين إلى القبر الشريف أنه في ذلك الوقت و هو سنة هلاك يزيد (63 أو 64 20) كان ظاهرا معروفا و لا يكون ذلك إلا ببنائه.أما تعمير القبة عليه فقد تكرر مرارا.

(موقع يا زهراء)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*