آيفون.. لحظة تاريخية

300

_93316988_whatsubjectالحكمة – متابعة: قبل نحو عشر سنوات، كنت أهرول من مركز موسكوني للمؤتمرات في سان فرانسيسكو إلى الفندق المجاور، لإنهاء تقرير تلفزيوني لبرنامج الساعة العاشرة الإخباري، حينما رن هاتفي.

وكانت تلك الأيام، وللمصادفة، تكاد تقتصر فيها وظيفة الهواتف على إجراء المكالمات، لكن كل ذلك كان في طريقه للتغيير.

وحينها صاح زميلي منتج الأخبار في لندن عبر الهاتف قائلا: “هل أمسكت هاتف آبل الجديد في يديك خلال وقوفك أمام الكاميرا في نهاية التقرير؟ وإذا لم تفعل، فلما؟”

وبدا لي هذا طلبا مستحيلا حينها.

وكان ستيف جوبز قد كشف للتو أمام حشد من الجمهور عن هاتف آيفون.

وأتذكر حينها أنه عُرض علينا، وأسقطنا ذلك من خططنا بسبب ضيق الوقت، إجراء مقابلة مع مدير التسويق في شركة آبل “فيل شيلر”.

لكني استدرت وعدت إلى مركز موسكوني للمؤتمرات لإجراء المقابلة، وبعد أن وجدت السيد شيلر طلبت منه أن ألقى نظرة على هاتف آيفون.

فأعطاني شيلر هاتفه بلطف، وعرضته أمام الكاميرا لبرنامج العاشرة الإخباري.

وفي يوم الأحد التالي، كتب أحد كتاب الأعمدة في إحدى صحف الأحد ووصفني بأنني أمسكت بالهاتف وكأني أمسك بـ” قطعة من الصليب الحقيقي”، وشكا بعض المشاهدين من أن بي بي سي أعطت أهمية مفرطة لإطلاق منتج جديد.

وظهرت بعدها في برنامج “نيوز ووتش” الإخباري، للدفاع عن نقل هذا الحدث، وقلت إن بعض المنتجات تستحق التغطية الإخبارية، لأنها تبشر بتغيير جذري في طريقة حياتنا، وفكرت فيما إذا كانت السيارة فورد طراز “تي” ربما أصبحت خبرا في النشرة التلفزيوينة، إذا كان لدينا نشرة إخبارية في ذلك الحين.

ويذكر أن السيارة فورد طراز “تي” أنتجت في مطلع القرن العشرين، وهي أول سيارة اقتصادية التكلفة، مكنت الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة من اقتناء السيارات.

وبعدها، ندمت على ذلك قائلا: من يعلم أن آيفون سيثبت أنه تغيير جذري مثل امتلاك الطبقة المتوسطة للسيارات؟

لكن اليوم لا تبدو هذه المقارنة غريبة للغاية. وأصبحت الهواتف الذكية هي التكنولوجيا التحولية الرئيسية خلال العقد الأخير، ووضعت الحواسيب القوية في أيدي أكثر من ملياري شخص، وأزعجت كل أنواع الصناعات.

صورة لمدينة لاس فيغاس التقطت عبر هاتف أيفون.صورة لمدينة لاس فيغاس التقطت عبر هاتف آيفون.

وأحد الأمثلة في الصورة التي تظهر في أول هذا المقال. إنها ليست جيدة للغاية، لكني التقطتها حينها عبر كاميرا رقمية من طراز SLR ، وفي ظل إضاءة ضعيفة حاولت أن أصور ستيف جوبز على خشبة المسرح.

وعلى النقيض من تلك الصورة، الصورة التالية التي التقطت بعد ذلك بعشر سنوات في لاس فيغاس الأسبوع الماضي، عبر هاتف آيفون، وهي من تصوير نفس المصور غير الكفء.

وصورة عام 2017 يمكن مشاركتها فورا على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما ظلت صورة ستيف جوبز التي التقطتها له قبل نحو عشر سنوات حبيسة كاميرتي لأيام.

ووجهة نظري هي أن هاتف آيفون غير جذريا الطريقة التي ننظر بها إلى التصوير، والمدى الكلي للأنشطة الأخرى التي يمكننا أن نفعلها خلال تحركاتنا.

بالطبع، قد كانت هناك هواتف بكاميرات قبل عام 2007، وكذلك كان هناك أجهزة هواتف تسمح لك بأن تتجول في الإنترنت، أو تبعث برسالة بريد إلكتروني.

لكن عبقرية ستيف جوبز هي أنه أدرك، أنه بدون واجهة مستخدم جذابة فإن الكثير من الناس لن يشغلوا أنفسهم بفعل الكثير عبر هواتفهم، أكثر من المكالمات وإرسال الرسائل.

ولذلك، وبالرغم من نفوري نوعا ما كبريطاني من المبالغة التي أحاطت بإطلاق هاتف آيفون، وهو ما عبرت عنه حينها في مدونة، إلا أنني أنظر الآن إلى ذلك الوقت وأشعر بالامتنان، لأنني شهدت تلك اللحظة التاريخية.

والآن فإن شركات أخرى، وخصوصا أمازون وغوغل، تأخذنا إلى الأمام عبر منتجات ابتكارية مشبعة بالذكاء الاصطناعي.

لكن ما نعيشه الآن يرجع إلى ظهور آيفون، في يوم مشمس من شهر يناير/ كانون الثاني في سان فرانسيسكو، حين بدأ عصر العالم الذي تربطه الهواتف النقالة.

 (بي بي سي)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*