الحكمة – متابعة: لا يختلف المختصون بالشأن الاقتصادي على ان السياسات الخاطئة وتراكمات العقود الماضية وتأثيراتها السلبية في الاقتصاد العراقي أوجدت ظواهر جديدة منها “اقتصاد الظل” والاغراق السلعي ، ما يتطلب – حسب مختصين – اعتماد سياسات جديدة وتطبيق آليات فاعلة في الاقتصاد من خلال توحيد جهود الوزارات والجهات القطاعية للحد من الاستيراد العشوائي والتهرب الضريبي بما يقلل اخطار اقتصاد الظل على الاقتصاد الوطني.
الاكاديمي الاقتصادي د.ماجد البيضاني بين ضرورة الاسراع في تبني سياسات استيرادية تشجع وتدعم الانتاج الوطني من القطاعين العام والخاص بما يغطي حاجة السوق للحد من الاغراق السلعي الذي انهك اقتصاد البلد وأوجد ظاهرة “اقتصاد الظل”.
و“اقتصاد الظل” أو”الاقتصاد الخفي” – حسب ما يعرفه الخبراء والمختصون – عبارة عن أي نشاط تجاري لا يخضع للقوانين ولا يعمل بطريقة نظامية، كالأنشطة التجارية المدرّة للدخل التي لا تسجل ضمن حسابات الناتج المحلي الإجمالي تعمداً من أصحابها بهدف إخفائها من حسابات الدخل لتفادي الرسوم الضريبية.
وأكد البيضاني في حديث لـ”الصباح” ان الحد من هذا النشاط الاقتصادي السلبي يتمثل في فسح المجال امام الانتاج الوطني ليأخذ مبادرة المنافسة المتكافئة مع المستورد من حيث الجودة والمتانة والمواصفات القياسية، مؤكدا اهمية وجود دعم تشريعي ايضا للقطاع الخاص فضلا على وضع الخطط المدروسة والواضحة للقطاعات الانتاجية و تقليص تداعيات الظروف السياسية على الاقتصادية قدر الامكان.
المواطن احمد سلمان عبد الواحد قال: ان الحيرة كانت تلازمني لمدة طويلة عندما اذهب الى السوق المحلية وأجد قطعة ملابس تعرض بسعر 15 الف دينار ، وعلى بعد أمتار قليلة أجد القطعة ذاتها تباع بسعر 7 الاف دينار، موضحا ان البائع الاول يفسرها بأن بضاعته أصلية ولذلك سعرها مرتفع.
واضاف سلمان ان التفسير غير مقنع لكنني توصلت الى حقيقة ذلك اذ ان السلعة الاولى خضعت للضرائب والثانية دخلت بشكل مخالف
للقانون.
يذكر ان العراق اعتمد في عام 2012 العمل باجازة قيد الاستيراد التي اخضعت عددا كبيرا من المواد والبضائع للمواصفات القياسية واسهمت في الحد من دخول بضائع رديئة كانت رائجة في اسواق البلد ومن مناشئ غير رصينة.
البيضاني عاد ليشير الى ان “اقتصاد الظل” في العراق تكون من عوامل عدة ابرزها الفساد الاداري والمالي ، فضلا عن تحكم مجموعة من التجار الطارئين في السوق واحتكارها والهيمنة عليها دون ان يفكروا بمصلحة واقتصاد البلد.
وكان الاكاديمي الاقتصادي د.هلال الطعان ذكر في حديث سابق لـ «الصباح» ان هذه الحالة وجدت بعد 2003 ، اذ مر العراق بحالات الاغراق الثلاث المتمثلة بالاغراق العارض الذي يستمر لفترة وينتهي كبضاعة معينة تدخل السوق كنوع وحيد فقط ثم تنتهي، والنوع الثاني هو الاغراق المتعمد والثالث هو الاغراق المستمر .ويعرف الاغراق السلعي على انه قيام دولة ما بتصدير منتجاتها بأسعار أقل من السعر الطبيعي لهذه المنتجات في موطنها الأصلي لغرض إلحاق ضرر جسيم بمصالح المنتجين الوطنيين في الدولة المتعاقدة المستوردة للسلعة.
واكد الطعان ان البلد، ومنذ سنوات عدة ، مر بالاغراقين الاخيرين من بضائع دول الجوار التي تباع داخل العراق بأسعار اقل مما تباع في اسواق تلك البلدان من حيث التكلفة ، ورأى بان هذا الاغراق جاء لغرض انهاء الصناعة الوطنية وزيادة معدلات البطالة.
الجدير بالذكر ان المنتج الوطني يخشى الإغراق في جميع أوصافه وأنواعه، ورد فعله المباشر والطبيعي أن يطالب السلطات العامة بحمايته من هذا الخطر الأجنبي لمصلحة المستهلك “المواطن العراقي” بدلاً من التحول إلى صناعة أخرى تاركاً السوق للدول المُغرِقة.
بدورها رأت الباحثة الاقتصادية آية عادل ان العراق بحاجة الان الى تشريعات ساندة للقطاع الانتاجي الخاص مقابل رفع أو تقليل الدعم لنشاطه التجاري لكونه بات يعتمد على توفير احتياجات السوق بالاستيراد العشوائي دون وجود موازنة بين ما يمكن انتاجه محليا وبين تعويض مالا ينتج بالاستيراد.
عادل اضافت في حديث لـ”الصباح” من الضروري الحد من احتكار مجموعة من التجار الى النشاط التجاري وايجاد فرص متكافئة بين التجار وبين الصناعيين ، مؤكدة ان ذلك من شأنه توزيع النشاط الاقتصادي بين جميع المشاركين في عملية التنمية بعيدا عن السياسات الخاطئة المستمدة من تراكمات العقود الماضية.
واشارت الى ضرورة القضاء على ظاهرة “اقتصاد الظل” في العراق من خلال تبني تجارب الدول التي مرت بمثل الظروف التي مر بها البلد وتطبيقها بآليات تناسب واقع السوق العراقية بغية تحقيق توازن اقتصادي بين الانتاج والاستيراد.