حصار بلدة (الفوعة) في إدلب السورية يدخل شهره الخامس
326
شارك
ألقت الاضطرابات المسلحة الجارية في سورية منذ أكثر من عام ، بظلالها على واقع الأقلية الشيعية في البلاد بسبب الصبغة الطائفية التي تتسم بها تحركات الجماعات الإرهابية المناوئة للنظام السوري، والمدعومة من دول عربية وأجنبية ، حيث دخل حصار بلدة “الفوعة” في ريف محافظة إدلب السورية شهره الخامس ، في وقت بات معه واضحًا أن المسلحين الوهابيين لن يرفعوا الحصار إلا بالقوة المسلحة ، أو بعد تهجير أهلها من المنطقة لأسباب مذهبية ، إذ ينتمي أهالي البلدة ، إلى المذهب الشيعي الإثني عشري ، ويبلغ عددهم نحو 25 ألفًا .
وكان مسلحو ما يسمى بـ “الجيش الحر” ، المؤلفة أعدادهم في معظمهما من عناصر “القاعدة” والتنظيمات السلفية والأصولية (قسم كبير منهم عائد من العراق)، بدؤوا حصار البلدة نهاية العام الماضي ، حيث منعوا أهلها من الخروج منها لمتابعة أعمالهم وأشغالهم ، كما منعوا دخول المواد الغذائية إليها ، وقطعوا المياه عنها لأوقات طويلة ، ما اضطرهم للاعتماد على المياه الجوفية المحلية.
وقال أهالي المنطقة إن وضعهم المعيشي والصحي بات على شفا الكارثة ، خاصة أن عددًا كبيرًا منهم يعاني من أوضاع صحية مزمنة تقتضي متابعة العلاج في مركز المحافظة أو في حلب .
وأفادت مصادر محلية بأن جميع الطرق المؤدية إلى البلدة ، والتي تربطها بإدلب والمناطق المجاورة ، جرى قطعها منذ ذلك التاريخ ، في حين انتشر المسلحون في باقي محيطها من الكروم والبساتين للحيلولة دون خروج أحد من أبنائها إلا جماعيًا (الرحيل عن المنطقة) باعتبارهم “مجوسًا وصفويين وعملاء إيران والسلطة” ، وفق التعابير الدارجة .
كما أن أكثر من خمسين من أبناء البلدة جرى اختطافهم من قبل المسلحين قبل اقتيادهم إلى جهة مجهولة . وبحسب هذه المصادر، فإن معظم المسلحين هم من بلدة “بنش” المجاورة التي باتت تعتبر أحد أهم حصون مسلحي “القاعدة” في المنطقة، فضلًا عن القرى الأخرى . وقال أحد أبناء المنطقة إن 25 من أهالي البلدة قتلوا حتى الآن بعد اختطافهم ، بينما دُفعت مبالغ وصلت إلى عشرة ملايين ليرة سورية إلى “الجيش الحر” لقاء تحرير عدد من المخطوفين!
يشار إلى أن هناك عددًا من القرى في المنطقة يغلب على أهلها الانتماء المذهبي الشيعي ، فضلًا عن بعض أبناء الطائفة الدرزية . وجميع هذه القرى تعيش وضعًا مشابهًا ، إلا أن الوضع الذي تعيشه “الفوعة” يبقى الأكثر خطورة.
و”الفوعة” بلدة تقع شرقي مدينة إدلب في سورية ، وأغلب سكانها جاؤوا إليها من محافظة حلب إبان انتهاء الحكم الحمداني في تلك المنطقة ، حيث بزغ نجم الدولة الحمدانية في حلب لمدة قرنين من الزمن ، لاستقطابها العديد من العلماء والشعراء والفلاسفة مثل الخوارزمي والفارابي وأبي العلاء المعري والمتنبي، بالإضافة إلى أبي فراس الحمداني ، حيث كان المذهب الرسمي في هذه الدولة هو المذهب الشيعي الإثنا عشري. و ظهر فيها علماء شيعة كبار، وتأسست فيها حوزات علمية كبيرة، واشتهر علماؤها في العالم الإسلامي وخصوصًا علماء الأشراف بنو زهرة، وسيدهم السيد أبو المكارم بن زهرة الحلبي صاحب كتاب “غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع ” . وسادات بني زهرة موجودون الآن في بلدة “الفوعة”.
ويَذكُر ابن كثير في “البداية والنهاية : الجزء 12 / 309 حوادث سنة 570” أنه بعدما أفتى الشيخ نوح الحنفي بكفر الشيعة واستباحة دمائهم ، سواء تابوا أو لم يتوبوا… أغاروا على حلب وقتلوا ما يزيد على خمسين ألفاً وتحول القسم الآخر إلى المذاهب السنية الأخرى ، وفر الباقون إلى القرى المجاورة لمدينة حلب مثل نبل والزهراء والفوعة .
والشيعة الإثنا عشرية اليوم ، طائفة صغيرة مستضعفة في سورية ، يتراوح عدد أتباعها ما بين 250 إلى 350 ألف نسمة هم مَن بقي بعد ذبحهم وتشريدهم وتهجيرهم أيام الأيوبيين والعثمانيين ، أي لا تتجاوز نسبتهم أكثر من اثنين في المائة إلى عدد سكان سورية ، يتوزعون في محافظات دمشق وحلب وحمص وإدلب ودرعا ، وهي المناطق التي ينشط فيها المسلحون الوهابيون حاليًا .