الحكمة – متابعة: أسلوب نشر المكاتب متجاورة في قاعات كبيرة يُراد منه توثيق الارتباط بين الموظفين وتسهيل انسياب العمل، لكن باحثين يابانيين خلصوا الى أنّ هذا الأسلوب يزيد الضوضاء ويفاقم الضغط على العاملين لا غير.
توصلت دراسة حديثة الى أنّ العمل المكتبي في قاعات كبيرة يخفض من تركيز الموظف ويقلل من إنتاجيته. وقد يدور في خلد العاملين في هذه الأجواء سؤال حيوي” هل ثمة خلل في عقلي يمنعني أنا وحدي عن التركيز، فيما يثرثر الآخرون بمرح وحرية على هواتفهم ومع بعضهم البعض؟”
دراسة يابانية جديدة أجابت عن هذا التساؤل وطمأنت الموظفين في أماكن مثل تلك الى أنّ عدم التركيز يلازم الجميع. الضوضاء في خلفية المشهد تمنع الإنسان عن التفكير، لاسيما حين يكون مصدر الضوضاء حوارات الزملاء ومكالماتهم الهاتفية حول مسائل تتعلق بالعمل، وهو ما توصل اليه فريق باحثين ياباني قاده تاكاهيرو تاميزو، وهو أستاذ في جامعة ياماغوتشي في اليابان. الفريق أجرى تجارب صوتية وبصرية على عدة متطوعين لقياس مستوى تركيزهم في العمل وهم ينصتون في نفس الوقت إلى ثرثرة آخرين أو إلى ضوضاء بلا كلمات.
وخلص البحث إلى أنّ المتطوعين للتجربة انخفض مستوى أدائهم بشكل ملحوظ وهم ينصتون إلى أحاديث جانبية أثناء عملهم، فيما كان انخفاض الأداء أقل مستوى حين عُرضوا إلى ضوضاء لا معنى له (صوت محرك سيارة، أو ضجيج صادر عن عمل أجهزة ميكانيكية). البروفسور تاكاهيرو تاميزو قدّم نتائج البحث يوم الخميس (الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2016) الى الجمعية العامة الأمريكية في مدينة هونولولو بولاية هاواي.
كلام الزملاء في المكتب يغير أمواج الدماغ
وأعلن تاكاهيرو تاميزو أمام المجتمعين أنّ “المحاورات الجانبية والمكالمات الهاتفية المرتبطة بالعمل، تعيق انسيابية العمل في القاعات المفتوحة التي تضم مكاتب للعمل”، التجربة التي أنجزها الباحث الياباني كشفت فوق ذلك أنّ الضوضاء في ذاتها ليست العنصر الأهم في تقليل تركيز العاملين، بل الكلمات والجمل التي يتبادلها الزملاء هي السبب في تشتيت الذهن.
وقاس تاميزو وفريقه الموجات الصادرة عن أدمغة المتطوعين للتجربة بجهاز(EEG) خلال مراقبته مستوى أدائهم على شاشات الكومبيوتر، ولحظ الفريق أن التموجات انخفضت بمستوى درجتين لدى المتطوعين الذين عملوا فيما تلتقط آذانهم أطراف أحاديث الزملاء في المكاتب القريبة.
دراسات سابقة في نفس الموضوع خلصت الى أنّ العمل في قاعات مشتركة يزيد الضغوط على نفوس الموظفين، ويشغلهم غالبا بمراقبة جيرانهم، ومقارنة مستوى أدائهم بما يفعلون، كما خلصت تلك الدراسات والتجارب إلى أنّ العمل في قاعات مشتركة سبب أكيد لانتشار الانفلونزا و نزلات البرد بسرعة خارقة بين كادر العمل، ما يزيد من زياراتهم للطبيب ويرفع من معدل الاجازات المرضية خاصة في موسم الشتاء. وجاءت الدراسة الجديدة لتضيف مسمارا في نعش فكرة العمل المشترك في قاعات كبيرة التي تحاول شركات ومؤسسات دولية اعتمادها كأسلوب أمثل للعمل.
المتخصص في تقييم اداء العاملين ماتين فيلير كتب على موقع شبيغل اون لاين الألماني ” قاعة مفتوحة متراصة المكاتب يتجاور فيها الموظفون هي المكان الأنسب لمنع الناس عن العمل”.
ركام من المشكلات
وفي عام 2000 كشف المتخصص في علم النفس غاري ايفانز في تجربة أجراها بجامعة كورنيل بمدينة ايثاسا بالولايات المتحدة الأمريكية أنّ فحص عينات من بول الموظفين الذين يعلمون في دوائر يعمها ضجيج المكاتب والهواتف، كشف عن احتوائه على نسب مرتفعة من الأدرنالين وهو الهورمون المسؤول عن الضغط النفسي. كما سجل الباحث أنّ مدى اندفاعهم الى العمل تناقص بشكل كبير. وبنفس الاتجاه، فقد أثبت فريق بحث دانماركي في تجربة أجراها عام 2011 أن الموظفين العاملين في قاعات مكتظة بالمكاتب أكثر إقبالا على الإجازات المرضية.
وأجرى فريق باحثين في جامعة كوينزلاند باستراليا تجربة في نفس السياق خلصت نتائجها الى أنّ العاملين في قاعات كبيرة ” يواجهون ركاما من المشكلات، منها فقدان الخصوصية، فقدان الهوية الفردية، تدني مستوى الانتاجية، مشكلات صحية متنوعة، علاوة على تدني مستوى القناعة والاندفاع للابداع في العمل”.