المراهقون يزيدون حوادث السير عنفاً

236

55544الحكمة – متابعة: في غرفة طوارئ أحد المستشفيات المكتظّة بالمرضى ترتفع صور منفصلة لإصابات مختلفة وكأنها كابوس حاد مرعب لن ينساه من وقع ضحيته في هذه الردهة، في إحدى الأركان يستلقي شاب تتقاطع الأنابيب على جسده بعد أن أصيب بجرح بالغ في صدره إثر تصادم مروري، وعلى مقربة منه رجل مضرج بالدماء ينطق بكلمات معدودة يقطعها سعال شديد متكرر من شدة الألم وهو يتحدّث عن تفاصيل الاصطدام لضابط التحقيق، ومن بين كل تلك الصور المفزعة برز وجه ذلك الطفل الممدّد على السرير والدماء تسيل من بين اللفافات الموضوعة على ساقه اليمنى التي كانت عبارة عن كتلة مختلطة من اللحم والعظام المهشّمة وقد تحطّم مفصله بعد أن دهسه سائق عجلة، ليؤكد أن ما سبقه من حوادث لم يكن إلا مجرد أخطاء سيمحوها الزمن وأنه سيقضي ما تبقى من حياته مقعداً! فمثل هذه الحوادث لا تعد ولا تحصى، ولا تقتصر على الطريق السريع فقط، بل وجدت لها مكانا في مختلف الطرق الرئيسة والفرعية للمحافظات والمدن، وهذا ما أكده المتحدث الإعلامي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي:

“إذ بلغ عدد الحوادث في بغداد لعام 2015 على الطرق السريعة (336) حادثا وعلى الطرق الرئيسة (606) حوادث وبلغت على الطرق الفرعية (56) حادثا والريفية (19)، وبهذه الارقام تسجل بغداد أعلى نسبة من بين المحافظات الأخرى من حيث الحوادث، إذ بلغ مجموع الحوادث بمختلف أصناف الطرق (1,284) حادثا، وبحسب الاحصاءات المسجلة بلغ مجموع الحوادث في البصرة (1,139) حادثا، وفي محافظة النجف بلغت (1,054) حادثا واما في محافظة بابل فقد بلغ مجموع الحوادث (1,031)، وكان لمحافظتي ذي قار والقادسية نصيب من الحوادث اذ بلغ عدد الحوادث في ذي قار(938) والقادسية(897) ومجموع الحوادث في واسط (718) وفي ميسان (438) والمثنى (371 )، ولم تستبعد محافظة كربلاء من الاحصاءات، إذ بلغ مجموع الحوادث (369) و كركوك (342) وديالى (295)، وتم استبعاد نينوى وصلاح الدين والانبار من الاحصاءات المسجلة للحوادث لعام 2015 بسبب الظروف الأمنية”.

ضحايا المصادفات

مثلما هو الحال مع أكثر الحوادث المروريّة  تكون المصادفات هي التي تقرر من يكون ضحية ومن يفلت من دون إصابة، وكان صالح محمد، أحد المصابين عندما قرر التوجه الى مقر عمله بسيارة أجرة يقودها شاب لم يتجاوز العشرين من عمره، وبحلول الساعة العاشرة كان محمد ممدداً على سرير في غرفة طوارئ مستشفى الكندي مغطّى بالدماء، وبعد أن أعاد مرآة ذاكرته المهشّمة لتفاصيل ذلك اليوم قال محمد بصوت مليء بالحقد والكراهية:

“عند الساعة الثامنة صباحاً قمت بتأجير سيارة نوع (سايبة) من منطقة الشعب الى منطقة البياع، وكان السائق يقود بسرعة جنونية جعلت السيارات الأخرى تتفرق كالسكاكين الحادة خوفا من الاصطدام، أدركت في تلك اللحظة من خلال قيادته العشوائية وسط الشوارع الخدمية واتصالاته المتكررة أنه لايفهم شيئا من نظام السرعة المروري، وربما كان يقوم بكل تلك الأفعال من أجل أن يجذب اهتمام من حوله، وفجأة حدث ما لم يكن في الحسبان!”.

ومن جانبه يؤكد أحد منتسبي شرطة المرور رافضاً الإشارة الى اسمه بأنَّ:

“المخطط المروري لحوادث الاصطدام يعتمد على احتساب التقاطعات والشوارع، فاذا كانت الساحة تعتمد على أربعة تقاطعات (شمال شرقي، جنوبي غربي) وحدث الاصطدام نتيجة خروج عجلة من أحد هذه التقاطعات الأربعة مع من خرج من الساحة، يكون الحق للأخير وان كان على خطأ، فالأفضليَّة هنا بحسب المخطط لمن في الساحة، وأما بالنسبة لحوادث التقاطعات فالتخطيط يحسب على مكان اصطدام العجلة، فاذا كان الاصطدام من واقية الصدمات الخلفية الى الباب الوسط يحسب التخطيط حسب نظرة المرور بنسبة 60بالمئة فما دون، أما اصطدام الواقية الخلفية في القانون يكون (100) بالمئة على من صدم الواقية كونه غير منتبه، وأما نسبة 50 بالمئة لكلا العجلتين اذا كان الاصطدام من الأمام”.

الحلم السريع

 وبعد أن أخذ نفسا عميقا أكمل محمد حديثه :

“وفيما يشبه الحلم السريع ظهرت سيارة نوع (النترا) وقبل أن يكبح السائق على موقف سيرها ارتطمت في الزجاجة الأمامية وينبوع من الدماء المتدفقة تنهمر من رأسي غطت أجزاء واسعة من وجهي وملابسي، بذلت جهدا مستميتا لرشوة القدر حتى لا أستسلم للاغماء وأخذ رأسي يدور وأحسست بانه يكاد ينفجر، وبالتفاتة سريعة تابع محمد حديثه وصدره مليء بالأسى:

“كان المراهق ممددا على مقود السيارة وسرعان ما انزلق الى الوراء وهو يعاني من صعوبة في التنفس، وبسرعة الشلال المتدفق تم نقلنا الى طوارئ مستشفى الكندي، وبعد اجراء الفحوصات الاولية بالاشعة قام الاطباء بطبابة عميقة لجرحي الى ان توقف النزف، ونقل سائق الاجرة الى شعبة الكسور بعد ان اتضح انه يعاني من كسر في الضلع”.

وقال محمد وصوته يغلي غضباً:

“بعد أن جاءت الجهات المعنية لأخذ إفادتي بخصوص الحادث صدمت بأنَّ ضابط التحقيق لايطلب سوى وقت وقوع الحادث دون الخوض في التفاصيل الأخرى… وقبل أن يكمل حديثه تسلَّم منتسب المرور دفّة الحديث مشيراً إلى أن:

“ضابط التحقيق يعتمد على المخطط المروري الذي وضع في مكان الحادث وليس على الشهود او عدد الاصابات، وعلى ضوء النسبة الأعلى يتم تحديد المذنب وتوقيفه من قبل ضابط التحقيق الى ان يتم التراضي بين الطرفين وان يتحمل صاحب النسبة الأعلى جميع أجور صيانة السيارة، لذلك يجب أن لا يتم تحريك العجلة من موقع الحادث الى أن يأتي ضابط المرور المختص بالتخطيط لاحتساب النسب،  فأية حركة في غير محلها يمكن التلاعب بالمخطط”.

إجراءات غامضة

ويتابع المنتسب بصوت ملؤه

الأسف:

“نتيجة التطور التكنولوجي تجد بعض رجال المرور يقومون بتصوير الاصطدام وتحريك العجلات الى أن يأتي ضابط التحقيق، وهنا تكون النسبة غير منصفة، اذ تعتمد على الصور! وأما في ما يخص الحوادث التي تحصل على خط سريع محمد القاسم فيجب أن تحسب بدقّة عالية، اذ يمكن الاجتياز من ثلاث جهات من البطيء الى الوسط ومن ثم الى السريع، فالضمير هو الحاكم لمثل هكذا حوادث”.

ومن جانبه يؤكّد الهنداوي أنَّ:

“المؤشرات الرئيسة لاحصاء حوادث المرور للسنوات 2011-2015 كانت متفاوتة من حيث عدد الحوادث والوفيات والجرحى، إذ بلغ عدد الحوادث لعام (2011) (10,082) حادثا، وبلغ عدد الوفيات لهذا العام (2,703 ) و الجرحى (10,198)، وفي عام 2012  بدأت أعداد الحوادث بالتصاعد الى ( 10,709) حادثا، قابلها ارتفاع  في عدد الوفيات الى( 3,132 ) والجرحى( 11,009)، وكان للحوادث نصيب أقل عام (2013)، إذ بلغ عدد الحوادث ( 9,725 ) وعدد الوفيات ( 2,951 ) والجرحى (10,694)،  وفي عامي (2014 و2015) كانت عدد الحوادث تتراوح ما بين (8,814 و8,836) ونسبة الوفيات ما بين (2،769 و2,514) ومن بين كل تلك النسب كان عدد الجرحى يتراوح ما بين (9,210 و9,429)”.

ويختتم محمد حديثه متدفقاً في الكلام عن ذلك اليوم قائلا:

“اضطررت وسط اصرار الاطباء وتوسلات عائلتي للعودة الى السرير بعد أن استبدت بي موجة جديدة من الآلام كوني أعاني من جلطة دماغية سابقة واحتاج للبقاء في العناية المركزة لأيام أخرى إلى أن تستقر حالتي واتخاذ اللازم!”

تلك الهاوية المظلمة من التجاهل من قبل الجهات المعنية للحد من الحوادث المرورية التي يسببها المراهقون جعلت من صالح محمد يلجأ الى العرف العشائري لأخذ حقوقه المعنوية بعد أن سلبه المدفوعون الى الموت السريع ثقته بالنظام المروري!

الصباح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*