شهرُ صفر هو شهر أحزان آل محمد(عليهم السلام) مثلما أنّ شهر شعبان هو شهرُ أفراح آل محمد(عليهم السلام). واليوم تهرع الحشودُ المليونية إلى النجف الأشرف على ساكنها آلاف التحيّة والسلام، لزيارة الأمير (عليه السلام) في يوم وفاة الرسول(صلّى الله عليه وآله)، بعد استراحةٍ قصيرة من زيارة الأربعين.
زيارة أمير المؤمنين(عليه السلام) من المستحبّات المؤكّدة في كلّ الأوقات، فقد روى المفضّل بن عمر الجعفي قال دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام) فقلت له: إنّي أشتاق إلى الغري. قال: وما شوقك إليه؟. فقلت: إنّي أحبّ أمير المؤمنين(عليه السلام) وأحبّ أن أزوره. فقال لي: هل تعرف فضل زيارته؟ فقلت: لا يا بن رسول الله فعرّفني ذلك. فقال: -من حديثٍ طويل-…. فإذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالب(عليه السلام) فإنّك زائرٌ الآباءَ الأوّلين ومحمداً(صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاتم النبيّين وعليّاً سيّد الوصيّين، وإنّ زائره تُفتح له أبواب السماء عند دعوته فلا تكن عن الخير نوّاماً. انتهى.
فقوله(عليه السلام): (فإنّك زائرٌ الآباء الأوّلين ومحمداً خاتم النبيّين وعليّاً سيّد الوصيّين) نفهم من هذه العبارة أنّ من زار أمير المؤمنين(عليه السلام) زار رسول الله(صلى الله عليه وآله).
إنّ زيارة الأمير(عليه السلام) في يوم الثامن والعشرين من صفر ليست من الزيارات المخصوصة، وإنّما هي سنّةٌ سنّها عشّاق الرسول الأعظم وأمير المؤمنين(عليهما أفضل الصلاة والسلام) قبل ما يقرب من أكثر من ثمانين عاماً أو أقلّ، وممّا يشفع لنا في سنّ هذه السنّة:
أوّلاً: إنّ زيارة الأمير(عليه السلام) مستحبّة في كلّ الأيّام واللّيالي.
ثانياً: إنّ أغلب العراقيّين لا تتسنّى لهم زيارةُ الرسول(صلّى الله عليه وآله) في يوم وفاته، وأمير المؤمنين(عليه السلام) هو نفسُ وذاتُ رسول الله بنصّ القرآن الكريم، فمن زاره زار رسول الله(عليهما أفضل الصلاة والسلام).
ثالثاً: إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) -كما يقول العرفاء- هو البابُ المعنويّ الذي ندخل على رسول(صلى الله عليه وآله) من خلاله بمضمون الحديث: (أنا مدينة العلم وعليّ بابها) و (ادخلوا البيوت من أبوابها)، فالعارف لا يستطيع الاتّصال بنور رسول الله مباشرةً لأنّ قلبه سيحترق لشدّة النور، وإنّما تكون روح أمير المؤمنين(عليه السلام) واسطةً بين الرسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله) وبين بقيّة الخلق، كمحوّل الطاقة الكهربائيّة -إن صحّ التشبيه- (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا).