ميكروبات في جسدك لا يمكنك العيش بدونها
الحكمة – متابعة: قد تحتاج لتناول ما هو أكثر من اللبن الرائب الغني بالبكتريا الحية المفيدة للصحة، المعروفة باسم “بروبيوتيك”، لكي تحظى بجسد عامر بالصحة، وبالبكتريا النافعة أيضا، وفقا لما اكتشفه آدم رذرفورد، بعدما أخضع نفسه لاختبار مزعج على نحو ما.
بدأ الأمر معي بإرسال عينة من الغائط إلى القائمين على موقع متخصص في التعرف على الحالة الصحية للأمعاء، وقدرتها على أداء وظائفها، يحمل اسم “ارسم خريطة أمعائي”.
وقال هؤلاء إن بوسعهم كشف النقاب عن طبيعة التركيبة الميكروبية الكامنة في أمعائي.
وقد أجريت هذا الاختبار في إطار التحضير لتقديم حلقة من سلسلة “الحالات غريبة الأطوار لرذرفورد وفراي”، التي تبثها إذاعة “بي بي سي” باللغة الإنجليزية. وتستهدف الحلقة استكشاف الكم الذي تمثله البكتريا من وزن الجسم.
في السنوات القليلة الماضية، أفادت دراسات متنوعة بأن الميكروبات الموجودة في جهازنا الهضمي أكثر أهمية لصحتنا مما كان يُعتقد من قبل.
لكنني سرعان ما سأكتشف أنني كنت – حتى إجراء الاختبار الأخير- فاشلا بشدة في الإبقاء على هذه البكتريا في حالة جيدة. كما كنت على وشك أن أكتشف أن أنظمة غذائية بعينها قد تؤدي إلى تغيير مصائر تلك المخلوقات المجهرية الدقيقة.
تحتوي أمعاؤنا – في المتوسط – على نحو ألف نوع مختلف من البكتريا. ورغم أنه من العسير حصر مثل هذه الكائنات، فإن عددها الإجمالي يُقدر بالتريليونات، وكلها تقريبا تؤدي مهام نافعة بالنسبة لنا.
ويتألف المحتوى الوراثي لكل منّا، أو الجينوم، من قرابة 20 ألف جين. لكن الميكروبات الموجودة لدينا تحتوي على ما يزيد عن هذا بنحو 500 مرة.
ويفيد ذلك في جعلها قادرة على أداء بعض الحيل البارعة للغاية، فهي تساعد على هضم الطعام، وإفراز الفيتامينات والمعادن، وكذلك الحيلولة دون إصابتنا بالأمراض المعدية عبر الاحتشاد والقضاء على البكتريا التي تنقل عدوى هذه الأمراض.
لكن مهام ما تحتوي عليه أجسادنا من بكتريا تمتد إلى ما هو أوسع نطاقا من ذلك؛ فهي تحدد الشكل الذي نغدو عليه من الداخل والخارج.
هناك بكتريا تعرف باسم “ماثونوبريفيباكتر” وتساعد على استخلاص المزيد من السعرات الحرارية من الأطعمة التي نتناولها
وقال إد يونغ، مؤلف كتاب “أنا أحوي حشدا في داخلي”: “تساعد ميكروباتنا على بناء أجسادنا، وتُشكل ملامح أعضائنا، وتُجددها مع تقدمنا في العمر”.
وأضاف يونغ: “ربما تؤثر كذلك على سلوكنا وعلى الطريقة التي نفكر بها. وهناك العديد من الدراسات التي أُجريت على الحيوانات، وتُظهر أن الميكروبات الموجودة في أمعائها تؤثر على حالتها المزاجية، وشخصيتها، وقدرتها على مقاومة القلق والإجهاد”.
ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يمكن تطبيق مثل هذه النتائج على البشر.
لكن ما نعرفه في هذا الصدد يتمثل في أن الاختلافات الموجودة بيننا فيما يتعلق بالميكروبات التي تحتوي عليها أجسادنا، أكثر بكثير من الفوارق القائمة بين بعضنا البعض على صعيد الجينات الموجودة لدينا.
والتكوين الميكروبي الموجود لدى كل منّا يعتمد على تاريخه الطبي، ونظامه الغذائي، والمكان الذي يعيش فيه، إلى حد أنه يمثل توقيعا مميزا، أو بصمة قد تميز المرء بوضوح عن أقرب أقربائه.
عليّ أن أقر بأنني كنت متوترا قليلا وأنا في طريقي إلى مكتب تيم سبكتور، أستاذ علم الوراثة في مستشفى سانت توماس، لأتلقى نتائج التحليل الخاص بي.
فما الذي سأكتشفه عن ذلك العالم الداخلي الغامض للبكتريا الكامنة بداخل جسدي؟ ما الذي سيكشف عنه التحليل تحديدا بشأن ما يحويه القولون لدي؟
وإحقاقا للحق، كانت النتائج سيئة للغاية إلى حد جعلها أشبه حرفيا بـ”الفضلات”.
فقد قال لي سبكتور: “أنت قريبٌ من ذيل القائمة. إذ تندرج في إطار شريحة الـ 10 في المئة من الأشخاص الأقل تنوعا” في التركيب الميكروبي في أجسادهم.
كان صوته مشوبا بابتهاج ما، من قبيل ذاك الذي يشعر به العلماء عندما يكتشفون شيئا غير معتاد، أو شخصا له أعراض طبية غريبة.
ثمة أغذية أفضل من اللبن الرائب فيما يتعلق بتعزيز وجود وقوة البكتريا النافعة
وأوضح الرجل أن التنوع يشكل أمرا أساسيا فيما يتعلق بالحالة الصحية الجيدة للأمعاء. والفكرة هنا أن الميكروبات المختلفة تؤدي مهام مختلفة كذلك، ولذا يفضي التنوع في “اليد العاملة” هذه إلى أن تتوافر “مهارات” أكثر في هذا الصدد.
وبالنسبة لي، كشف التحليل عن أن مشكلتي لا تقتصر على أن الميكروبات الموجودة في أمعائي تفتقر للتنوع فحسب، بل إن نوعيتها كذلك ليست من الطراز الأول.
وقد أشارت النتائج إلى أن معدل ما في أمعائي من بكتريا معروفة باسم “المطثية الحاطمة” يفوق المعدل الطبيعي بخمسٍ وستين مرة، وأن لدي كذلك من بكتريا “الإشريكية القولونية” ما يزيد 211 مرة عن مستواها المعتاد لدى البشر، وكلا النوعين يرتبط بالإصابة بأمراض في الجهاز الهضمي.
وأفاد التقرير الخاص بنتائج التحليل بأنها تشير إلى أن التركيب الميكروبي الموجود لديّ، والذي يُعرف باسم “الميكروبيوم”، غير صحي على الإطلاق.
ربما بوسعي الآن التعلل بأنني عائدٌ لتوي من رحلة عمل، وأنني ربما أكون قد تناولت خلالها طعاما غير موثوق في سلامته. لكن ما قد يدحض ذلك هو ما قاله سبكتور، من أنه سيكون من غير المألوف أن تنقلب المعادلة الخاصة بالتركيب الميكروبي الموجود في أمعاء المرء من مجرد عدوى واحدة.
أما فيما يتعلق بالبكتريا النافعة الموجودة لديّ، فقد تبين أنها أقل عددا من أكثر من مئة نوع أخر تُسبب أمراضا معدية.
لذا، ففي ضوء ما يقوله الكاتب دوغلاس آدامز من أن آلافا من أنواع الميكروبات الموجودة في أمعائنا “لا ضرر منها تقريبا”، راودني تساؤل حول مدى ما حققته من نجاح فيما يتعلق بحيازة هذه البكتريا النافعة.
على رأس قائمة هذه الميكروبات “المرغوب فيها بشدة”، تتربع أنواع مثل “أكرمنسيا”، و”كريستنسنيلا”، وهي أنواع مربكة في حد ذاتها.
ويرتبط هذان النوعان بالتحديد بحماية الإنسان من زيادة الوزن. أما البكتريا المعروفة باسم “ماثونوبريفيباكتر”، فتساعد على استخلاص المزيد من السعرات الحرارية من الغذاء، وهو ما يعني إمكانية أن تقل كميات الطعام التي يلتهمها الإنسان دون أن يؤثر ذلك على ما يكتسبه من السعرات.
فضلا عن ذلك، هناك بكتريا “أوكسالوباكتِر”، التي تساعد على الحيلولة دون تكوين حصوات الكلى. فماذا عن عدد ما كان لديّ من هذه الأنواع؟ لا شيء.
وهكذا لم اكتشف أنني في ذيل القائمة فيما يتعلق بثراء التركيب الميكروبي الموجود في أمعائي فحسب، وإنما أدركت أن هذه الأمعاء كانت أشبه بشخص قيد الاحتجاز، لفترة تتيح له إعادة النظر في سلوكه بصرامة شديدة، واتخاذ قرار بتغييره. وبعد تطبيق ذلك، سيُسمح له بالخروج من وراء القضبان.
ترتبط البكتريا المعروفة باسم “المطثية الحاطمة” بالإصابة بأمراض الجهاز الهضمي