كلمة السيد صالح الحكيم في مؤتمر سانت اجيديو العالمي في مدينة روما الايطالية

202

03-10-2013-31

متابعة: محمد الشريفي

    ألقى سماحة السيد صالح الحكيم مدير مركز الحوار في مؤسسة الحكمة للثقافة الإسلامية، كلمةً في قاعة السلام في مدينة روما الإيطالية تحت عنوان (أممية دينية للحوار) وذلك أثناء مشاركته في مؤتمر سانت أجيدو للحوار جاء فيها:

“إن السلام والمحبة ونبذ العنف والتطرف وإقامة القسط والعدل هي جوهر الرسالات السماوية يقول الله في القرآن الكريم (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ) وجاء في الحديث عن النبي محمد (صلى) انه قال الخلق عيال الله فاحب الخلق الى الله من نفع عيال الله وادخل على اهل بيت سرورا.

 جئتكم من العراق البلد الجريح الذي لا يزال ينزف دماءا زكية ويتعرض أبناؤه الى القتل وإزهاق الأرواح البريئة, حيث لا يمر يوم إلا ويسقط الضحايا بالمئات. والذي يؤسف له والخطير في الأمر إن عمليات القتل والتهجير والانتهاك لا بسط حقوق الإنسان تجري باسم الدين والجهاد في سبيل الله, وتتجلى خطورة هذا القتل “بشرعنته” والمجاهرة به. في بلدنا يقتل الأبرياء في منازلهم ومجالسهم تحت مظلة الفتاوى الدينية التي تكفر باسم الله ملايين البشر استنادا الى معتقداتهم الدينية وانتماءاتهم المذهبية متجاهلة صوت الإيمان ونداء السماء الذي صدح به جميع الأنبياء … يقول القران الكريم ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ويقول في موضع آخر لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ويقول في موضع آخر إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون)).

 وأكد الحكيم في كلمته إن التأسيس لثقافة الإسلام والتوجه نحو أممية دينية يستند على محورين أساسيين هما : 1/ التعارف 2/ منظومة اخلاقية انسانية صحيح ان الجمالية الاخلاقيه اوسع من الاديان فهي من بدهيات الفطره الانسانيه لكنها متصلة بالعروة الوثقى التي حملتها رسالات السماء بما تتضمن من تجليات للعناية الالهية والتي بشر بها الأنبياء واستمدوها عبر الوحي ثم نقلوها للإنسان في أزمنته المتعاقبة. ما ندعوا إليه في هذه الورقة هو تظهير وجلاء لخارطة معرفيه تؤسس لرابطة أممية بين أديان الوحي كما تشمل سائر الأديان المنتشرة في العالم كله وذلك لإدراكنا بعمق المشتركات الأساسية فيما بينها وللمنزلة الهامة التي يتميز بها تتخذه الدين في حياة الإنسان ولإدراكنا أيضا ان في العالم منطقة فراغ لا تملؤها الا الاديان كونها معطيات الهية هادية للخير ودالة الى الصراط ولانها حاملة لأخلاقيات متسامية تتماشى مع الفطرة السليمة, الا اذا افسدها الانسان بتقاطع المصالح وصدام الهويات والصرعات العبثيه فالدين هو المرجع الذي يقدم إجابات لا تستطيع المعارف البشرية الدنيوية ان تقدمها.

 ولعل من اهم ماقدمه الدين في مجال الرؤية الكونية هو انه فتح للانسان نافذة يطل من خلالها على عالم الغيب فالانسان بحاجة في مسيرة هدايته الى معارف عن نفسه وعن خالقه وعن غاية هذا الخلق وعن علاقة المادة بعالم ما وراء المادة التي لا يمكن للإنسان ان يصل اليها بواسطة فكره المحض وقدرادته الذاتيه. يقول القران الكريم سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ واما في مسيرة الانسان العملية فالسلام والمحبة تحتل اهم الاطروحات المقومة في حياته ككائن بشري نجد ان المنظومة الدينيه قدمت طائفة من الاركان الكبرى اسست فيها للمحبة والسلام منها العدل والانصاف حيث جعلته اساسا للتعامل البشري في ما بينه و بين غيره. يقول الامام علي عليه السلام في نهج البلاغه في وصيته لولده الامام الحسن “يابني اجعل نفسك ميزانا في ما بينك وبين غيرك فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لا تحب ان تظلم” ومنها الرحمة والانتصار للمظلوم ومنها الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ومبدأ التعاون الاجتماعي والوفاء بالعهود وأداء الامانه وتأليف القلوب ومبدأ الشورى واحترام التعدديه وغيرها من الأركان التي تشكل في معظمها أطرا مشتركة لسائر الأديان ولا سيما اديان الوحي الالهي.

 وتبعا لهذا الاشتراك الذي هو في جوهره معنوي اخلاقي ايماني روحي ندعو هنا الى تأسيس استراتجيه معرفيه متينه تتبناها القيادات الروحيه لتصبح حية وبامكانها ان تنهض باطروحة السلام العالمي وعلى خلاف ما يظن كثيرون ان تخريج مثل هذه الاستراتجيه العليا للسلام يستلزم مغادرة التحيز الى دين معين او الالتزام بمذهب خاص والحال ان التحيز يحمل في ذاته مساحات ايجابيه اذا ما حمله المؤمنون به على محمل الرؤية الاممية والعبور به الى افاق متعددة الابعاد تمتد لتشمل عالم الانسان اينما وجد . وهنا تبرز اهمية حوار الاديان وامكانية تاسيس مايمكن تسميته بثقافة الحوار المستندة الى المرجعيات العليا للاديان التوحيدية وقوى المجتمع المدني والنخب الفكرية والثقافية في الشرق والغرب . هل يمكن ان تنشأ وتنتشر مثل هذه الثقافة الحوارية ؟ كما هو الحال في انتشار مفهوم الديمقراطية بحيث يكون ذلك حفرا لمسار حواري من نوع جديد ؟. انها ضرورة تفرضها ظروف الاجتماع البشري المعاصر الذي يستشري فيه العنف والتطرف والذي نخشى ان يستوعب الفضاءات لدرجة لا تترك معها ثمة متسع للدفع الرحماني نحو الخيرالعام لا سامح الله. وهذا ليس بالبعيد في عالم يكتظ بما لا حصر له من عوامل النزاع والتدافع وفلسفات عبادة الذات وصراع الحضارات التي ادت الى كوارث متكرره واساءات في استخدام حتى الحوار والسلام لتجعله مطية يخدم نزاعاتها السياسية والثقافية والاجتماعية والعقائدية حتى لحق بمفهوم الحوار التباسات شتى ادت الى تحوله في احيان عدة الى اصطلاح يوضع في غير محله, حيث جرى تحويره وتحويل المراد منه وفقا لاغراض المتحاورين واحتدام مصالحهم وهنا لا بد ان تلحظ الآليات العامة التي ينبغي توافرها في الحوار كي يستطيع تحقيق اهدافه وتحويل الثنائيه المتنافرة الانا او (الاخر) الى وحدة الانا والاخر الذي لا نملك ان نفارقه وكأنه يمكث فينا والذي لا مناص من ان نعقد معه صلات هي اقرب الى محاورات داخليه منها الى تناظر خارجي فأذا حصل ذلك يغدو التحاور ضمن وحدة الانا والغير بديلا عن السجال العدمي الذي يبنى على فرضية ان الغير هو الخصم الدائم لنا.

 ليختتم السيد صالح الحكيم كلمته بالسؤال التالي: فهل نحن قادرون على تحقيق شعار المؤتمر “شجاعة الرجاء” THE COURAGE TO HOPE

هذا هو التحدي الكبير !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*