قافلةٌ يتقدّمها سيّد الشهداء ويحفّ بها قمرُ بني هاشم تتّجه صوب كربلاء الشهادة لتسجّل صفحات الخلود على جبين التأريخ
552
شارك
بعد أن تسلّم الإمام الحسين رسالة مسلم بن عقيل(عليهما السلام)، وتقريره عن الأوضاع والظروف السياسيّة واتّجاه الرأي العام، قرّر التوجّه إلى العراق وذلك في اليوم الثامن من ذي الحجّة (يوم التروية) سنة (60هـ)، ويعني ذلك أنّ الإمام (عليه السلام) لم يُكمل حجّه، بسبب خطورة الموقف ليُمارس تكليفه الشرعيّ في الإمامة والقيادة. جمع الإمام الحسين(عليه السلام) نساءه وأطفاله وأبناءه وإخوته وأبناء أخيه وأبناء عمومته، وشدّ الرحال وقرّر الخروج من مكّة المكرّمة، فلمّا شاع نبأ رحيله(عليه السلام)، تملّك الخوف قلوب العديد من مخلصيه، والمشفقين عليه، فأخذوا يتشبّثون به، ويستشفعون إليه، لعلّه يعدل عن رأيه ويتراجع عن قراره؛ إلّا أنّ الإمام (عليه السلام) اعتذر عن مطالباته بالهدنة، ورفض كلّ مساعي القعود والاستسلام. وينطلق ركب الإمام الحسين من مكّة باتّجاه العراق مصبحاً ومعه أهل بيته وأنصاره في اليوم الثامن من ذي الحجّة قاصداً مدينة الكوفة التي وعد أهلها بالقدوم إلى بلدهم، وقد سبقه إليها ابن عمّه مسلم بن عقيل الذي أخبره بإجماع الناس في الكوفة على بيعته والدفاع عنه. إنّ من أهمّ الأسباب التي دعت الإمام الحسين بن علي(عليه السَّلام) أن يُحلَّ إحرام حجّه بإبداله الى عمرة مفردة ويخرج من مكّة ويتوجّه إلى العراق بسرعة وعلى عجل في يوم التروية. رغم أنّ الناس كانوا يتوجّهون إلى عرفات لأداء مناسك الحجّ هو أنّ الإمام الحسين(عليه السَّلام) أحسَّ بأنّ الجهاز الأمويّ عازمٌ على إجهاض نهضته المباركة والتخلّص منه باغتياله خلال أيّام الحجّ وإهدار دمه، فعزم على الخروج من مكّة فوراً لكي يفوِّت الفرصة على أعداء الدين الإسلاميّ. ونجد ذلك واضحاً في خطبته حيث قال (عليه السلام): «الحمد لله وما شاء الله ولا قوّة إلّا بالله، خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيرٌ لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن أكراشاً جوفاً وأحوية سغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجورنا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده، من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحلٌ مصبحاً إن شاء الله».مقتل الحسين(عليه السلام) لابن طاووس- ص23.