هناك عدة أمور على المسلم أن يأخذها بعين الاعتبار وهو يستعد لصيام شهر رمضان.
أولها: ان يستعد استعدادا حقيقيا لاستقبال شهر رمضان.
والسؤال: كيف يكون الاستعداد حقيقا لاستقبال شهر رمضان؟.
على المسلم أن يعلم أن شهر رمضان يحتاج منه إلى استقبال خاص , فعن الإمام الرّضا عليه السّلام أنه قال لرجل في آخر جمعة من شعبان: «إنّ شعبان قد مضى أكثره وهذا آخر جمعة منه فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى، وعليك بالإقبال على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك، وأكثر من الدّعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله عليك وأنت مخلص للَّه، ولا تدعنّ أمانة في عنقك إلَّا أدّيتها، ولا في قلبك حقدا على مؤمن إلَّا نزعته، ولا ذنبا أنت مرتكبه إلَّا أقلعت عنه، واتّق الله وتوكَّل عليه في سرائرك وعلانيتك، وأكثر أن تقول في هذا الشّهر: اللَّهمّ إن لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شعبان، فاغفر لنا فيما بقي منه» (1).
وهذا الاستعداد الحقيقي والاستقبال الخاص يتضمن عدة أمور:
منها: التوبة من جميع الذنوب:
والتوبة تتجدد في شهر رمضان حتى يتعرض المؤمن لنفحات الله ورحماته , قال تعالى: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (سورة هود: آية 61), وقال عزّ من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (سورة التحريم: آية 8).
وفي رواية عن الإمام عليّ عليه السّلام أنه قال: «عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدّعاء، فأمّا الدّعاء فيدفع به عنكم البلاء، وأمّا الاستغفار فتمحى به ذنوبكم» (2).
ومنها: التحلل من جميع المظالم:
جاء في النبوي المحكي في السرائر وكشف الريبة: « من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحللها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك درهم ولا دينار، فيؤخذ من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فيزيد على سيئاته » (3). والاستحلال إذا سألته أنْ يجعلك في حلٍ من قِبله.
فعلى المسلم أن يغتنم الفرصة بالتحلل من جميع المظالم سواء كانت في حق الله أم في حق العباد, وذلك بردّها إلى أصحابها مع طلب المسامحة والصفح منهم.
ومنها: افراغ القلب وتصفيته من علائق الدنيا وأوزارها:
فينبغي على المسلم تصفية قلبه من علائق الدنيا والاقبال على عبادة الله تعالى ومن مصاديق تصفية القلب الصدق مع النفس ومع الآخرين, وان يتمنى الخير لهم كما يتمناه لنفسه, والابتعاد عن أمراض القلوب من غيبة ونميمة وغش وحقد وحسد وكبر وغيرها.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: « قام رجلٌ يقال له: همّام – وكان عابداً، ناسكاً، مجتهداً – إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يخطب، فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأنّنا ننظر إليه؟ فقال: يا همّام المؤمن هو الكيّس الفطن، بشره في وجهه وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً وأذلُّ شيء نفساً، زاجرٌ عن كلِّ فان، حاضّ على كلِّ حسن، لا حقودٌ ولا حسودٌ، ولا وثّابٌ، ولا سبّابٌ، ولا عيّابٌ، ولا مغتابٌ، يكره الرِّف… » (4).
ومنها: الصبر على العبادة والحرص على مجاهدة النفس فيها:
لابد من الاستعداد لمجاهدة النفس من الشيطان والهوى والشهوات والشبهات, والإقبال بجد واجتهاد وإخلاص على الصوم والصلاة وقيام الليل والصدقة ,فان عزّ المؤمن في ذلك الصبر وشرفه في تلك المجاهدة, عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد، إن الله يقرؤك السلام ويقول: اعمل ما شئت فإنك لاقيه، وأحبب من شئت فإنك مفارقة، وعش ما شئت فإنك ميت، يا محمد! صلاة الليل شرف المؤمن، وعز المؤمن في لسانه» (5).
وتقبل الله منا ومنكم القيام والصيام وصالح الاعمال.