في ذکری وفاة السیدة المعصومة (ع) .. نبذة عن سيرتها الكريمة
وُلدت السيّدة المعصومة في المدينة المنورة، وترعرت في بيت الإمام الكاظم عليه السّلام، فورثت عنه من نور أهل البيت وهديهم وعلومهم في العقيدة والعبادة والعفّة والعلم، وعُرفت على ألسنة الخواصّ بأنّها كريمة أهل البيت عليهم السّلام.
نشأت السيّدة فاطمة تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السّلام، لأنّ الرشيد العبّاسي أسر أباها عام ولادتها، فأودعه سجونه الرهيبة الواحد تلو الآخر، إلى أن اغتاله بالسمّ عام 183هـ، فعاشت السيّدة المعصومة مع إخوتها وأخواتها في كنف الإمام الرضا عليه السّلام. وقد أجمع أصحاب السير والتراجم على أنّ أولاد الإمام الكاظم عليه السّلام كانوا أعلاماً لائحة في العبادة والتقوى والنُّسك.
أبوها أجلُّ ولْد الإمام الصادق عليه السّلام قدراً، وأعظمهم محلًّا وأبعدهم في الناس صيتاً؛ لم يُرَ في زمانه أسخى منه ولا أكرم نفساً وعِشرة وأمها أمّ ولد يُقال لها سَكَن النُّوبيّة، وقيل: نجمة؛ وكُنيتها أمّ البنين؛ سُمّيت بالطاهرة بعد ولادة الإمام الرضا عليه السّلام؛ فالسيّدة المعصومة أخت الرضا عليه السّلام لأمّه وأبيه.
الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة
ولدت السيّدة المعصومة في عهد الرشيد العبّاسيّ، ففتحت عينيها منذ صغرها على وضع سلطوي إرهابيّ؛ فلقد قامت أركان الدولة العبّاسيّة على أنقاض الدولة الأمويّة، وتستّر العبّاسيّون وراء شعار رفعوه في بداية أمرهم هو «الرضا من آل محمّد» ليوهموا طائفة من المسلمين الموالين لأهل البيت عليهم السّلام، لكنّهم ما إن تسنّموا سدة الحكم واستتبّت لهم الأمور حتّى قلبوا لأهل البيت ظهر المجنّ، وامتدّت أيديهم بالقتل والبطش والقمع لكلّ من يمتّ لهذه الدوحة العلويّة الشريفة بصلة، فلاحقوا أئمّة أهل البيت عليهم السّلام وقتلوهم وسجنوهم.
السيّدة المعصومة ترحل طلباً لأخيها عليهما السّلام
اكتنفت السيّدةَ المعصومة عليها السّلام ـ ومعها آل أبي طالب ـ حالةٌ من القلق الشديد على مصير الإمام الرضا عليه السّلام منذ أن استقدمه المأمون إلى خراسان. لقد كانوا في خوف بعدما أخبرهم أخوها أبو الحسن الرضا عليه السّلام أنّه سيُستشهد في سفره هذا إلى طوس خاصّة وأنّ القلوب الكليمة ما تزال تَدمى لمصابهم بالكاظم عليه السّلام الذي استُقدم إلى عاصمة الحكم بغداد، فلم يخرج من سجونها وطواميرها إلاّ قتيلاً مسموماً. كلّ هذا يدلّنا على طرف ممّا كان يعتمل في قلب السيّدة المعصومة عليها السّلام، ممّا حدا بها ـ حسب رواية الحسن بن محمّد القمّي في تاريخ قم ـ إلى شدّ الرحال، لتتحسّس عن أخيها الإمام.
وهكذا رحلت تقتفي أثر أخيها الرضا عليه السّلام، والأمل يحدوها في لقائه حيّاً، لكنَّ وعثاء السفر ومتاعبه اللذينِ لم تعهدهما كريمة أهل البيت أقعداها عن السير، فلزمت فراشها مريضة مُدنَفة، ثمّ سألت عن المسافة التي تفصلها عن قم ـ وكانت آنذاك قد نزلت في مدينة ساوة ـ فقيل لها إنّها تبعد عشرة فراسخ، فأمرت بإيصالها إلى مدينة قم، فحمُلت إليها على حالتها تلك، وحطّت رحالها في منزل موسى بن خزرج بن سعد الأشعريّ، حتّى توفيّت سلام الله عليها بعد سبعة عشر يوماً.
وفي أصحّ الروايات أن خبرها لمّا وصل إلى مدينة قم، استقبلها أشراف قم، وتقدّمهم موسى بن خزرج، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله، وكانت في داره حتّى تُوفيّت… فأمرهم بتغسيلها وتكفينها، وصلّى عليها، ودفنها في أرض كانت له، وهي الآن روضتها، وبنى عليها سقيفة من البَواري، إلى أن بَنَت زينب بنت محمّد الجواد عليه السّلام عليها قبّة.
في رحاب العلم والمعرفة
عاشت السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام في كنف أخيها الرضا عليه السلام ورعايته مدّة من الزمن تمكّنها من تلقّي التربية والتعليم اللائقين بمقامها على يد أخ شقيق لم يكن في علمه ومقامه كسائر الناس، فهو الإمام المعصوم وهو المربّي والمعلم والكفيل. وهذه المدة وإن لم تخل من مضايقات عانى منها الإمام الرضا عليه السلام الشدائد والمحن وإن لم تصفُ للإمام عليه السلام ولم تخلُ من المضايقات إلا أن من اليقين أن الإمام قام بدوره مربّياً ومعلّماً وراعياً وكفيلاً، وفي طليعة من ربّاهم الإمام عليه السلام وعلّمهم شقيقته السيدة فاطمة المعصومة، فأخذت عنه العلم والمعرفة والفضائل والمناقب، حتى غدت ذات شأن عند الله تعالى كما جاء في زيارتها عليها السلام، وأنّ شفاعتها كفيلة بإدخال الشيعة بأجمعهم إلى الجنة، كما تحدّث بذلك جدّها الإمام الصادق عليه السلام. وقد كان لها عليها السلام بأخيها الإمام الرضا عليه السلام صلة خاصّة قلّ نظيرها كما كشفت عنها الروايات والأحداث وسيأتي منها ما يدلّ على ذلك. وإنّ من أهمّ أسباب بلوغها هذا المقام الشامخ علمها ومعرفتها بمقام الإمامة والإمام، وقد كان إمام زمانها شقيقها الإمام الرضا عليه السلام الذي تولّى تربيتها فعلى يديه نشأت، وعنه أخذت، وتحت إشرافه ونظره ترعرعت، وبأخلاقه وآدابه سمعت وتكاملت. ولذا تميّزت الصّلة بينهما بحيث أصبحت تعرّف نفسها بأنّها أخت الرضا عليه السلام. وهما وإن كانا ينحدران من أب واحد وأمّ واحدة وذلك أحد أسباب شدّة الصّلة بينهما إلا أن السّبب الأقوى والأتم هو علمها بمقام أخيها وإمامته، إذ إن الرّابطة النسبية تصبح ـ حينئذ ـ عاملاً ثانويّاً بالقياس إلى العلم والمعرفة. هذا، وقد نوّه الأئمة عليهم السلام بمكانتها ومنزلتها قبل ولادتها، وبعد أن ولدت وتوفيت. روي عن عدّة من أهل الرّي أنّهم دخلوا على أبي عبد الله عليه السلام، وقالوا: نحن من أهل الرّي، فقال عليه السلام: مرحباً بإخواننا من أهل قم، فقالوا: نحن من أهل الري، فأعاد الكلام، قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً، فقال عليه السلام: إن لله حرماً وهو مكّة، وإن لرسول الله حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنّة. قال الراوي: وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم.
روايات السيّدة فاطمة المعصومة عليها السّلام
-
روى الحافظ شمس الدين الجَزري الشافعي المتوفّى سنة 833هـ، في كتابه (أسنى المطالب)، بإسناده عن بكر بن أحمد القصريّ، قال: حدّثتنا فاطمة بنت عليّ بن موسى الرضا، حدّثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر، قلن: حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد الصادق، حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن عليّ، حدّثتني فاطمة بنت عليّ بن الحسين، حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن عليّ، عن أمّ كلثوم بنت فاطمة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، عن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ورضي عنها، قالت:
أنَسِيتُم قولَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يومَ غدير خُمّ: «مَن كنتُ مَولاهُ فعليٌّ مَولاه»، وقولَه صلّى الله عليه وآله وسلّم «أنتَ منّي بمنزلةِ هارونَ من موسى» ؟!
وهكذا أخرجه الحافظ أبو موسى المدائني في كتابه، وقال: وهذا الحديث مُسَلسَل مِن وجهٍ آخر، وهو أنّ كلّ واحدة من الفواطم تروي عن عمّة لها، فهو رواية خمس بنات أخ، كلّ واحدة منهنّ تروي عن عمّتها.
-
وروى المجلسي عن جعفر بن أحمد بن عليّ القمّي في كتاب (المسلسلات)، بإسناده عن بكر بن أحنَف، قال: حدّثتنا فاطمة بنت عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام، قالت: حدّثتني فاطمة وزينب وأمّ كلثوم بنات موسى بن جعفر عليهم السّلام، قلن: حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد عليهما السّلام، قالت: حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن عليّ عليهما السّلام، قالت: حدّثتني فاطمة بنت عليّ بن الحسين عليهما السّلام، قالت: حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن عليّ عليهما السّلام، عن أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السّلام، عن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قالت: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: لمّا أُسريَ بي إلى السماء دخلتُ الجنّة فإذا أنا بقصرٍ من دُرّةٍ بيضاءَ مُجوَّفة، وعليها باب مُكلَّل بالدرّ والياقوت، وعلى الباب سِتر؛ فرفعتُ رأسي فإذا مكتوبٌ على الباب: «لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ القوم»، وإذا مكتوب على السِّتر: «بخٍّ بخّ! مَن مِثلُ شيعةِ عليّ ؟!».
فدخلتُه فإذا أنا بقصرٍ من عقيقٍ مُجوّف، وعليه باب من فضّة مكلّل بالزبرجَد الأخضر، وإذا على الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب: «محمّد رسول الله، عليّ وصيّ المصطفى»، وإذا على الستر مكتوب: «بَشِّرْ شيعة عليّ بطِيب المولد».
فدخلتُه فإذا أنا بقصر من زُمرُّد أخضر مُجوّف لم أرَ أحسنَ منه، وعليه باب من ياقوتة حمراء مُكلّلة باللؤلؤة، وعلى الباب ستر، فرفعتُ رأسي فإذا مكتوب على الستر: «شيعةُ عليٍّ هُمُ الفائزون»، فقلتُ: حبيبي جبرئيل، لمن هذا ؟ فقال: يا محمّد، لابن عمّك ووصيّك عليّ بن أبي طالب؛ يُحشَر الناس كلّهم يوم القيامة حُفاةً عُراة إلاّ شيعة عليّ؛ ويُدعى الناس بأسماء أمّهاتهم ما خلا شيعة عليّ عليه السّلام، فإنّهم يُدعَون بأسماء آبائهم.
فقلت: حبيبي جبرئيل، وكيف ذاك ؟ قال: لأنّهم أحبّوا عليّاً، فطاب مولدهم.
بيان: «فطاب مولدهم» لعلّ المعنى أنّه لمّا علم الله من أرواحهم أنّهم يحبّون عليّاً، وأقرّوا في الميثاق بولايته، طَيّبَ مولد أجسادهم.
-
وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن فاطمة بنت موسى عليه السّلام، عن عمر بن عليّ بن الحسين، عن فاطمة بنت الحسين عليه السّلام، عن أسماء بنت أبي بكر، عن صفيّة بنت عبدالمطلّب قالت: